آراء

آراء

غذِ غموضك

الأحد ٠٢ مارس ٢٠١٤

قرر أمانسيو أورتيجا جاونا افتتاح متجر يبيع أرواب الحمامات في إسبانبا عام 1972. بارك والده الخطوة لكن حذره أن يقوم بتسمية المتجر باسمه. كان يرى الأب أنه كلما كان الاسم بسيطا وغامضا ساعد على النجاح والانتشار. تحايل أمانسيو على تحذير والده وسماه شركة كونفيسونيس جوا (تمثل الحروف الأولى من اسمه معكوسة مع إضافة أخرى يفضلها). لم يحظ المتجر بقبول الزبائن. اضطر إلى إغلاقه والتفكير في مشروع آخر. حرص أن يشتمل مشروعه الجديد على منتجات متنوعة. جاكيتات وسراويل وقمصان وأحذية. ترتكز فكرة المتجر أن ينتج نوعيات محدودة وبسعر مناسب حتى تكون في متناول الجميع لكن لا يلبس نفس القطعة الجميع. أطلق على المتجر الذي افتتحه عام 1975 اسم زوربا متأثرا برواية “زوربا اليوناني”، التي كانت تجد قبولا لدى الكثيرين، وقتئذ. بيد أنه أجبر على تغيير الاسم؛ لأن محل آخر على نفس الشارع كان يحمل نفس الاسم. احتار أمانسيو كثيرا في اختيار الاسم الجديد؛ كون أثاث متجره يعتمد على حرف (ز). بعد نقاش مع رفاقه وأقاربه استقر على اسم (زارا) محافظا على الحرف الأول ومنفردا باسم جديد ومبتكر. دفعت غرابة الاسم وفرادته أن يكون محور أسئلة الزبائن الذين استهواهم الاسم والمنتج معا. حقق المتجر إقبالا ملحوظا أعاد أمانسيو إلى نصيحة أبيه المبكرة بأن يحرص على الغموض والتشويق في مشروعه التجاري. إمعانا في…

آراء

حين أفرج النظام عن «أبو خالد السوري» وحين قتلته «داعش»

الأحد ٠٢ مارس ٢٠١٤

محض «مصادفة» هو ما حمل النظام في سورية على الإفراج عن «أبو خالد السوري» (محمد بهايا) في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2011، ليعود الرجل ويؤسس مع آخرين تنظيم «أحرار الشام» الى أن انتهى قتيلاً قبل أيام على يد «داعش» بعد أن كلفه أيمن الظواهري التوسط بين «الدولة» و«النصرة». لم يكن النظام يعرف أن محمد بهايا هو صديق الظواهري وبن لادن وظل «أبو مصعب السوري». فقد كان يعتقد بأن أبا خالد مجرد سوري مظلوم، وأراد إنصافه سعياً إلى إبداء حسن نية في حينها تجاه السوريين الذين كانوا باشروا ثورتهم. أهداهم النظام بهايا، لكن الرجل لم يُقدِّر كرم الرئيس السوري، وما ان أُفرج عنه حتى باشر بتأسيس «أحرار الشام». ومحض «المصادفة» هذا كان النظام سقط به آلاف المرات، بدءاً بشاكر العبسي وصولاً إلى جميع القادة السوريين للفصائل التكفيرية التي تقاتل السوريين اليوم. ولكن لا بأس فلطيبة القلب أثمان، والنظام يدفعها اليوم، بعدما أفرج في بداية الثورة عن حوالى ألف «جهادي» كانوا يكابدون في سجونه. وها نحن نشهد اليوم في أدبيات الممانعة ضم تعبيريَ الإرهاب والتكفير إلى القاموس «الممانعجي» نفسه، فيستقر التعبيران الى جانب أشقائهما، أي الصهيونية والنيوكولونيالية الخ...، علماً أن الإرهاب في أكبر استخداماته ووفقاً للدلالات السائدة التي أعطيت له من نتاج العصف الذهني للمحافظين الجدد، وهي «آباء كل أنواع الاستعمار». والحال…

