الخميس ٢١ أغسطس ٢٠١٤
لو أنّ أحدا في التسعينات الميلادية تطرّق إلى الخطاب الديني نقدا أو تصويبا أو تخطئة لأجلبت عليه الخطب والفتاوى التكفيرية بخيْلها ورجلها، ولأصيب الناطق بمقتل. كان الرموز للتيار الديني يتحصّنون بالمدينونية الأخروية التي يروّجونها ويدبّجونها بمحاضراتهم وندواتهم، وفي زعيق خطبهم، وحين أراد مجموعة من العلماء والمفكرين تناول هذه الأرضية التي تنطلق منها تلك الخطابات تم تكفيرهم ونفيهم، وآية ذلك أن المؤلف الفذّ الراحل نصر حامد أبو زيد حين طرح كتابه «نقد الخطاب الديني» عام 1995 على أثره شكّلت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة يتزعّمهم عبد الصبور شاهين الذي اتهم في تقريره أبو زيد بالكفر، ومن ثمّ ذهب إلى منفاه في هولندا التي درّس فيها وأقام واستمر في مؤلفاته وضرباته الموجعة والمدوّية. شكّل الخطاب الديني ودوره وتقصيره ومسؤولياته حديث السعودية تحديدا والمنطقة عموما، خلال الأسبوعين الماضيين، الورطات التي وقع في فخاخها الخطاب الديني ليست قليلة؛ على إحدى الكراسي الموجودة بالحرم المكي والمخصصة بالوعظ والإرشاد وحلّ مسائل المعتمرين والزائرين، والسعاة والطائفين، تمكّن…
صالح القلابكاتب أردني، وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق في المملكة الأردنية الهاشمية
الخميس ٢١ أغسطس ٢٠١٤
هناك اعتقاد يصل إلى حد اليقين، يشارك فيه ليس أعداء النظام السوري ومعارضوه فقط، وإنما أصدقاؤه ومؤيدوه أيضًا، بأن هذا النظام ما كان بإمكانه الصمود لأكثر من عام واحد، وربما أقل، لولا المساندة الخارجية، العسكرية والأمنية والسياسية، التي بقي يتلقاها من إيران وأتباعها وميليشياتهم، ومن روسيا ومن عراق نوري المالكي الذي بعد اتهامه بشار الأسد بأنه وراء الإرهاب الذي ضرب أهدافا رئيسة ومباني وزارات سيادية في بغداد، ما لبث أن تراجع بسرعة وأصبح مثله حسن نصر الله يديره قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وحقيقة، إنه بقي يديره حتى اللحظة الأخيرة، بلْ وربما حتى الآن. كل أهل الكرة الأرضية، وليس أهل هذه المنطقة فقط، كانوا سمعوا من حسن نصر الله ومن أكبر مساعديه وأعوانه، أنه لولا التحاق «حزب الله» للقتال ضد ثورة الشعب السوري لما كان نظام بشار الأسد قد تمكّن من الصمود ليس لشهرين أو ليومين، وإنما لدقيقتين فقط. وبالطبع، فقد ثبت أنَّ هذا تبجح أكثر من اللزوم، فبقاء هذا…
الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠١٤
أعتقد أن أمام دول المنطقة فرصة نادرة للسيطرة على حالة الفوضى الأمنية الحاصلة فيها والقضاء على «المليشيات» الإرهابية التي لا تهدد دولا معينة فقط، بل تهدد كل المنطقة، بما فيها التي تعتمد عليها في الإخلال بالأمن الداخلي للآخرين؛ مثل إيران التي تخلت عن حليفها «المتعنت» نوري المالكي في حين أنها ترفض التخلي عن النظام في سوريا. عندي شك كبير في استمرار تعاون إيران مع السعودية، سواء بشأن العمل على استقرار العراق الذي يعتبر نموذجاً حقيقياً للفوضى الأمنية في المنطقة التي يتخوف الكثيرون من انتشارها، أو من خلال تهدئة الملفات الأخرى في المنطقة. والسبب في ذلك أن إيران معروفة تاريخياً بأنها لا تسعى إلى التعاون مع الآخرين طالما لم تكن تحت تهديد مباشر. وفي حالة المالكي فإن فشله في الحفاظ على المصالح الإيرانية في العراق الذي أدى إلى «ثورة السنة» هدد في بدايته بإنهاء السيطرة الإيرانية بالكامل في العراق. كما أن حالة تمدد ما يعرف بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)…
الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠١٤
لم يعد سهلاً في هذه الأيام أن نعتزّ بانتمائنا العربي، فكيف لنا أن نشعر بالفخر والاعتزاز فيما تتكدّس جثث القتلى في سوريا والعراق وغزة وليبيا، بينما العالم العربي لا يحرّك ساكناً باستثناء طلب المساعدة من الولايات المتحدة وحلفائها، الذين لا يبادرون إلى التدخّل عسكرياً إلا عندما يتناسب ذلك مع مصالحهم الجيوسياسية؟ يُجيد الرئيس أوباما التلويح بإصبعه وإطلاق عبارات الشجب والتنديد، لكنه ينكفئ في الحالات الطارئة التي تتطلب تحرّكاً عاجلاً، فسياسته الخارجية ليست سوى متاهة من الارتباك والسير على غير هدى، وخير دليل على ذلك نسب التأييد له. تدخَّل لإنقاذ ليبيا من حاكمها الديكتاتوري، لكنه تركها للميليشيات المتناحرة، متجاهلاً النداءات التي وجّهتها الحكومة الليبية مؤخراً للحصول على المساعدات الطارئة. وتعهّد بتسليح المعارضة السورية لكنه عاد فنكث بوعده، وأسوأ من ذلك تراجعه عن التدخل العسكري في سوريا في اللحظة الأخيرة، ما أتاح لنظام الأسد أن يستمر في ذبح شعبه. وكذلك كشف عن ازدواجية شديدة في المعايير في تعامله مع المجزرة الإسرائيلية التي…
زياد الدريسكاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠١٤
أعود اليوم للكتابة، بعد إجازة تمددت من شهر إلى شهر ونصف، كما يعود الطالب الكسول من إجازة الصيف الطويل إلى المدرسة. يدرك الكاتب أن دوره في المجتمع «هامشي» عندما ينقطع عن الكتابة مدةً من الزمن ثم يعود فلا يجد شيئاً في الحياة قد توقّف أو تعطّل بسبب غياب مقالاته! الحقيقة التي لا يريد الكتّاب الاعتراف بها هي أنهم ليسوا ضروريين للمجتمع بل إن المجتمع هو الضروري لهم، فلولا مشكلات المجتمع وإخفاقاته لما وجد الكتّاب شيئاً يكتبونه. قال قائلٌ منهم: لكنّ الكتّاب هم الذين يساهمون في تعزيز النجاحات وإبرازها، وفي تحليل الإخفاقات وتفكيكها. هذا الزعم صحيح إلى حدود ضيقة جداً، إذ هو ينطبق على فئة ضئيلة من الكتّاب هم المخلصون الصادقون. والخبر السيئ هنا هو أن أغلب، وأؤكد على أغلب وليس كل، الكتّاب المخلصين الصادقين هم كتّاب ضعفاء عادة وقدراتهم الكتابية والإقناعية محدودة، وذوو نمطية موغلة في الرتابة. لماذا؟! لأن أغلب، وأؤكد على أغلب وليس كل، الكتّاب المتمكنين البارعين «العفاريت» لا…
إياد أبو شقراصحافي لبناني مقيم في لندن. حائز إجازة في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية في بيروت وماجستير من معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن.
الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠١٤
هل أصبحت «داعش» الأساس الذي تُبنى عليه سياسات المجتمع الدولي إزاء تعقيدات أزمات الشرق الأوسط، وهنا أتعمد استخدام كلمتي «أزمات» و«تعقيدات» بصيغة الجمع. أنا لست ممن يجدون الأعذار لـ«داعش» ومن سار على نهجها، ولا من أولئك الذين يجهدون في البحث عن مبررات أو أسباب تخفيفية لجرائمها، إذ لا عذر لمن يرى القتل - والقتل وحده - وسيلة لممارسة السلطة والتعامل مع الناس. ولا أحسب أنه يجوز لنا في القرن الـ21، في خضم ثورة المعلوماتية والتواصل، السماح لجماعات ظلامية وظالمة باحتكار الإسلام، بعدما كان الدارسون في جنديسابور وبغداد وفاس وقرطبة في طليعة مَن مدّنوا البشرية وأسهموا في حضاراتها الإنسانية وتقدمها في مجال العلوم والفلك والطب والفلسفة والترجمة وغيرها. لا... لا أعذار لـ«داعش» ولا لغيرها من الزُّمَر التي قررت، من دون أن تشاور المسلمين، تشويه سمعة دينهم، وتدمير حيواتهم ومستقبل أجيالهم، فتخوض حربا متخلفة عديمة التكافؤ مع مجتمع دولي قادر في أي لحظة على إفنائها... لا يمنعه من ذلك سوى تحفّظ كتلتين…
الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠١٤
الجهاد ذروة سنام الإسلام، لاجدال في ذلك، لكنه ليس العمل الوحيد المؤدي إلى الجنة، هناك أعمال أخرى سابقة على الجهاد في الفضل والأجر. أدبياتنا قصرت دخول الجنة على الشهداء، ولذلك أسرع إليه كثير من المسلمين وبخاصة الذين أسرفوا على أنفسهم، ظنا منهم أن الشهادة هي أقرب الطرق إلى الجنة دون التأكد فيما إذا كانت الطريق التي سلكوها صحيحة أم خاطئة، وباعتقاد أنهم يدخلون الجنة بعمل الجهاد وليس برحمة الله أولاً وفضله. الجنة لا تؤتى بعقوق الوالدين، وتضييع الواجبات والمسؤوليات، والكذب والتزوير، ومخالفة الأنظمة التي سُنّت تأكيدا لخلافة الإنسان على هذه الأرض وعمارته لها. بعض الذين نفروا للقتال كانت نواياهم طيبة، ولكن الطريق إلى جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة (السذاجة)، التي لا تتوافق مع كون المؤمن "كيّس فطِن"، وأنه "لايلدغ من جحر مرتين". بعض المتسللين إلى الجهاد يكتشفون فداحة ما ارتكبوه، فهم لايعرفون تحت أية راية ينحرون نفوسهم، والحظيظ منهم من يتمكن من العودة إلى بلاده نادما. أذكر حوارا صحفيا أجريته مع…
الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠١٤
العنف بالغٌ أقصاه اليوم في عموم المنطقة العربيّة. وهو، بذاته، ليس جديداً علينا. فلو اقتصرنا على الأنظمة التي سادت في الخمسين عاماً المنصرمة لوجدناه أعظم سلعة نستورد من تجارب التوتاليتاريّات الغربيّة، وأعظم سلعة نصدّر إلى بلدان مجاورة تحاول الاقتصاد في بذل العنف. لقد كنّا دائماً في عرضه واستعراضه كرماً على درب. لكنّ المشهديّة الصارخة للعنف كما تمارسه حركات كـ «داعش» وأخواتها تعطيه مزيداً من الأبعاد والمعاني: فهنا نحن أمام زواج كامل بين أقصى الهمجيّة النازحة بنا إلى أزمنة خلت، وبين حداثيّة أداتيّة تتجسّد في السلاح والتراتُب والتنظيم والاستخدام الموسّع لوسائل التواصل الاجتماعيّ، فضلاً عن العقيدة. إنّها البربريّة وقد استعانت بأضراس صناعيّة. ونبذ الآخر وصل أيضاً إلى أقصاه في المنطقة العربيّة. وهذا، بدوره، ليس جديداً: فأكراد العراق سبق أن ضُربوا بالسلاح الكيماويّ، وأقباط مصر سبق أن اعتُبر عددهم سرّاً من أسرار الأمن القوميّ لمصر، ومسيحيّو لبنان سبق أن وُصموا بانعزاليّة ودُُفّعوا غالياً مقابل التهمة هذه. لكنّ ما يحصل اليوم يرقى إلى…
الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠١٤
تفسيرات ابن خلدون للتحولات الاجتماعية والسياسية التي لخصها في مقدمته المشهورة، أثرت في كثير من كتاب العرب المعاصرين، سيما الإسلاميين منهم. ومنها مثلا ما قرره عن ميل الأمم المغلوبة إلى تقليد الغالب في كل شيء. لا أعلم إن كان الفقهاء قد تأثروا أيضا بهذه الآراء، لكني طالما وجدت نفسي حائرا إزاء ميل أغلبهم للتأكيد على الحدود الفاصلة بين المسلمين وغيرهم من أمم العالم. وأذكر نقاشا أجريته قبل زمن بعيد مع المرحوم محمد طاهر الخاقاني وهو فقيه معروف بحسن استنباطه، وإن لم يشتهر بين الناس، سألته عن سبب تشدده في أحكام العلاقة مع أهل الكتاب، فأخبرني أنه يفتي بذلك لعامة الناس، تلافيا لتأثرهم بثقافة الغالب ونمط حياته. وذكر لي رأي ابن خلدون، ولم أكن مطلعا عليه قبل إذن. فيما بعد وجدت معظم الفتاوى المتصلة بغير المسلمين ــــ بل حتى بالمسلمين المخالفين في المذهب ــــ ميالة إلى القطيعة معهم والتحذير منهم. وهذا سلوك عام عند فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم. سبب استرجاع…
الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠١٤
ـ ابن الوزير عصامي مكافح ما شاء الله تبارك الله؛ صحيح أن الأبواب فُتحت أمامه لأنه ابن معالي الوزير، وصحيح أن التجار يتلطفون إليه ويمدحون أخلاقه العالية وسعة علمه واطلاعه لأنه ابن معاليه، وصحيح أنه (ما يتبع ثنتين) لكنه عصامي مكافح الله يحفظه. ـ ابن القاضي عصامي مكافح؛ صحيح أنه يعيش ستة أشهر خارج البلد في رحلات استجمام متتابعة، وأنه لا يدري من أين تشرق ومن أين تغرب؟ لكن الله وفقه فأصبح من هوامير الأراضي الكبار، وله مكاتب عقار في كل شارع ويُنهي أموره في كل محكمة بيسر وسهولة.. رجاء لا تفهمونا غلط الولد عصامي مكافح باسم الله عليه. ـ ابن المليونير رائع باستمرار ويعتبر أكبر عصامي مكافح في العالم؛ مع أن السيد الوالد وضع في حسابه كم مليوناً في بداية حياته، وبعد أن أضاع نصفها على «المكيفات» عوضه الوالد أيضاً عسى أن تكون هذه آخر الأحزان والنزوات والضلالات.. لكنه عصامي جداً ومكافح جداً، ومن يشبهك يا عصامي؟! ـ ابن…
الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠١٤
الحب بجميع أشكاله العذري وغير العذري مطارد ومرغوب فيه بين كل شعوب الأرض، وتغنّت به كل الشعوب وصورته في ملاحمها الشعرية قديماً وحديثاً، خصوصاً في ثقافتنا العربية ما قبل الإسلام وما بعده. الحب حال إنسانية ستبقى ما دام الإنسان باقياً، وحاولت الأديان وأخلاقيات المجتمعات تهذيب سلوكياته، ولكن الحب حال «تمرد» بجماله على كل ذلك، وكم نركض لقراءة الروايات الرومانسية التي يكون الحب محورها في مطلع شبابنا، ونظل نتابع الأفلام السينمائية العربية والأجنبية التي تصوّر قصص الحب والغرام التي قد تعوّض معايشة الحب على أرض الواقع، أي أن الحب الإنساني ومنه العاطفي يهذّب النفس ويرتقي بها إلى أعلى درجات الخيال والتضحية والعذابات، وبيئتنا المحلية خلدت الكثير من قصص الحب وتوارثتها الأجيال في قصص شعبية ترويها الجدات والأمهات، وذهب غالب شعرنا العربي من الفصيح والشعبي وبقيت قصائد الحب وقصصه الجميلة! الحب حال إنسانية صافية باقية تعبّر عن مكنونات النفس البشرية، وكم تسمرنا أمام شاشات التلفزة نتابع قصص الحب والغرام ومعاناة المحبين وفراقهم،…
الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠١٤
الموقف السعودي المعلن والثابت من الإرهاب وطوائفه واضح: ظاهرة الإرهاب هي أخطر التحدِّيات التي تواجه المجتمع الدولي في الوقت الراهن، التي لم تعد محاربتها شأنًا محليًّا ينحصر في حدود دولة ما. السعوديَّة عانت كثيرًا من الإرهاب الذي ضرب مدنها وشوارعها وبعض منشآتها. ولأكثر من عقد لم تكن المواجهة اعتيادية لكنها ظلَّت قوية جدًا، شرسة جدًا، ومتشعبة أيضًا. إلا أن النجاحات الأمنيَّة الكبيرة في المواجهات المباشرة، كما الضربات الاستباقية للخلايا الإرهابيَّة استطاعت أن تحسم جزءًا مهمًا من معركتنا مع الإرهاب ونفوذه وتمويله ومشايخه ودعاته والمتعاطفين معه. آخر الجهد السعودي الكبير على مستويات الاستباقات الدوليَّة، تمثل في دعم المملكة للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب بمبلغ 100 مليون دولار، عبر الأمم المتحدة قدم للأمين العام للمنظمة الأممية. صحيح أن الحرب ستستمر طويلاً لتجفيف المنابع الفكرية ومصادر التمويل المادِّية، عبر جبهات عدَّة يتداخل فيها الأمني بالإعلامي والثقافي والفكري وحتى السياسي. لكن لنركز الآن على أشيائنا الصغيرة، أو التي تبدو كذلك لكنها خطرة ومؤثِّرة جدًا في…