مصطفى النعمان
مصطفى النعمان
كاتب وسياسي يمني عمل سفيراً لليمن في عدة عواصم كان آخرها مدريد

اليمن: القرار 2140 عنوان انهيار المنظومة السياسية العربية

آراء

يعلم الكثيرون في داخل اليمن وخارجه أنني كنت منتقدا لأسلوب الرئيس السابق علي عبد الله صالح في إدارته لشؤون الدولة وسوء اختيار مساعديه ومستشاريه على كل المستويات، وتركه الحبل على الغارب لاستشراء الفساد وتفضيل أهل الثقة والمنافقين ومنحهم امتيازات خارج الأطر القانونية، ولا يمكن لعاقل قبول تنصل أي من هؤلاء عن مسؤولية المشاركة في كل ما اتخذه من قرارات وإجراءات إما بالموافقة عليها أو بالصمت عنها، وتمكن أغلبهم من تكديس ثروات، لكن ما لا أدركه ولا أتفهمه هو تلك الفرحة الغامرة التي عبر عنها كثيرون من معارضيه، والذين كان يلقي صالح لهم بالفتات، لصدور قرار من مجلس الأمن بتشكيل لجنة عقوبات بموجب الفصل السابع، مما يشكل سابقة خطرة لأسلوب التعامل الذي تسعى من خلاله بعض الدول الغربية لابتكار أسلوب لفرض الوصاية الكاملة على مقدرات البلدان.

قبل أيام التقيت في مدريد بدبلوماسي غربي يعمل في إحدى العواصم الخليجية، وكان قبلها موظفا في سفارة بلاده باليمن أثناء حكم الرئيس السابق، ويعلم تفاصيل الخارطة السياسية فيها والأشخاص المؤثرين في مجرياتها، وتطرق الحديث إلى الأساليب التي اتبعتها الدول الغربية في فرض نماذج مختلفة من التغيير بدءا بغزو كامل الأركان للعراق ولن يقف عند حدود الصمت على ما يجري في سوريا، ورغم صحة القول بأن الداء ناتج عن سوء داخلي نخر كل مفاصل الحكم وحوله إلى مزارع خاصة يتحكم من يديرونها في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية، فإن ذلك لا يعني فتح الأبواب على مصاريعها من دون إدراك لتبعات مثل هذه الإجراءات التي اتخذها مجلس الأمن في قراره رقم 2140 بتاريخ 26 فبراير (شباط) 2014.

عندما قادت الأقدار السيد جمال بنعمر إلى صدارة المشهد في اليمن، لم يكن حينها عارفا بمجريات الأحداث ولا ماهية الحقائق، ولم يكن يتوهم أنه بمرور الوقت سيفرض نفسه كأهم شخصية في تاريخ اليمن المعاصر، ولا بد أن هذا كان له تأثير على أسلوب عمله وطريقة تعامله الفجة مع الساسة اليمنيين الذين يختلفون مع آرائه وربما رغباته، ومن الواضح أنه استطاع بمهارة مشهودة نيل ثقة البعض وإيهامهم بأن بيده بقاءهم على مسرح الأحداث أو زوالهم منه، وفي المقابل منحوه القوة التي مكنته من تسيد الموقف الداخلي، وأسقط قناعاته على الدول الأعضاء في مجلس الأمن حول الأوضاع في اليمن وأنها أكثر خطرا على الأمن والسلم الدوليين مما يحدث في سوريا (!) وهو ما حمل الدول الأعضاء على الإجماع حول القرار السيئ الصيت. وكم أتمنى أن يتمكن اليمن من استعادة كل ما نهبه أي إنسان من ثروات البلاد والاستعانة بها في سد رمق المواطنين فهو عمل – لو تم – سيمثل تحولا في قدرة الأمم المتحدة على تقديم شيء إيجابي للشعوب الفقيرة مقابل إنفاقها المترف على موظفيها في مهماتهم في أصقاع الأرض وهم الذين عجزوا عن درء خطر أو نصرة مظلوم أو دفع ضرر، وهو ما تنبه إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وجعله يتخذ قراره الشجاع برفض قبول عضوية مجلس الأمن حتى لا يكون في موقع المتواطئ والشريك في قرارات لا تمت للعدالة بصلة.

