الأربعاء ١٧ سبتمبر ٢٠١٤
( ١ ) لا مجال للتشكيك في أن (العدو) هو أحد العناصر الملازمة لبناء الدولة القوية. هل رأيتم دولة راسخة ومؤثرة في تاريخ البشرية... كانت بلا أعداء؟! لكن اختيار العدو له آليات وأخلاقيات بحيث تجعل الدولة في موضع من يزاول عملية دفاعية مبررة وليست عدوانية. كما أن هذا (العدو) ليس ثابتاً ودائماً، بل هو متغير وفق تغيّر الأحوال المحيطة والمصالح المنوطة بها. لكنّ تغيير العدو يأخذ عادةً زمناً كافياً من أجل تبريره وتمريره. ( ٢ ) ظل العالم العربي عقوداً طويلة متوافقاً على (عدو) واحد وموحّد هو العدو الإسرائيلي / الصهيوني. وبقينا نحن الشعوب العربية على هذه الحال، مهما انشغلنا بعداوات صغيرة لوقتٍ قصير، إلا أننا نعود للعدو الكبير المستديم : إسرائيل. لكن هذه الحال العدائية المستقرة تبدّلت بشكل مربك وغير مسبوق بسببٍ من أعراض ما سمّي الربيع العربي. ففي الثلاثة أعوام الماضية فقط ترنّحت مشاعر الشارع العربي بين عدو وآخر بديل لأكثر من مرة. تتزامن عملية تبديل العدو عادةً، بحوارات شعبية تدور جدالاتها حول أيهما أشد خطورة على أمننا القومي والوطني : العدو القديم أم العدو الجديد ؟! كانت المحطة الأولى لوزن العداوات هي بين إسرائيل في كفّة، وإيران والهلال الشيعي في كفة أخرى. تكاثرت المقالات والنقاشات التي لا تريد أن تقول إن التحرك الإيراني المشبوه في المنطقة هو…
الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠١٤
حين صدر قرار تعييني مندوباً دائماً للمملكة العربية السعودية لدى منظمة اليونسكو في العام 2006م، التقاني الأمير سلمان بن عبدالعزيز في مكتبه وطلب مني بذل الجهد لتوثيق علاقة المملكة مع اليونسكو، ثم سألني: متى ستباشر عملك؟ قلت: بعد شهر من الآن حتى تنتهي الإجراءات الورقية، قال لي: لا، ستبدأ عملك غداً بإذن الله حيث تحضر حفل العشاء الذي سأقيمه للرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي كان يزور الرياض حينذاك. وأصبحت لا أؤرخ بداية عملي في اليونسكو من أول يوم عمل هنا في باريس... بل من ليلة العشاء تلك في الرياض. أمرني الأمير سلمان، في أول ليلة دوام، بأمرين نفذت أحدهما ولم أنفذ الآخر! أمرني أن أبذل جهدي في توثيق العلاقة بين المملكة واليونسكو. وقد حاولت جهدي مع زملائي في المندوبية الدائمة، وأرجو أن نكون قد نجحنا. أما الطلب الآخر فهو أن أتعلم اللغة الفرنسية بسرعة، قال سموه هذا وهو يلتفت إلى الرئيس شيراك. لكنني لم أنفذ المطلوب، أو على الأقل ليس بالدرجة التي تمنياها وأتمناها، لأن الأمير والرئيس اقترحا عليّ طريقة تساعد على تعلّم اللغة الفرنسية بسرعة، لكن زوجتي العزيزة لم توافق عليها!!! **** هنا منظمة اليونسكو... البيت الذي شُيّد بعد الحرب ليكون حصناً للسلام. هنا اليونسكو، حيث تلتقي الثقافات واللغات والانتماءات الدينية والقومية والوطنية تحت سقف واحد في نموذج مصغّر…
الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠١٤
