الإثنين ٠٤ فبراير ٢٠١٣
بيد كسلى، نفضت (منى) عند الرابعة فجرا بطانية ثقيلة على الوقع الأخير للمنبه. يوم جديد من ذات الروتين العبثي إلى تلك الأغوار التهامية السحيقة بمئات الكيلو مترات لمعلمة مبتدئة. ثلاثة أطفال من حولها، على ذات السرير، مثل نبات متسلق إلى شجرة منزوعة. تفتح دولابها وتنظر فيه إلى كل الملابس التي غطت من قبل هذا الجسد الطاهر. ليس في تفاصيل هذا الفجر ما يستحق. تدثرت بالأطرف الجاهز من الدولاب. أكملت وضوء الفجر القادم بعد ساعة من الزمن. وضعت على الوجه بعض المساحيق على (الكمال) الذي لا يستحق الإضافة. نظرت إلى المرآة كي تشاهد وجهها ولكن: للمرة الأخيرة. أيقظت شريك الحياة، كي يأخذها إلى موعد (الباص) على أطراف هذه القرية الجبلية الموحشة. قبلت أطفالها الثلاثة برأس الشفة كي لا تزعج غيبوبتهم في هذا الزمهرير الشتوي القارس. اختصت (سارة) الكبرى بقبلة إضافية ثقيلة ثم وضعت حقيبتها المدرسية (جاهزة) بجوار السرير ليوم جديد من الفصل الابتدائي الأول. على بوابة المنزل، أسدلت حجابها على الوجه…
عمار بكاركاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد
الإثنين ٠٤ فبراير ٢٠١٣
كان يامكان في قديم الزمان شيء اسمه "التجارة الإلكترونية"، التي كانت تعرض بضائعها على مواقع الإنترنت وتنتظر من الجمهور أن يأتي ويشتري البضاعة متى ما تأتى لهم ذلك، مع تفاعل محدود جدا بين التجار الإلكترونيين والجمهور. اليوم لدينا شيء مختلف اسمه "التجارة الاجتماعية" حيث تذهب البضائع يوميا للجمهور على شبكاتهم الاجتماعية، وبرسائل تصلهم من أصدقائهم ومن مواقعهم المفضلة، تذكر لهم الأشياء التي يحبونها فقط، وكل ما عليهم حتى يشتروها أن يردوا على الرسالة بكلمة: اشتريت، وبعدها يصلهم ما يشترونه مباشرة دون أي صداع. هذا الوصف ليس مبالغة بل هو حقيقة، وهو مستقبل التجارة على الإنترنت. التجارة الاجتماعية Social Commerce أو التجارة عبر الشبكات الاجتماعية، وهي تعني ببساطة أن تصلك رسالة على "فيسبوك" أو "تويتر" أو "انستجرام" تنص على عرض تجاري معين، وأن يرد عليها الشخص بكلمة واحدة ليتم بعدها أتوماتيكيا سحب المبلغ من وسيلة الدفع المفضلة لديه وإرسال ما اشتراه إليه مباشرة. هذا الشخص كان في السابق قد سجل معلوماته…
الإثنين ٠٤ فبراير ٢٠١٣
لم أجد عنواناً آخر يناسب حالة «عبدالله الداوود» الذي طالب في قناة «المجد» بتغطية وجه الطفلة متى ما كانت مشتهاة، خصوصاً إن كانت جميلة أو مليانة الجسم. وهذه الرسالة موجهة بالطبع للعائلة، مما يستدعي التفكير في الهيكل الأسري وإعادة تشكيله ليتفق مع رؤية الداوود وغيرته على البنيات البريئات التي تتناوشهن عيون الشهوانيين من الأسرة وهي تلهو في براءتها! استناداً إلى الغضبة التي واجهت الداوود، فإن بعض المقترحات يمكن أن تسهم في طمأنته دون اللجوء إلى خنق «البنيات». منها أن تحرص الأسرة على تجويع طفلتها فلا يكون جسمها إغراءً لذويها. ومن الحلول الأصيلة الزواج من الدميمات فتتقلص احتمالية إنجاب الجميلات والاستفادة من التقنية في تحديد جنس المولود، فلا يكون الذكور أكبر من البنات؛ ضماناً لانتفاء الشهوانية، وإن كانت المشكلة تبقى في الأقرباء الآخرين. يمكن أيضاً فصل البنات عن الأولاد في البيت فلا يلتقون إلا باشتراطات محددة وملابس يجيزها أحد المعتبرين من أصحاب «الفتاوى» المماثلة، أو تعويد الأبناء على السفر كثيراً فتنطفئ…