آراء

الصورة أبلغ من ملايين الكلمات

الأحد ٠٢ مارس ٢٠١٤

هو هكذا على طبيعته وفطرته، منتهى الطيبة والرحمة والإنسانية، لا يتصنّع، وليس من أولئك الذين يطلبون شعبية جماهيرية من أجل منصب، ولا هي ورقة يلعب بها من أجل كسب تعاطف، أو رغبة في أصوات إضافية، إنه يعشق إنسان الإمارات لأنه جزء منهم، هو واحد منهم، يشعر بأحزانهم، ويشاركهم كل اللحظات، أينما كانوا. الصورة أبلغ من الكلام، واللحظات التي وثقتها الصورة للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، بمستشفى سيؤول، تساوي ملايين الكلمات، بل وترجح كفة كل الموازين، لا أروع، ولا أصدق من مشاعره الفطرية العفوية، وهو يحضن مريضاً إماراتياً، بكل حب وحنان ورحمة، ولا أجمل من تقبيله طفلة إماراتية على رأسها، ولا شيء يعادل شعور المواطن الإماراتي بأن قيادة الدولة خلفه أينما ذهب، فهو لن يكون يوماً وحيداً في مجابهة المصاعب.. والمرض! الجرعة النفسية أقوى وأشد تأثيراً بالإيجاب في أي مريض من مئات المضادات الحيوية، فكيف وصاحب هذه الجرعة هو أحد رموز الدولة وقادتها، هو أحد أبناء زايد رحمة الله عليه، وأكثرهم شبهاً له، في هيئته، وضحكته، وطلته الرائعة! الشيخ محمد بن زايد حرص على أن يستهل زيارته إلى كوريا الجنوبية بالاطمئنان على مرضى إماراتيين في مستشفيات سيؤول، والالتقاء مع مهندسي وطلاب دولة الإمارات المبتعثين للدراسات العليا، وطلبة مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، الذين يدرسون في…

آراء

الوطن والتصنيفات

الأحد ٠٢ مارس ٢٠١٤

لفت انتباهي أحد المشاركين في لقاء مركز الحوار الوطني الأخير عن «التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية» بقوله إن السعوديين من أقل المجتمعات خلافا وأكثرها تشابها وفي الوقت ذاته نحن قلقون على الوحدة الوطنية، بينما توجد مجتمعات خلافاتها كثيرة بيد أنها لا تقلق على وحدتها الوطنية. هذه العبارة يمكن تحويلها إلى سؤال مهم هو لماذا نحن بالذات نعيش هاجس الخشية على وحدتنا الوطنية من الخلافات الموجودة لدينا؟ لو تأملنا المجتمعات الأخرى لوجدنا أنه رغم وجود ديانات مختلفة وطوائف وأعراق عديدة وتيارات فكرية وثقافية وأحزاب سياسية وتوجهات وقناعات تختلف وتتحاور وتتجادل وقد يصل الخلاف بينها حد المواجهة إلا أنه مهما حدث يبقى الوطن بمنأى عن أي خلاف، والوطنية محصنة من إقحامها في الجدل. يختلفون فيما بينهم لكنهم يلتقون عند الوطن كقيمة مقدسة، ولا ينحدرون إلى اقتراف خطيئة نفي الوطنية عن أحد أو التشكيك فيها لأن لا أحد يجرؤ على ذلك، أخلاقيا وقانونيا، بينما القضية مختلفة لدينا. الإشكالية لدينا أن الخلافات تلجأ بسهولة إلى التصنيفات كسلاح في المواجهة وبشكل غير منضبط وغالبا دون وعي كاف بمعانيها ودلالاتها، ثم تتحول التصنيفات وبسهولة أيضا إلى وسيلة وذريعة لما هو أخطر، أي ربط التصنيف بضعف الوطنية أو التشكيك فيها أو نفيها أو حتى إلصاق تهمة التآمر على الوطن بمن يتم تصنيفه، وهنا تتحقق خطورة المشكلة…