1 لأول مرة، منذ اشتعلت القضية الفلسطينية قبل قرابة ٧٠ عاماً، يختلف العرب في الموقف من عدوان إسرائيلي ومقاومة فلسطينية، في العدوان الأخير على غزة. لم يحدث هذا في حروب 1948 و 1956 و 1967 و 1973، أو حروب الشوارع أثناء الانتفاضتين الأولى والثانية. ربما وُجد حينذاك من يؤيد إسرائيل أو لا يعبأ بدعم فلسطين، لكنه كان يفعل ذلك سراً ويستحي من الجهر بمشاعره تلك. الوضع اختلف خلال الحرب على غزة مؤخراً، فقد أعلن العرب المتعاطفون مع الجانب الإسرائيلي أو غير المؤيدين للصف الفلسطيني عن موقفهم المثير، من دون مواربة ومن دون خجل! لو سُئلت عن عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على غزة لما ترددت في إضافة العرب المؤيدين للعدوان الإسرائيلي مع أولئك القتلى! أستذكر هنا ما قاله لي ديبلوماسي غربي، عقب تصويتنا على قرار فلسطيني في اليونسكو، قال: أنتم العرب تختلفون وتتباعدون وتتشاتمون وربما تتقاتلون، لكن إذا حضرت فلسطين نسيتم كل خلافاتكم واتفقتم من جديد ورجعتم متحّدين. هذه المرجعية الوحدوية الفذة واليتيمة أصبحت أيضاً الآن محل تشكّك، بعد أن أصابتنا (عين) الدبلوماسي الغربي! ٢ الانقسامات العربية منذ مجيء «الربيع الشائك» أدت إلى حالة شعبوية غير مسبوقة من تبادل التهم والتجريم والتخوين المتبادل. لكن الانقسام العربي الجديد والمفاجئ في شأن فلسطين أدى إلى خلق حزمة جديدة وحادة من التهم التي سيظل…
الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠١٤
احتار الناس حول من انتصر في حرب غزة: الفلسطينيون أم الإسرائيليون، «كتائب القسام» أم جيوش نتانياهو؟ بالمعيار العسكري الإحصائي الذي يعدّد كمّ القتلى والجرحى والبيوت المهدمة والخراب والدمار، فإن إسرائيل هي التي انتصرت قطعاً. وقطعاً أيضاً أن هذه النتيجة التعدادية لم تكن مفاجئة لـ «كتائب القسام» أو مسؤولي «حماس» أو أهالي غزة، إذ إن هناك حسابات أخرى قد تعطي نتائج أخرى. عدا المعيار العسكري القتالي، هناك المعيار الأمني الاجتماعي الذي تنتشر أعراضه وتتفاقم أكثر من الأول. هل أصبح المستوطن الإسرائيلي أكثر أمناً بعد حرب غزة أم أقل؟! هذا هو السؤال. في حروب التحرر بالذات يصبح جواب هذا السؤال هو مربط الفرس الحربي. وسيصبح من أهم تفريعات السؤال رؤية المجاورين والمتحالفين لمشروعية مساعي المحتل تبرير احتلاله وتكريسه. كلما ازداد عدد قتلى الفلسطينيين انخفض مستوى أمن الإسرائيليين! هذه المفارقة العجيبة لا يصنعها فقط الانطباع الداخلي للمستوطن اليهودي الذي يحزم حقائبه مغادراً «الأرض الموعودة»، بل يساهم في صناعتها وبقوة أيضاً الانطباع الخارجي الذي بات يشكك في ذرائعية الاحتلال. هذا الانطباع الخارجي لم يعد يتكئ على ما تشتهي الجيوش الإعلامية محاربة الإنسان المهزوم به، الإنسان المغلوب على أمره المتسمّر أمام الشاشة يستقبل فقط ولا يرسل. فالإعلام الجديد بات يصنع الفرق عبر وسائط التواصل الاجتماعي. الذين خرجوا وتظاهروا في شوارع أوروبا وأميركا ضد اسرائيل لم…
الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠١٤
أعود اليوم للكتابة، بعد إجازة تمددت من شهر إلى شهر ونصف، كما يعود الطالب الكسول من إجازة الصيف الطويل إلى المدرسة. يدرك الكاتب أن دوره في المجتمع «هامشي» عندما ينقطع عن الكتابة مدةً من الزمن ثم يعود فلا يجد شيئاً في الحياة قد توقّف أو تعطّل بسبب غياب مقالاته! الحقيقة التي لا يريد الكتّاب الاعتراف بها هي أنهم ليسوا ضروريين للمجتمع بل إن المجتمع هو الضروري لهم، فلولا مشكلات المجتمع وإخفاقاته لما وجد الكتّاب شيئاً يكتبونه. قال قائلٌ منهم: لكنّ الكتّاب هم الذين يساهمون في تعزيز النجاحات وإبرازها، وفي تحليل الإخفاقات وتفكيكها. هذا الزعم صحيح إلى حدود ضيقة جداً، إذ هو ينطبق على فئة ضئيلة من الكتّاب هم المخلصون الصادقون. والخبر السيئ هنا هو أن أغلب، وأؤكد على أغلب وليس كل، الكتّاب المخلصين الصادقين هم كتّاب ضعفاء عادة وقدراتهم الكتابية والإقناعية محدودة، وذوو نمطية موغلة في الرتابة. لماذا؟! لأن أغلب، وأؤكد على أغلب وليس كل، الكتّاب المتمكنين البارعين «العفاريت» لا يتركهم السوق هكذا أحراراً يزاولون صدقهم وإخلاصهم كما يشاؤون، بل يختطفهم (السوق) ليعيد برمجة صدقهم وإخلاصهم حسب الحاجة. ومن استطاع من القلة الضئيلة من هؤلاء الكتّاب / العفاريت أن يفلت من الاختطاف هو الذي سيغضب، بصدق وإخلاص، من مقالي هذا! عدا القلة القليلة من الصادقين / المتمكنين، فإن الكتّاب عموماً…
الأربعاء ٠٢ يوليو ٢٠١٤
أعيش منذ سنوات خارج وطني وبعيداً عن أسرتي الكبيرة. لكنني أجد حرجاً في الإجابة على من يسألني: كيف الغربة معك؟! إذ قد يُفسر جوابي، غير الدراماتيكي، بأنه زهدٌ في الوطن أو عقوقٌ للأهل. لكن الأمر كما تعلمون ليست له علاقة بالمشاعر بل بالتقنية. لم يعد في الغربة غربة! هكذا هي حال «المغتربين» في عصر وسائط التواصل الاجتماعي، طوال أحد عشر شهراً خلال العام. لكن حين يأتي شهر رمضان تعود الأحاسيس بالغربة، إذ لم تتمكن وسائط التواصل، على الأقل حتى الآن، من نقل مشاعر وطقوس رمضان إلى خارج الحدود. لأن رمضان هنا، في الخارج، هو شهر كانون الثاني (يناير) أو حزيران (يونيو) أو تشرين الثاني (نوفمبر) أو ... أو...، وليس شهر رمضان. في بلادنا، كل شيء يصوم خلال شهر رمضان، البشر والشجر والحجر. حتى الماء يصوم عن أفواه الناس. وفي بلاد الغربة الرمضانية، أنت وحدك الذي تصوم والناس من حولك عن الجوع صائمون! زالت كل أعراض الغربة بين العوالم، إلا في رمضان، ما زالت باقية في تلك الروحانية التي يتدثر بها المسلمون خلال شهرهم هذا. هل ستقدر التقنية المتفوقة أن تنقل هذه الروحانية عبر خلايا التواصل الرقمي، أم أن التواصل الاجتماعي هو بالعكس لا يزيد المغتربين إلا ألماً وجوعاً روحياً؟! رمضان ليس عبادة فقط تؤديها حيثما كنت، بل هو نظام حياة…
