آراء

آراء

لو رأوني أمشي على “التايمز”!

السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٣

"إذا كان هدفك أن تُعجب الناس فسوف تكون مستعدا للمساومة على أي شيء في أي وقت، ولن تُحقق شيئا".. المقولة الشهيرة لـ"مارجريت تاتشر" التي فارقت الحياة الأسبوع الماضي وكانت أول رئيسة وزراء لبريطانيا، ولولا إيمانها بهذا الاعتقاد لما وصلت ابنة البقال الفقير إلى قصر الحكم البريطاني كرئيسة وزراء عبر ثلاث تجارب انتخابية من 1979 إلى 1990، رغم قسوة سياستها التي عُرفت بها آنذاك، وصعوبة الظروف التي حكمت فيها، وشدة النقد والصحافة اللاذعة معها خاصة من بقايا الذكوريين ممن حاولوا التقليل منها لكونها امرأة، فما اتخذته من قرارات رئاسية صادمة جعل بعضهم يلقبونها بـ"الساحرة"، والساحرة هنا بمعناها المكروه لدى الإنجليز، إلا أنه فيما يبدو حصد البريطانيون حيوية قراراتها وعرفوا قيمتها وحكمتها بعد أن تركت منصبها، وهم للآن يجنون ثمرتها اقتصاديا وعلميا واجتماعيا. ما أود قوله ببساطة أن هناك من ليس لديهم مبدأ ولا موقف مما يجري حولهم، خاصة بعض المسؤولين وبعض المحسوبين على النخب الفكرية والثقافية وحتى الدينية، هؤلاء ينتمون إلى تيارات يدندنون خلفها أو يرددون ما يقوله لهم الجمهور في لحظة حماسة عاطفية دون وعي أو محاولة لقراءة ما يحدث في لحظة تفكير عميقة، بعضهم تجدهم يردون للناس بضاعتهم التي كانوا يلوكونها في مجالسهم، ليكونوا ممن ينطبق عليهم القول "مع الخيل يا شقرا"، إما لأنه ليس لديهم الوقت للتفكير، أو…

آراء

نصف الكوب والربيع العربي

السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٣

كتبت الأسبوع الماضي عن دراسة الباحث السعودي نواف عبيد الغارقة في التشاؤم حيال الربيع العربي، التي نشرها بيلفر سنتر في جامعة هارفارد حيث يعمل عبيد باحثاً. اخترت دراسته وطرحتها هنا للنقاش لأنه يعبّر عن كثيرين قلقين حيال الربيع العربي، بعضهم قلق خشية أن تؤدي حال التخبط التي تمر بها دول الربيع إلى خسارة فرصة أخرى لنهضة العرب، والبعض الآخر يفضل أن يقرأ «الفشل» في ارتدادات الربيع لأنه يرى فيه تهديداً لمصالحه. دراسة نواف عبيد التي عنونها «صيف عربي ساخن» تحوم حول فكرة «أن التفاؤل حول ثورات الصحوة العربية يجب أن يقاس بنحس الأوضاع السياسية التي يمكن أن تحبط نظام الدولة الوطنية في شكل لا يتكامل مع نهوض عالم عربي جديد»، وبالتالي تدور دراسته حول ما سمّاه «النحس» الذي يحيط بمختلف الدول العربية التي تعاني بالفعل من صعوبات حادة بعضها أمني كـ(سورية)، وبعضها الآخر عميق يهدد حتى هويتها كـ(العراق)، والبعض الآخر يمر بمجرد مكايدات سياسية عبثية كـ(مصر)، فإن هناك من يرى في ذلك «النحس» مجرد مخاض صعب لثورات مستحقة وولادة عالم عربي جديد، ولكن لننظر في أشكال «النحس» المحيطة بشتى الدول العربية، بغية تحليلها واتقاء شرّها. «لقد فشل اليمن في أن يتحد في دولة وطنية واحدة بإخاء ومساواة بين كل أبنائه»، ولذلك كانت الثورة، بل ربما بعد أن تكتمل دورة تأسيس…