الإثنين ٠٤ فبراير ٢٠١٣
قبل فترة، دعيتُ إلى قطر لحضور المؤتمر السنوي الأول لمراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الوطن العربي بعد اتصال من الصديق والصحافي «المشاغب» عبدالله العذبة، واتفقت معه على حضور المؤتمر في الدوحة، إلا أن مواعيدي المسبقة كبّلتني وحالت دون حضوري. بعد ليلة من انعقاد المؤتمر وبعد أن قرأتُ أهم ما دار في جلسات يومه الأول، نمت باكراً لحضور موعد مبكر مع طبيب في مستشفى (جنوب لندن). وفجأةً وجدت نفسي أتصل برئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. لم يرد الوزير وإنما أبلغني مأمور سنترال القصر بأنّهم سيبلغونه بالاتصال. قلتُ سأكون في الانتظار. وبعد نحو ساعتين من اتصالي تلقيت اتصال الرد. قال مأمور السنترال: لحظة. الشيخ حمد يريد التحدث معك. جاء صوت الوزير مرهقاً ومتعباً، وليس كما كان. قال: كيف حالك؟ قلت: كله تمام، لكن سأكون أفضل لو حظيت بإجابات ليست ديبلوماسية. قال: تفضل يا جميل، فجلودنا أصبحت «حرشاء»، ولدينا مناعة ضد الأسئلة والانتقادات والاتهامات. قلت: إذاً اتفقنا.…
الإثنين ٠٤ فبراير ٢٠١٣
يبدو أن الفتاوى الناتجة عن التفكيرالجسدي، بعد أن انتهت من المرأة لتجعلها ضحية صراع التشدد، حولتها من إنسان كامل الأهلية ـ بما رسخه الإسلام العظيم من حقوق لها ـ إلى مجرد وعاء للتفريغ، ومتاع يُمتلك، وفتنة متحركة، كل ذنبها أن خلقها الرحمن أنثى، وعليها أن تدفع ضريبة ذلك من إنسانيتها، بما فُرض عليها من محرمات دون تهذيب الفحول، والحد من سعارهم!. والآن بعد الانتهاء منها يوجهون سهامهم بفتاواهم الشاذة للطفلات، إمعانا في تشويه جمال وإنسانية الإسلام، إذ يأتينا داعية عبر أحد البرامج التلفزيونية ويقول: "متى ما كانت الطفلة مشتهاة، فيجب على الوالدين تغطية وجهها، وفرض الحجاب عليها!". بصراحة شديدة شعرتُ بالاشمئزاز بعد سماع هذا الكلام؛ لأنه بكل بساطة يؤكد وجود المرضى، المهووسين بالأطفال. ولمواجهة ذلك تُغطى هؤلاء الطفلات، وكأننا نعطيهم كرتا أخضر ليشتهوا الصغيرات متى ما أرادوا!، ما دام هؤلاء الطفلات الفاتنات يفتنونهم دون غطاء!، ولهذا يُفرض عليهن الحجاب وغطاء الوجه، وإن كان عمرها أربع أو خمس سنوات!، وما هذا…
الأحد ٠٣ فبراير ٢٠١٣
عنوان المقال مأخوذ من عبارة شهيرة لـ«هاملت» أحد أشهر شخصيات «شكسبير»، غير أن الحديث هنا عن واقع هو أغرب من خيالات الروائيين والمسرحيين والأدباء، حيث يقوم نظام في القرن الحادي والعشرين بقتل شعبه بكافة الأسلحة أمام عالم لا يكاد أحد يحرك ساكنا. خلال عامين ظل دخان المأساة في سوريا يتكاثف ويكبر، وتنمو تحته طحالب الضغائن والأحقاد التي تتحول أشجارا، وإحن الطائفية ودماؤها تسيل وتفيض أنهارا وبحارا، وقد ضمن بشار الأسد عبر سياسيات واعية اتخذها من أول يوم أن يخلق في سوريا فتنة طائفية يصعب كثيرا على من يأتي بعده - أيا كان - أن يخمدها. سياسيا، لم يكن لهذه المأساة الإنسانية أن تستمر في سوريا إلا لأنها أصبحت بحكم التطورات الدولية والإقليمية مركزا للصراع الدولي والإقليمي في لحظة مضطربة من التاريخ أقدمت فيها دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة على خيارات، ظهر لاحقا أنها لم تكن محسوبة بالدقة المفترضة حسب تصريحات مسؤوليها تجاه ما كان يعرف بالربيع العربي، وأصرت فيها بما…