الأربعاء ١٨ يونيو ٢٠١٤
لو أن القوة بين (أولاد الحارة)، القوة الجسدية والمعنوية والمالية، كانت متفاوتة لصالح واحد أو اثنين منهم عن بقية الأولاد، فما هي الخيارات المتاحة لك لتقوية وجودك أو على الأقل لتخفيف ضعفك بين أولاد الحارة؟ في العادة لا نفكر سوى في خيارين اثنين: التحالف مع الأقوياء أو الاتحاد مع الضعفاء. ولأن الخيار الأول في الغالب يكون صعباً ومرتهناً بقبول الأقوياء فإننا نتجه للخيار الثاني الأسهل فنتقوّى بالاتحاد مع الضعفاء، وهو بلا شك خيار أفضل وأقوى وأقل ضرراً من البقاء وحيداً. لكننا نغفل كثيراً عن خيار ثالث وسطي بين خياري الالتحاق بالأقوياء أو البقاء مع الضعفاء، ويتمثل ذلك في انتخاب واحد أو اثنين من «أقوياء الضعفاء» بغرض تكوين تحالف جديد مبني على نقاط قوة مشتركة بين هذه القوى «المتوسطة» تجعلها، ليست قادرة على تحدي الأقوياء، لكنها قادرة على عدم الخضوع لهم بالكليّة كما يفعل الضعفاء. يمكننا تكبير هذه الصورة وتطبيقها على أولاد حارة هذا الكون وتمحيص تحالفاته بين الأقوياء والضعفاء. من أشهر التحالفات في هذا العصر الحديث ما يسمّى «حركة عدم الانحياز» التي قامت في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية الساخنة وبدايات الحرب الباردة (في العام ١٩٥٥) بزعم عدم الانحياز إلى إحدى القوتين المتصارعتين، السوفياتية والأميركية. لكن هذه الحركة ظلت، رغم انتفاء غرضها منذ التسعينات، تتحرك في مدارات سياسية بحتة في…
الخميس ١٢ يونيو ٢٠١٤
في إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي، أرسل أحدهم تغريدة يدعو فيها بقوله: (اللهم اجعلنا من الثائرين في سبيلك)، ثم توالى بعض أعضاء المجموعة بالتأمين على دعوته تلك، لكني لم أؤمّن معهم، بل تحفّظت على مشروعية الدعاء نفسه. إذ رأيت من المغالطة اعتبار أن «التثوير» هو حالة اعتيادية لحياة الإنسان، فيصبح من المستحسن التأمين على دعاء مفتعل كهذا. الثورة حالة استثنائية في حياة الإنسان السوي الذي يسأل ربه ألا يحوجه لها إلا في أضيق الطرق. وعوض أن نقول اللهم اجعلنا من الثائرين... لنقل اللهم اجعلنا من الآمنين، وهو من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم. خطاب التثوير الدائم لا ينتج مجتمعاً هادئاً مطمئناً، متعايشاً مع نفسه ومع الآخرين، بل يصنع مجتمعاً قلقاً في حالة استنفار دائم وكراهية ناجزة تبحث دوماً عن ضحاياها. التثوير الدائم هو نتاج مدرستيْ الشيعة والشيوعيين. استند متطرفو الشيعة في ثورتهم الدائمة منذ 1400 عام من أجل الثأر لدم الحسين عليه السلام، فأصبح المستسلمون منهم لهذه الأيديولوجية الثورية مشروعاً مستديماً لشتم كبار الصحابة رضي الله عنهم ولعذابات عاشورائية لم تُرو غليل الثأر حتى الآن منذ قرون! واستند الشيوعيون في أدبياتهم الثورية على توفير العدالة المثالية وطمس الطبقية، فأصبح المثاليون من أتباع هذه الأيديولوجية مشروعاً مستديماً لشتم الإمبريالية والملكية، حتى على رغم توفير الإمبريالية لهم منصات الحديث المأسوي المستديم! حين…