آراء

سأظل أتحدث عن الأمل

السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٣

الزهرة التي تتبع الشمس تفعل ذلك حتى في اليوم المملوء بالغيوم ... روبرت ليجتون سيحدثونك عن شعاع في كهف مغلق وعن شمس كلما غربت أشرقت ثانية، وعن فصول تتعاقب وتتغير، سيقولون لك إن دوام الحال من المحال، وإنه لا ليل مهما طال لن يستمر للأبد، سيتحدثون عن نافذة صغيرة في غرفة مظلمة تطل على الحياة! عن مرفأ النجاة وقطار مهما طال انتظارك سيعبر محطاتك. يريدون أن يصفو الأمل، وأن يقولوا لك ببساطة، إن هناك دائماً أملاً، لكن ما هو الأمل؟ وهل نستطيع وصفه بالكلمات؟ هل هو مجرد إحساس نحسه؟ ومن يضمن لنا صدق الإحساس؟! تخيل أن لهذه الحياة ابتسامة جميلة وكما نعلم أن الأشياء الجميلة باقية كالأمل تماماً وخالدة وغائرة فينا، هناك أشياء ما بين الأرض والسماء ما لا نستطيع إدراكه وتفسيره بسهولة، أشياء أمامنا جزء منا، نحيا بها ونقتات عليها، وقود مهم لاستمرارنا، دونها كم ستكون صعبة حياتنا أشياء كثيرة وأولها الأمل. سؤال: من يستطيع إطفاء جذوة الأمل فيك؟ الجواب: لا أحد. هناك تكمن في أعماقنا، سر من أسرارنا، ننساها بشقاء وتظل معنا حتى عندما نهملها لا تهملنا، نرجع كالأطفال إليها كلما ضاقت بنا السبل تلك هي شعلة الأمل! لا تنطفئ ولكن ستبقى ما بقينا رفيقتنا في دروبنا، كلما أظلم الطريق أنارت لنا طريقاً آخر. إذا نظرت بعين التفاؤل…

آراء

قراءة في خطاب مرتبك

السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٣

مثل غيري أنصت للخطاب التلفزيوني الذي أطل به الرئيس بشار الأسد على المشاهدين، كما استمعت لعدد من التعليقات المحلية والدولية، ووصلت إليّ مجموعة من النتائج أرغب في أن أشارك القارئ فيها، وهي: أولا: من الواضح أن الإعداد للقاء التلفزيوني كان مسرحيا، بمعنى أنه لم يكن تلقائيا بل أعد مسبقا وربما جرت عليه بروفة قبل أن يذاع، وإن أراد مخرجوه أن يرسلوا إلى المتلقي أنه تلقائي فقد فشلوا، والدليل أن الإجابات كانت معدة ليس بموضوعاتها ولكن أيضا بأرقامها، فكيف مثلا لرئيس دولة أن يتذكر، عفو الخاطر، عدد المساجد التي بنيت في الأعوام السابقة وعدد دور التثقيف الديني، كما أن السيدة التي طرحت الأسئلة، وفيها أسئلة غير تقليدية، كانت تطرح بثقة زائدة على الحد في مثل حضرة أشخاص مثل الرجل الذي أمامها، مما يؤكد من جديد العملية الممسرحة في الأسئلة والإجابات. ثانيا: على الرغم من حديث الرئيس بشار أن المعارضة له لا تسمى معارضة لأنها تتكلم بأكثر من لسان (في التلفزيونات) وأنها متذبذبة. بدا التذبذب واضحا في تصنيفه لمعارضيه، ففي وقت يقول إنه يقبل المعارضة للتفاوض والحوار، وفي وقت آخر – في نفس الحوار التلفزيوني - ينحي جانبا عددا من قوى المعارضة التي لا يرضى أن يتحاور معها، منها من حمل السلاح، ومنها من تسلم أموالا، ومنها من روع المواطنين، ومنها من…