آراء

اليمن: القرار 2140 عنوان انهيار المنظومة السياسية العربية

الأحد ٠٢ مارس ٢٠١٤

يعلم الكثيرون في داخل اليمن وخارجه أنني كنت منتقدا لأسلوب الرئيس السابق علي عبد الله صالح في إدارته لشؤون الدولة وسوء اختيار مساعديه ومستشاريه على كل المستويات، وتركه الحبل على الغارب لاستشراء الفساد وتفضيل أهل الثقة والمنافقين ومنحهم امتيازات خارج الأطر القانونية، ولا يمكن لعاقل قبول تنصل أي من هؤلاء عن مسؤولية المشاركة في كل ما اتخذه من قرارات وإجراءات إما بالموافقة عليها أو بالصمت عنها، وتمكن أغلبهم من تكديس ثروات، لكن ما لا أدركه ولا أتفهمه هو تلك الفرحة الغامرة التي عبر عنها كثيرون من معارضيه، والذين كان يلقي صالح لهم بالفتات، لصدور قرار من مجلس الأمن بتشكيل لجنة عقوبات بموجب الفصل السابع، مما يشكل سابقة خطرة لأسلوب التعامل الذي تسعى من خلاله بعض الدول الغربية لابتكار أسلوب لفرض الوصاية الكاملة على مقدرات البلدان. قبل أيام التقيت في مدريد بدبلوماسي غربي يعمل في إحدى العواصم الخليجية، وكان قبلها موظفا في سفارة بلاده باليمن أثناء حكم الرئيس السابق، ويعلم تفاصيل الخارطة السياسية فيها والأشخاص المؤثرين في مجرياتها، وتطرق الحديث إلى الأساليب التي اتبعتها الدول الغربية في فرض نماذج مختلفة من التغيير بدءا بغزو كامل الأركان للعراق ولن يقف عند حدود الصمت على ما يجري في سوريا، ورغم صحة القول بأن الداء ناتج عن سوء داخلي نخر كل مفاصل الحكم وحوله…

آراء

السيسي لن يكون عبدالناصر… ولكن ماذا عن أوزال أو بينوشيه؟

السبت ٠١ مارس ٢٠١٤

يحلو لأنصار المشير عبدالفتاح السيسي أن يصوروه مثل عبدالناصر، ولكنه في الغالب يعلم أن نجاحه كرئيس لمصر ألا يكون عبدالناصر، بل أن يصلح الاقتصاد المصري الذي أفسده «الزعيم الخالد». لا بد من أنه يعلم أن مشكلة مصر الحقيقية هي الاقتصاد، ويعلم أن كل من جاؤوا بعد عبدالناصر حاولوا ذلك ولكنهم لم ينجحوا. حاول السادات إجراء إصلاحات اقتصادية سميت الانفتاح، من دون المساس بهيكل الدولة الريعية والاقتصاد الموجه الذي تركه عبدالناصر، فكانت النتيجة ظهور اقتصاد موازٍ أفرز ما اتفق المصريون على تسميته «القطط السمان» الذين يتمتعون برخاء وحدهم بعيداً من الغالبية الفقيرة. حسني مبارك حقق إنجازات أفضل، واستعان باقتصاديين حقيقيين، ولكن استمرت معادلة الاقتصاد الموازي. دافع مبارك عنه مرة مستخدماً نظرية «اقتصاد الانسياب من أعلى إلى أسفل» Trickle Down Economy وهي نظرية شاعت في الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الذي كان يشجع خفض الضرائب على الأغنياء، وإعطاء حوافز لرجال الأعمال على أمل أن ترتفع مداخيلهم فتنساب نحو بقية الاقتصاد. من الواضح أن النظرية فشلت في مصر فكانت ثورة 25 يناير التي كانت «العدالة الاجتماعية» أهم شعاراتها. المشكلة أن الساسة والمثقفين في مصر يهربون من مناقشة أمّ القضايا في بلادهم وهي الاقتصاد، ويفضلون أي قضية غيرها، دولة مدنية أم دينية، مدنية أم عسكر، عسكر أم «إخوان»، مؤامرات دولية،…