الأربعاء ٠٤ يونيو ٢٠١٤
قبل عشرين عاماً أو أقل كانوا يحدثوننا عن العالم الافتراضي الذي ستُبنى فيه علاقات وصداقات افتراضية بين أناس لم يتعارفوا أو يتلاقوا في الحياة الحقيقية قط، وأن أصدقاءك لن يكونوا هم فقط الذين تلتقيهم في بيتك أو حارتك أو عملك أو في مقهاك المفضل، بل سيكون لك أصدقاء، من نوع جديد، تعرفهم بأسمائهم وأعمالهم وتتحاور معهم كل يوم عن آرائهم في ما يجري من أحداث حول العالم. ليست العلاقة الصارمة والجادة هي التي بينكم فقط، بل وتدردش «تسولف» معهم عن شؤونك الخاصة واهتماماتك الفردية والمواقف التي تعترضك في الآن واللحظة، وتتبادل النكات والمزاح والتعليقات على هذا وذاك من المشاركين بجواركم في هذا (المجلس) الافتراضي! لكن لا تنسوا، فكل هذه العلاقات والمشاعر الودية تحدث بينكم أيها «الأصدقاء» وأنتم لم تلتقوا حقيقةً في حياتكم قط. هكذا أجلس وحدي/ منفرداً «مع الجميع» في مجلس وسوق المدينة الافتراضية. كنا حينذاك نستخفّ بهذه التنبؤات والخيالات المفرطة في «الوحشية» التي ستؤول إليها علاقات الناس ببعضهم. هل يُعقل أن تتم هذه العلاقة (الجنّيّة) بين بني الأنس، فنتحاور مع أشباح وخيالات أصدقاء لم نشاهدهم بأعيننا ولم نلمسهم بأيدينا من قبل؟! ها نحن الآن، في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص في موقع (واتس آب) الاجتماعي جداً، نجد أنفسنا فجأة وقد انضممنا أو ضُممنا إلى مجموعة تواصلية. أحياناً تكاد لا تعرف…
الخميس ٢٩ مايو ٢٠١٤
تمخضت الانتخابات الهندية، مطلع الأسبوع الماضي، عن فوز حزب بهارتيا جاناتا (ينتمي إليه المتطرف الذي قتل المهاتما غاندي) بغالبية الأصوات، ما يعني تخويل رئيس الحزب ناريندرا مودي رئاسة الحكومة الهندية خلال المرحلة المقبلة. وقد اشتهر مودي بأنه هندوسي شديد التعصب، وكان قد اتهم بالمشاركة في أعمال عنف ضد المسلمين في الهند، ما حدا بالولايات المتحدة أن ترفض السماح له بدخولها في عام ٢٠٠٥ على خلفية مشاركته في تلك المذابح. الآن طبعاً سيدخلها ويدخل غيرها بفضل إرادة الشعب الهندي الذي صوّت له! وفي نهاية الأسبوع الماضي، كانت المفاجأة لكل المراقبين للانتخابات الأوروبية فوز المحافظين والأحزاب اليمينية في كثير من دول أوروبا، والمفاجأة الكبرى بالطبع في تلك النتائج هي فوز زعيمة الحزب الفرنسي اليميني المتطرف مارين لوبين باكتساح لم يتوقعه أكثر العنصريين تفاؤلاً. وكانت لوبين، وأبوها من قبلها رئيساً للحزب، يخوضون الانتخابات الرئاسية الفرنسية طوال الأعوام الماضية فلا يحصلون إلا على النسبة الأقل أمام حزبي اليمين الوسط والاشتراكي. لكن أرقام الأصوات كانت ترتفع في غلّة اليمين المتطرف مع كل فترة انتخابية لاحقة من دون أن يأخذ المراقبون الموضوع بجدية، وها هي الآن باتت تقترب أكثر فأكثر من الفوز برئاسة فرنسا في الجولة الانتخابية المقبلة عبر بوابة الاتحاد الأوروبي الواسعة. ما الذي يمكن استنباطه من سَوق هذين المثالين الطازجين من نتائج انتخابات أعرق…