الأحد ٠٣ فبراير ٢٠١٣
قلت هنا في مقالة سابقة إننا نفتقد الأشخاص المبدعين المبادرين ونفتقد من يكسرون المألوف ويصنعون جديدا فالأكثرية باتوا رهن ما سبق، ورهن ما وجدوا، واستشهدت ببعض ما يكتب ويبث في نشرات الأخبار وما يكتب في العقود الحكومية وضربت بعض الأمثلة التي عايشناها وتسببت في إحراج مصادرها كونها ارتهنت لعبارات وكلمات ليس لها علاقة بواقع الحال الذي نعيشه. اليوم سأتطرق إلى عبارة أخرى أجزم أنه لم يصدر أي توجيه من أي سلطة في الدولة تؤكد على وجوب ذكرها في كل كلمة تقال أو تكتب في أي مناسبة، وفي أي حديث صحفي أو لقاء تلفزيوني أو في أي مؤتمر. (وفقا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين).. هي العبارة التي أعنيها هنا، وهي العبارة التي يستخدمها بعض المسؤولين في سياق سليم ومتسق مع المناسبة أو الحدث الذي قيلت فيه وتكشف فعليا عن توجيه مهم جاء في وقت مهم ليحقق مصلحة مهمة، وهي العبارة نفسها التي ينبغي ألا يتلفظ بها المسؤول المقصر ليبرر فشله وأخطاءه وما…
الأحد ٠٣ فبراير ٢٠١٣
سأذهب، سيدي الأمير، هذا المساء معزيا نجل أغلى أصدقاء والدي في وفاة زوجته التي انتهت حياتها مأساوية مع الفجر اصطداما في حملة لتهريب المجهولين القادمين من القارة الأفريقية. تقول المعلومات، يا سيدي، إن المهرب كان عسكريا سابقا خرج من سجنه بالعفو لقضية مماثلة، وكل القصة الأهم، يا سمو الأمير، أن القتلى التسعة من المجهولين المهربين يكملون هذا الشهر وحده مجموع 23 ضحية ماتوا في حادثين متشابهين في كل التفاصيل: تهريب مجهولين على أجساد باصات المعلمات، وأدهى من هذا كله على ذات الطريق نفسه ومرورا بكل نقاط التفتيش الأمني نفسها وفي نفس التوقيت وبذات الأعداد وحجم الضحايا والكوارث. نحن سيدي، وزير الداخلية، رفعنا بمطالبنا إلى كل طوب الأرض، ونحن سمو الأمير، سكبنا دموعنا مع كل (صلايا) القبور التي ركزناها على هؤلاء الضحايا. نحن، سيدي، أيضا نتعاطف مع المجهول الضحية، مثلما يأكل الحزن قلوبنا على "منى" و"صنعا" من بناتنا اللواتي تركن حتى اليوم سبعة أيتام من الأطفال، على ذات الطريق، وذات نقاط…
الأحد ٠٣ فبراير ٢٠١٣
أمام مواقف سيارات دائرة حكومية مهمة جاء أحد المراهقين بسيارته الفارهة وأراد الوقوف في مواقف ذوي الإعاقة، أمام الباب، فما كان من رجل الأمن إلا أن منعه من ذلك، ليستشيط المراهق غضباً وينزل من سيارته مهدداً رجل الأمن العربي بأنه «سيسفّره»، ولكي يكتمل المشهد الكوميدي في أن مراهقاً يهدد رجل أمن يمنعه من القيام بمخالفة، تجمهر الناس للإمساك بالمراهق وتهدئة خاطره وهم يكررون عليه عبارة: «ما عليه يا خوي انته العاقل!». ولم يقم أحد بإبلاغ المراهق بأن ما قام به يندرج تحت تهمة «انتحال صفة رجل أمن»، وهي تهمة عقوبتها ليست مخالفة «بو ميتين»! حدثٌ شاذ من حدثٍ مدلل حدَث ونسيتُه.. لولا أنني تذكرته يوم أمس في حديقة عامة في إمارة أخرى، حين أراد مراهق (فكرياً هذه المرة)، إركاب ابنته على جمل موجود في الحديقة وهي صغيرة جداً، فرفض الآسيوي، ما حدا بالرجل أن يهدده بقوله «غصباً عنك»، فما كان من الآسيوي إلا أن حاول تهدئة غضبه بقوله «حكومة يقول…