آراء

ركاب الدرجة الاقتصادية

السبت ٠١ مارس ٢٠١٤

عادة ما يلفت نظري الفارق الرهيب بين خدمات المضيفات حين أركب الطائرة في الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال، وبينهن في الدرجة الاقتصادية. أقول في نفسي كيف يتغيّرن حالما يفتحن الستارة الفاصلة بين الدرجتين؟ لكن المرء الذي يخدم سبعة أشخاص لا يكون نفسه حين تكلِّفه بخدمة 200 شخص. الأخلاق تتغير، وأحياناً يصبح وحشاً صغيراً. الأسبوع الماضي قرر دعاة الحفلة الذين كرموني في الرياض أن يحجزوا لي على درجة رجال الأعمال في الذهاب، وما إن انتهوا مني حتى أعادوني على الدرجة الاقتصادية، لهذا وجدت نفسي أبدأ بجمع الفروقات السبعة بين الدرجتين، وأولها أ‍ن نسبة احتمال أن تجاورك عائلة معها طفل رضيع يبكي في أذنك طوال الرحلة في درجة رجال الأعمال لا تزيد على 1 في المئة، أما احتمال وجود عشرات الرضع بجانبك في الدرجة الاقتصادية فهو 170 في المئة، وهؤلاء الأطفال يبكون طوال الرحلة لأن الضغط يزعج آذانهم، بينما أمهم بعد خمس دقائق من الصياح تتعود، فيظل المسافرون يفكرون ألف مرة في طريقة لإخراس هذا الطفل. المضيفة التي كانت في الدرجة الأولى ما عادت هي نفسها في الدرجة الاقتصادية، فهي في الأولى تدلعك وتعزمك على وجبة الطعام، وحين تجدك ترفض كل عرض لدعوتها فلا تشرب شاياً ولا قهوة ولا تأكل طعاماً، فإنها تشهق بخيبة: «معقولة مش حتاكل حاجة»؟ وفي وجبة رجال…

آراء

وداعاً للحرب مع إسرائيل؟

السبت ٠١ مارس ٢٠١٤

أن لا تعلن إسرائيل عن غارة عسكرية أغارتها جواً على «حزب الله»، فهذا ليس مستغرباً، ذاك أن الإنجاز بالنسبة إلى الدولة العبرية يتقدم على الإعلان. ولضمان أن يبقى الإنجاز متقدماً، يناقش الإسرائيليون كل حرف يصدر عن خصومهم، ويضعون كل الفرضيات ويعملون بموجبها كي لا يتأذى مواطن من مواطنيهم، وكي يبقى الإنجاز أولاً. أما ألا يعلن «حزب الله» عن الغارة إلا متأخراً وبشكل مقتضب، فلا يحاول استخدامها لتوكيد استمرار الحرب بينه وبين إسرائيل، ولا يجد فيها فرصة جديدة للتذكير بمظلوميته حيال عدو صلف، فهذا ما يدعو إلى الاستغراب. يفاقم الاستغرابَ هذا أن الحزب ينتسب إلى ثقافة تمنح الأولوية للإعلان على الإنجاز، إلى الحد الذي يغدو الإعلان نفسه إنجازاً. لقد كان في وسع الحزب أن يقتنص فرصة ضربه، جرياً على تقليد عريق، فيذكرنا مجدداً بأنه الضحية وأن عدوه الجلاد، وبأن حربه في سورية لم تُلهِ إسرائيل عنه لأنها لم تُلهِه عن فلسطين. وهكذا ينساب الاستنتاج المنطقي: إذاً المعركة واحدة ضد الإسرائيليين وضد التكفيريين في سورية. فوق هذا، فالحزب الذي اعترف بالعملية اعترافاً مقتضباً ومتأخراً، وعد بالرد «في المكان والزمان المناسبين». ومن يعرف معنى العبارة التي اختُبرت ألف مرة من قبل، يعرف أن الحزب لن يرد إلا على نحو يتيح التملص من «الرد». العصافير التي في يده تُركت إذاً حرة طليقة. تم التركيز…