لقد أفزعتني بنود القرار وما حملته من نصوص تحمل في ظاهرها الحرص على اليمن واليمنيين لكنها تضع البلاد والعباد تحت مقصلة الفصل السابع، ورهنا للجنة العقوبات التي ستستعين في بلوغ قراراتها بلجنة خبراء غير يمنية لها قدرة على أن تمنح وأن تحجب، وما على اليمنيين إلا الانصياع لعصاها الغليظة، في حين لا يحصل اليمنيون على أكثر من وعود مطاطية للمساعدة واستمرار سيل المناشدات الدولية، ولا يعقل أن الأمين العام للأمم المتحدة منشغل أو يهمه أمر اليمن واستقراره وازدهاره لا من قريب ولا من بعيد، فهو رهينة للدول الخمس الكبرى ولا يستطيع إلا الخضوع لرغباتها وأوامرها. ومن السخرية أن القرار الأممي عجز عن توجيه لوم أو حتى إشارة عتاب صريحة إلى القوى القبلية المسلحة في اليمن التي قامت أمام مشهد ومسمع العالم بأفعال تهجير وتدمير في مناطق نفوذها، بل إنهم يتحدون الدولة بتصرفاتهم وأقوالهم، ومرد ذلك أن السيد بنعمر يدرك تماما عجزه ومعه مجلس الأمن وفصله السابع عن تنفيذ أي من تهديداتهم على هذه القوى، فتذاكى وفضل عدم الإشارة الواضحة إليهم حتى لا يظهر ضعفه الفاضح.

لقد أقحم الساسة اليمنيون اليمن للدخول إلى دائرة الدول التي لا تستطيع تسيير شؤونها ولا رعاية مصالح مواطنيها، وتشكلت لها لجنة مثلما حدث للسودان الشقيق والكونغو وأفريقيا الوسطى وغيرها، وهو قرار يحمل في ظاهره الرحمة لكن تبعاته ستكون مدمرة لليمن ولمستقبله كدولة ذات سيادة، ولن يكون بمقدور أي سلطة تقوم فيه إلا الانصياع لما يأتيها من نيويورك.. ويجب أن أذكر المبتهجين بهذا القرار بأن إسرائيل بكل ما ترتكبه من جرائم يومية وتدمير منهجي لكل ما له علاقة بالفلسطينيين، لم تحظ باهتمام مجلس الأمن ولم تهدد يوما بالفصل السابع ولم تعترف بتشكيل لجنة واحدة للتحقيق في فظائعها.

منح القرار الأممي المؤيدين والذين سعوا لاستصداره مكافأة، مقابل هذا العمل الذي لا بد أن اليمنيين سيتذكرونه لاحقا بمرارة وحزن شديدين، فقد فتح الباب لبقاء كل مستويات الحكم للبقاء في مواقعها إلى أن يقضي الله أمره في عباده، وأحال كل المدد الزمنية التي كانت مذكورة في الآلية التنفيذية المزمنة إلى زوايا النسيان واستعاض عنها بالحديث المتكرر عن «الوقت المناسب»!!.. فهل كان الأمر يحمل شبهات تهديد إلى الذين سيعترضون بأنهم سيتعرضون للمحاسبة؟

القرار 2140 نموذج لما قد تواجهه أقطار أخرى، وما اليمن إلا ساحة تجارب جديدة، ودليل عدم نجاح الجامعة العربية ولمنظومة العمل السياسي العربي برمته، فقد تنازلت جميعها عن مسؤولياتها وسلمت بلدا عربيا إلى مجلس الأمن ليقرر مستقبله، وليس من النضج محاولات التذاكي وادعاء أن اليمن ليس بلدا تحت الوصاية الدولية أو الزعم بأن ما حدث، بإلحاح من بنعمر وعدد من الساسة اليمنيين، هو دليل اهتمام دولي باليمن، ويغفل هؤلاء أن هذا الاهتمام الذي توليه الدول الخمس الكبرى، برهان على فشل الدولة في أي قطر، وضعوه تحت بنود الفصل السابع.

المصدر: الشرق الأوسط