آراء

العالَم ليس جزءاً من الإسلام

السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٣

وافقت السلطات السويدية قبل أيام بالسماح لمسجد (فتيجا) الكائن في إحدى ضواحي العاصمة ستوكهولم برفع الأذان لأول مرة في تاريخ السويد، لمدة خمس دقائق كحد أقصى وقت صلاة الجمعة. وعندما تقرأ التعليقات المكتوبة تحت الخبر، تجد أنها مليئة بالتكبير والدعاء بعزة الإسلام، والمجد لراية التوحيد. فكّرتُ قليلاً: ماذا لو كنتُ أحد السويديين الذين صوتوا للسماح بالأذان وقرأتُ هذه التعليقات، هل سأندم على دعمي وإيماني بحق المسلمين، وأي طائفة دينية أخرى في السويد، بممارسة شعائرها في العلن؟! ثم فكرّتُ أكثر: لماذا ننظر إلى هذه الأخبار والأحداث في الغرب، التي من المفترض أن تكون إيجابية ومتسامحة، نظرة صراع وغزوات وفتوحات؟ تصور أنك دخلتَ منزل أحدهم، وبعد العشاء طلبتَ منه أن تبيت فيه فسمح لك، وعندما أدخلك غرفة الضيوف وانصرف صرختَ "اللهم انصرني عليه" فهل تعتقد بأنك بذلك أفضل منه؟ اسأل نفسك: من أكثر تسامحاً؟ ومن أخلاقه أكثر رقياً؟ ليس بالضرورة أن تكون مسلماً لتصبح متسامحاً، ولكن عليك أن تكون متسامحاً حتى تصير مسلماً حقاً. نتحدثُ كثيراً عن أن الإسلام يدعونا للتسامح والوسطية والاعتدال، وهو كذلك دون شك، ولكننا نحنُ المسلمون لم نعد كذلك. بل إن غالبيتنا بعيدة تماماً، ودون أن تدري أو تشعر، عن معاني التسامح والرحمة. قال لي أحدهم بأن الدم يغلي في جسده عندما يرى سيارة أجنبي في بلده وقد…

أخبار الوليد بن طلال: صوت «الأمراء الجدد» ؟ – سليمان الهتلان

الوليد بن طلال: صوت «الأمراء الجدد» ؟ – سليمان الهتلان

السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٣

هل يمثل الأمير السعودي الوليد بن طلال، في آرائه السياسية والاجتماعية، نفسه فقط أم أنه يمثل فكراً جديداً لدى من يمكن تسميتهم بالأمراء الجدد في السعودية؟ نختلف أو نتفق مع الأمير في كثير من آرائه ومواقفه، لكن تسجل له جرأته في «الاختلاف الخلّاق» مع محيطه. في مملكته العملاقة، المملكة القابضة، ظل الأمير مثار جدل بإتاحته الفرصة أمام بنات من بلاده تقلدن مواقع قيادية في شركته. وفي مجتمع شديد المحافظة، وإن ظاهرياً، يعطي الوليد الموظفة السعودية عنده حق الاختيار: بحجاب أو من دون حجاب. ويعلن صراحة دعمه لكل مشروع وطني يسعى لتأهيل وتوظيف بنات بلده. ورؤيته في «الاختلاط» مختلفة عن الرأي الشائع المناهض لفكرة أن تعمل المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل. ويحسب للوليد بن طلال أنه لا يمارس نفاق بعض الليبراليين في السعودية فينادي بمشاركة المرأة في حراك المجتمع ثم يغلق كل الأبواب في وجه زوجته وبنته. فها هو يحضر مناسبات خليجية وعالمية برفقة زوجته، أميرة الطويل، التي أصبحت هي نفسها من الناشطات في مجال تمكين المرأة السعودية. في اليوم التالي لظهور الأمير الوليد بن طلال على شاشة إحدى قنواته التلفزيونية، «روتانا خليجية»، كنت على الهاتف مع الأمير في مكالمة قصيرة حول المقابلة. قال لي إنه يأمل بأن تثير تلك المقابلة نقاشات ضرورية حول الداخل السعودي. ولو لم يكن من…

آراء

السلطة المعنوية!