آراء

الطائفية… التحدي الكبير

السبت ٠١ مارس ٢٠١٤

لعلنا نتردد كثيراً في طرق باب الطائفية التي ظهرت بقوة في المنطقة العربية، وتزداد شراسة كما يتوقع لها، ونحن في دول الخليج العربي لم نعرف الفوارق الطائفية، وقد لا نشعر أساساً حتى بالانتماء المذهبي لمن نجالس لأنه لا يعنينا نهائياً. واليوم تخرج الطائفية بشراسة وكأنه مقدر للمنطقة أن تدخل في صراع مدمر ومنهك لمجمعاتنا العربية والخليجية. لماذا حدث ما حدث؟ بكل بساطة الورقة الطائفية صعدت في فترة زمنية تاريخية ارتبطت بنهوض القومية العربية، واعتبرها البعض تهديداً لمن ينتمي للأصول غير العربية، وحدثت تجاذبات في هذه الحقبة التاريخية. واليوم تخرج علينا الطائفية وتهدد أمن المنطقة الخليجية دون أن نحاول أن نقف وقفة تأنٍّ وتأمل لمعرفة لماذا يحدث ما حدث؟ وماذا علينا أن نفعل؟ بكل تأكيد كل مجتمعاتنا الخليجية لديها المكونات المذهبية المتعارف عليها، وهي أحياناً مرت بفترات شد وجذب، إلا أنها لم تصل إلى مرحلة مواجهات دامية. ولعلنا نتذكر الحرب العراقية الإيرانية إلا أنها أيضاً لم تفرز لنا الأمراض الطائفية، ولم يحدث انحياز مثلاً من قبل شيعة العراق للدولة الإيرانية، والتفسير الوحيد كان غلبة الانتماء العربي على الانتماء المذهبي. وهذه الصورة لم تستثمر بشكلها الفعال، وأهملنا مثل هذه الأمراض حتى وجدنا اليوم من يطالب بتقسيم المناصب الوظيفية وفق الطائفة، مما يدخلنا في نظام المحاصصة كما هو حادث في لبنان مثلاً، وهنا…

آراء

لُغْز النهاية

السبت ٠١ مارس ٢٠١٤

بينما أنا مشغول بالرد على مكالمة هاتفية وإرسال رسالة نصية، رفعتُ رأسي وإذا بسيارتي تنحى تجاه كتف الطريق الذي سَدّتْهُ شاحنة ضخمة. اغتالَ المكانَ صمتٌ مُطْبِق، وشعرتُ بأنها النهاية. اخترتُ حينها التفكير في شيء واحد، أطفالي على وجْه الخصوص، وأحسستُ بأن الثواني القليلة المتبقية لي يجب قضاؤها في شيء جميل.. لا أُريد لنهايتي أن تكون مأساوية - هذا ما دار في بالي - قد تكون كذلك لمن سيبكون بعدي، ولكن بالنسبة لي، أردتُها أن تكون ذكرى جميلة. وبينما أنا أتمعّن في وجوه أطفالي الصغار، وأبتسم مُتذكّراً وجه أحدهم وهو يضربني في بطني بالأمس مشتكياً من غيابي عن البيت وكثرة انشغالي، شعرتُ بيدي اليُسْرى تُدير المقْود بهدوء لتعيد السيارة إلى نصابها قدْر المستطاع إلى أن تجاوزت الشاحنة، فشعرتُ بأنني بُعثْتُ من جديد. رميتُ هاتفي وتعلّقتُ بالمقود كالموشِك على الغرق فوجد فجأة لوْحاً خشبياً طافياً على سطح المحيط. أخذتُ نفساً عميقاً، ثم خَرَجَت من صدري زفْرة طفل وُلِد قبل قليل. قضيتُ اليوم كله وأنا أفكّر في النهاية، ولكي أصدقكم القول، فإن هذه الفكرة لم تُغادرني منذ زمن. فكلما زُرتُ متحفاً، أو مَعْلماً أثرياً، أقف على سؤال مُحيّر: لماذا انشغل الإنسان دوماً بنهايته وحاول تخليد ذكراه؟ لماذا تَقُضّ فكرة النهاية مضجعه؟ ولستُ أتحدث عن الخوف من الموت، فذلك أمر فِطْري، ولكنني أقصد الخوف…