الأربعاء ٢١ مايو ٢٠١٤
جميلٌ أن تحب الشعوب أوطانها، لكن الأجمل أن تحب الشعوب بعضها، وقبيحٌ أن تكره الشعوب بعضها، لكن الأقبح أن تكره الشعوب أوطانها. *** لا أتحدث اليوم عن بلدٍ بعينه، ولكن عن ظاهرة عربية موجودة في عمق المجتمع العربي، لكنها تطفو وتظهر على السطح بشكل أكثر وضوحاً في زمن التوترات السياسية. تلك هي التحسس من النقد حين يأتينا من طرف آخر في حين نسمح لأنفسنا ممارسة جلد الذات بمنتهى القبول... بل والمتعة أحياناً. فالمُعارض الذي يمارس أبشع أنواع النقد غير العادل ضد وطنه ومجتمعه تنتفخ عنده الوطنية فجأة عندما يسمع أحداً أمامه ينتقد، بمشروعية ومصداقية، خطأً في وطنه أو مجتمعه. سيقفز أحد المغررين الآن ليقول: هذا هو حب الوطن الحقيقي. وسأقول: إن هذا هو حب الذات الحقيقي وحب الوطن المزيّف. فهذا الذي يشتم وطنه بالليل ويعمل ضده بالنهار، حاقداً أو مرتزقاً، هو لم يغضب من نقد ذلك الآخر انتصاراً لوطنه، ولكنه انتصار لذاته التي شعر في لحظة النقد لوطنه أنها مشمولة فيه، ولو أمكنه أن يستلّ نفسه من ذلك النقد الشامل لما أزعجه نقد وطنه من لدن الآخر، إذ هو يقول عنه أشد وأنكى من ذلك. يجب أن تكون لدينا دوماً فطنة تمكّننا من التفريق بين النقد الثقافي الصرف والنقد الثقافي المسيّس. إذ في حين ينطوي الأخير على مضامين براغماتية متقلّبة،…
الأربعاء ١٤ مايو ٢٠١٤
1 سأبدأ بسؤال تعجيزي للقارئ: اذكر لي أسماء خمسة شعراء ليبيين، أو روائيين أو حتى مطربين أو لاعبي كرة؟! (باستثناء القذافي وأولاده!). بل حتى لو سهّلتها لكم بطلب ثلاثة أسماء فقط، فستبقى الإجابة صعبة عليكم! لماذا تخلو ذاكرتنا من أسماء مبدعين ومشاهير في مختلف المجالات والتخصصات من ليبيا، الدولة التي تبدو لنا دوماً كأنها نائية بينما هي في قلب الوطن العربي وفي منتصفه بين المشرق والمغرب؟ من السذاجة أن يخطر في بالنا، تفسيراً لهذا الوضع، أن الشعب الليبي هو شعب خالٍ من المواهب والهوايات والاهتمامات. لأن هذا سيقودنا إلى سؤال اعتباطي: إذا كان الإنسان الليبي لا يقول الشعر ولا يكتب الرواية ولا يغنّي ولا يرسم ولا يمثّل ولا يلعب، إذاً ماذا يصنع؟ وكيف يقضي يومه ويعبّر عن مشاعره ورغباته البشرية الطبيعية؟ المؤكد أن الشخصية الليبية مثل غيرها من البشر... تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتغنّي وترقص وتلعب وتفرح وتغضب. لكن الأخبار لا تصلنا عن هذا النشاط البشري اليومي داخل هذا البلد الكبير، فما السبب؟ ستتجه معظم التفسيرات إلى التغييب الديكتاتوري الذي مارسه القذافي طوال أربعين عاماً. هذا تفسير صحيح، لكنه غير كافٍ إذ إنه لن يغطي الإجابة عن الغياب الليبي في عهود ما قبل القذافي، إذ تخلو المطبوعات الأدبية والثقافية والذاكرة الشفوية عن الحركة الثقافية والفنية في العالم العربي في…