الجمعة ١٩ أبريل ٢٠١٣

السلطة المعنوية بعيدا عن السياسة أصبحت موضوعا شائقا، وعني به من قبل المهتمين بكتب تطوير الذات، الذين يقدمون للقرّاء نظريات ونصائح لصناعة القائد والقدرة على التأثير والشخصية الكاريزمية، واستلاب القلوب والألباب، وأصبح الإقبال على مثل هذه الكتب من قبل الإداريين والاقتصاديين يفوق الإقبال على كتب الإدارة الفنية الصرفة وبقية الكتب العلمية. أما في حقل السياسة فالحديث ذو شجون، وإن كان في ظاهره يعد شكلا من أشكال الترف، إلا أنه مرتبط ارتباطا أصيلا بمبادئ سياسية مهمة كالشرعية السياسية على سبيل المثال. فالشرعية السياسية هي في الأساس «ثقة» يمنحها المجتمع للنظام السياسي، ويخوله لإدارة شؤون المجتمع وفق حدوده الجغرافية. وبالطبع الحصول على هذه الثقة ليس بالأمر اليسير؛ ولن يتأتى لأحد الحصول على «الثقة» دون أن يمتلك سلطة معنوية خارقة تمكنه من كسب ثقة المجتمع. ففي مراحل التحولات السياسية فتش المؤرخون عن السلطة المعنوية فوجدوا أن امتلاكها يعد ضمان امتلاك ثقة المجتمع الذي يعتقد أن هذه السلطة المعنوية معبرة عن إرادته، وبالتالي ينتج عن هذا شكل سياسي جديد! فنابليون الذي أجرم في حق الإنسانية، واغتصب السلطة، واحتل أكثر من عشر دول، وأزهقت آلاف الأرواح من أجله، لم يكن ذلك مقبولا لولا سلطته المعنوية التي من خلالها استطاع كسْب ثقة الناس وهو يقودهم إلى الهاوية! والمستشار بيسمارك استطاع من خلال سلطته المعنوية توحيد الولايات…

آراء

سمة سلبية تحاصر الرياض

الجمعة ١٩ أبريل ٢٠١٣

لا يقبل الكثير من المسؤولين عندنا إطلاق كلمة ظاهرة على بعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع، ويدافع هؤلاء عن مواقفهم قائلين: "لم تصل المسألة هذه أو تلك لحالة يمكن أن نطلق عليها ظاهرة، فهي لا تعدو حالات فردية لا يمكن الاستناد عليها في الحكم على الأشياء، ومن ثم التهويل وإعطاء الموضوع أكثر مما يستحق". هذا التحفظ قديم، ويمكن تصنيفه على أنه من ضمن مجموعة كبيرة من الآراء التي لا يمكن للمسؤول الحكومي تجاوزها أو تبديل قناعته حولها، حتى لو بدى له خلاف ما يظن وما يقول، فهو "تربى" وتعايش لعقود مع هكذا فكر، وهكذا ثقافة قائمة على التهوين من الأمور حتى وإن شكى وتذمر الناس من ظاهرة لا يختلف اثنان على أنه لا يمكن تصنيفها على أنها حالة فردية أو شاذة. على المستوى الشخصي يمكن لي الجزم أن مشهد المتسولين الصامتين وغير الصامتين والثابتين والمتحركين، واقع نعيشه ونلمسه ونراه في مجتمعنا منذ أربعة عقود، وهذا المشهد لا يمكن منذ أربعين سنة تسميته إلا بالظاهرة، بل وظاهرة مستشرية ومتفشية ومتجذرة ومنظمة ورغم ذلك ظل المعنيون عن مكافحة التسول يكابرون ويقللون من شأن هذا السلوك، الذي يكبر يوما بعد يوم في ظل عدم وجود جهود جادة ومنظمة ومدروسة للقضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها. قبل أيام كنت في العاصمة الرياض -التي…