آراء

التصنيف الفكري .. مذهب معاصر

السبت ٠١ مارس ٢٠١٤

بمناسبة انعقاد جلسات الحوار الوطني عن التصنيف الفكري، تذكرت أنني قلت ــ في مقالة سابقة ــ إن مما أطلت التأمل فيه، وأنا أتدبر هذه الظاهرة العربية الصوتية أو اللفظية الجديدة، وقوع البعض، عن سابق قصد وتصميم، في مطب النظر إلى الكون، الطبيعي والبشري، بلون واحد، حيث يرفض كثيرون الاعتراف بالتعدد أو التمايز، أو حتى الفردانية التي تعطي لكل شخص طبيعة وجوده ونكهته ونوعية حضوره في حياة الآخرين الذين يشاركونه المكان والزمان. وهذا ما أدى ــ من وجهة نظري ــ إلى نشوء حالة من التصنيف الفكري الذي يعصف بمجتمعاتنا ومقدراتنا في كل مكان. ولذلك، لا غرابة أن يأتي من يقول بأن (التصنيف الفكري) يكاد يأخذ صيغة المذهب في زماننا، أي أن له قادته وتابعيه، بعد أن بلغ من الحضور الديني والسياسي والاجتماعي شأنا هائلا، وأصبح من الطبيعي أن نشير إلى فلان، أثناء التعرض لموقف أو لفظ ما، بأنه (تصنيفي)، بينما نتحدث عن هؤلاء الأشخاص أو أولئك بأنهم (تصنيفيون). وفي يقيني أن كل تصنيفي، ذكرا كان أم أنثى، لديه، في المبدأ، إيمان راسخ بأنه على حق مطلق وأن غيره على باطل محض. وما بين هذا الحق وذلك الباطل يتساقط كثيرون من كل التيارات التي تتنابز بأسلحة الإلغاء. وهذه هي الحقيقة التي نراها رأي العين في كل لفظ وتصرف في محيطنا الاجتماعي السعودي،…

آراء

الجنادرية والتراث الفني

الجمعة ٢٨ فبراير ٢٠١٤

تزامنت الجنادرية تاريخيا مع مد صحوي ديني يحارب الموسيقى، ولا يحفل بمفرداتها المادية والمعنوية، وقد استمرت الحرب على التراث الشعبي والموسيقى ثلاثين عاما، وفي هذه الفترة كانت الجنادرية النافذة الوحيدة التي توثق موسيقى رقصات تراث شعبي أوشكت أن تنسى، وكانت المسألة في البدء اجتهادا من الملحنين لتبني ألحان تراثية من نفس روح الرقصات الشعبية وإيقاعاتها للتسهيل على الراقصين الفطريين غير المحترفين أداء رقصاتهم، وهكذا حفظت الجنادرية تراثنا الموسيقي بألحان ثلاثين سنة من عمل الملحنين الكبار في بلادنا حتى صار تراكم موسيقانا التراثية في أوبريتات الجنادرية مرجعا مهما لإيقاعات وموسيقى التراث الشعبي. هذا الجانب الشعبي لا يوجد من يزعم أن لديه جهدا مكتملا لتوثيقه ورصده رغم كل محاولات الجمعيات التراثية، لذلك كانت الجنادرية أكبر جهد رسمي لرصد التراث وتجميعه، وقد تقل أهمية هذا التراث لكنها أهم منها قبل أربعين سنة وسيكون ذات أهمية بالغة بعد مائة سنة عندما يختفي التراث من ناقليه الفطريين، فيوصف دون أن يكون أحد سمعه كما هو، فالتسجيلات البصرية والسمعية هي الثروة المتجمعة للعصور التي تستعيدها الجنادرية من تراث أبناء المملكة. فعلا قبل الجنادرية كان التراث غائبا ما عدا الرسمي منه، لكن بعد الجنادرية تبارى الباحثون والرواة في وضع صرح من التراث في عروض الحواضر والبادية فتجمع أرشيف شعبي لم يكن موجودا في الثمانينيات وظهر هواة ومهتمون…