الأحد ٠٣ فبراير ٢٠١٣
هذه المقالة امتداد لما كتبته من قبل عن حاجة السعودية إلى عملية إصلاح واسعة، وتجديد لمرتكزاتها ومؤسساتها الفكرية والسياسية، وذلك انطلاقاً من أن تغيّر الزمن يؤدي بالضرورة إلى تغيّر المجتمعات، وتغيّر المجتمعات يفرض على الدول أن تتأقلم مع هذا التغيّر، وأن تستجيب له. وإذا لم تفعل، فإن ذلك سيتسبب في وجود هوة كبيرة بين المجتمع في شكل عام من ناحية، والمجتمع السياسي أو الدولة من ناحية أخرى. وفي ما يتعلق بموضوع مقالة اليوم، وامتداداً للمبدأ ذاته، فإن تغير الإقليم الذي تنتمي إليه الدولة يفرض عليها أن تستجيب، وأن تراجع سياستها الخارجية وتحالفاتها، والمرتكزات التي تنطلق منها في كل ذلك. ولعله من الواضح أن الأحداث الكبيرة التي تعصف بالعالم العربي منذ عامين، هي الآن تعبير عميق ومباشر عن حجم التغير الذي ينتظر المنطقة من تغير في الدول وثقافاتها السياسية وقيمها ومصالحها وتحالفاتها الإقليمية والدولية. يبدو أن حجم هذا التغير سيكون كبيراً، لأن منبعه اجتماعي ـ شعبي، يستهدف مؤسسة الحكم وطبيعة الدولة،…
الأحد ٠٣ فبراير ٢٠١٣
بعض الشيوخ يحتاجون إلى حجر ومنع فوري من مُخاطبة الجماهير؛ أن تكون شيخاً ليس معناها أنك خطيب مفوه، وأنك قادر على مخاطبة الناس برقي واحترام. الترف الوعظي الذي نعيشه أخذ كثيرين إلى الشاشة دون أن يكون لديهم ثقافة معقولة تُجنبهم ويلات السقوط على الوجه وربما الرقبة؛ الفضائيات تتعاقد مع الشيوخ بالجملة، وليس لديها الوقت الكافي للفرز والانتخاب الجيد، ولذلك نسمع ونشاهد ما يخدش الحياء والذوق العام. لم يعد الأمر محدوداً على التهديد بالقتل أو التفجير بالأحزمة الناسفة كما جرت العادة؛ السعار الجنسي دخل على الخط فأخرج لنا طفلة مُشتهاة يجب تغطيتها بالكامل، وجاءنا -قبلها- بمن يخوف البنت من الجلوس مع أبيها بنفس الحجة؛ هذه صدمات كبيرة، وليست مجرد هفوات صغيرة يمكن تجاوزها. إذن لماذا نلوم تفخيذ الرضيعة؟ ما هو الفرق بين طفلة هي أصلاً مشروع شهوة عند بعضهم، وبين تفخيذات المعتوه؟ من سيحترم هذا الدين العظيم حينما يُقدمه بعضهم في قالب جنس بهيمي، والبعض الآخر في مسدس وحزام ناسف؟ كيف…
السبت ٠٢ فبراير ٢٠١٣
عندما سافرتُ للدراسة في أميركا قبل سبعة عشر عاماً، وكنتُ أول أصدقائي الذين اتخذوا قراراً بالدراسة في الخارج، تجمّع عدد كبير من الأصدقاء والأحباب لتوديعي في المطار. كان المشهد غريباً، فلم يكن أصدقائي هم الذين حضروا فقط، بل بعض أصدقاء أبي أيضاً. كانت تلك أصعب رحلة في حياتي، حيث لم أكتفِ بالبكاء في الطائرة، بل أصابتني حُمّى في الطريق من لندن إلى واشنطن. تكيّفتُ مع المكان بصعوبة، حيث كانت واشنطن مدينة جافة، هكذا أتذكرها، وكنتُ أقول لأبي كلما تحدثتُ معه عبر الهاتف بأنها مدينة مُظلمة؛ مليئة بالسيارات الدبلوماسية السوداء ولا تصلح للطلبة. وما زلتُ أحتفظ بالرسائل التي كانت تصلني من أهلي وأصدقائي عندما كنت هناك، فلم يكن البريد الإلكتروني حينها إحدى الوسائل المتاحة للجميع. وفي يوم من الأيام وصلتني رسالة من أحد أصدقائي يشتكي إلي فيها مِن غيابي، ويُطالبني بالعودة لأُصلح بينه وبين صديق آخر كما كنتُ أفعل دائماً. أما أمّي فلقد كانت تحكي لي في رسائلها عن كل شيء…