آراء

إيران وتدمير المشرق العربي

الجمعة ١٩ أبريل ٢٠١٣

قال فريدون عباسي، مدير المنظمة الإيرانية للطاقة النووية، إن من فوائد الملف النووي الإيراني على دول الخليج، ووجود مفاعل بوشهر على مقربة منها «إقبال تلك الدول على اقتناء أحدث أجهزة قياس التلوث.. فلولا مفاعل بوشهر لما كان الخليجيون توجهوا إلى هذه العلوم»! وعلى هذا القياس، ولأن كل تصرفات نظام طهران، يكون علينا نحن عرب المشرق والخليج، بل وسائر العرب، أن نلتمس «الحكمة» الحاضرة ولا شك من وراء إسهام إيران في فصل غزة عن الضفة الغربية بفلسطين، وإسهامها في احتلال بيروت من جانب حزب الله، وإسهامها في نشر الطائفية والفتنة بالعراق، وإسهامها الأخير والمستمر في قتل الشعب السوري وصون نظام بشار الأسد، عن طريق الحرس الثوري، ومتطوعي جيش المختار، وميليشيا أبي الفضل العباس من العراق، وعسكر حزب الله من لبنان. قال لي كنعان مكية، المعارض الشهير لنظام الرئيس صدام حسين، عام 2006: «إن الإيرانيين تلقوا عام 2001 - 2002 عرضا ما كان بوسعهم رفضه رغم هواجسهم الكثيرة: ضرب طالبان بأفغانستان، ونظام صدام بالعراق. أما ما حصل من جانبهم ومن جانب الأميركيين على حد سواء بعد ذلك، فكلها مسائل سادها سوء التقدير وسوء التصرف من الطرفين»! والذي حصل بعد عام 2008 من انهيار في صورة انتصار للأميركيين كان نتيجة الإصرار على الانسحاب من العراق بأي ثمن خشية من «سيندروم» فيتنام؛ وهي «الواقعة»…

آراء

لماذا يكرهون “الجنادرية”؟!

الجمعة ١٩ أبريل ٢٠١٣

كتبت أكثر من مرة عن الجنادرية، وأسميتها بالقلعة، وأنا مصر على تسميتها بالقلعة، وأعي حق الوعي، لماذا أسميتها بالقلعة؟ حيث عملت الجنادرية منذ تأسيسها قبل 28 عاما، كقلعة ليس فقط لعرض تراثنا وفنوننا الشعبية، التي تمثل الذاكرة الوجدانية لجميع مناطق المملكة، ولكن أيضا لتطويرها والحافظ عليها كجزء عزيز من تاريخنا الجمعي التراثي والفني. إن من أول الكوارث التي تصيب الشعوب، وهي لا تشعر، هو فقدانها لذاكرتها الجمعية الفنية البصرية والسمعية، التي تميزها عن غيرها. والشعب الذي يفقد ذاكرته وذائقته التراثية، والتي تمثل بالنسبة له، مخياله الشعبي وذاكرته الوجدانية، يفقد توازنه الحضاري أو المدني، ويتحرك للمستقبل بخطى مهزوزة، غير واثقة، ويصبح قابلا للحرف عن جذوره الوطنية بفقدانه صمغه الوجداني الوطني المحايد. الحالة المدنية لأي مدينة هو إبراز تراثها المعماري والثقافي، وجعله ميزة خاصة تتمتع بها دون غيرها من المدن، هذا بجانب استخدامها لأحدث ما توصلت إليه المدنية من تقدم وتقنية في مضمار المعمار وتخطيط المدن، ومواصلاتها ومرافقها الخدمية العامة والخاصة، والتي بدورها قد تمحو الذاكرة الجمعية شيئا فشيئا. المدنية لا تنطلق من فراغ، وإنما من ذاكرة ثقافية تتأسس عليها، وتصبح بوصلتها في الحفاظ على جماليات المكان ونبضه التراثي والفني، اللذين رافقاها لعدة قرون خلت. المدنية دوما تحرص على إحضار ذاكرتها الثقافية الخاصة بها، من خلال طراز معمارها، ومتاحفها ومعارضها ومهرجاناتها الفنية…

آراء

شجاعة العقل: المتنبي الإنساني أم المتنبي الغذامي؟

الخميس ١٨ أبريل ٢٠١٣

أما قبلُ، ففي كتابه «العرب ظاهرة صوتية» فسَّر عبدالله القصيمي إعجابَ العرب بالمتنبي بكونه «عربياً جداً»؛ مذ كان العرب يبتهجون بصانعي الطغاة. واعتبره «إنساناً بلا أية شروط إنسانية»، ثم سأل مستنكراً: «هل كان المتنبي شاعراً عظيماً؟». وعلى هذا (النسق!)، اعتبره عبدالله الغذامي في «النقد الثقافي» أكثر الشعراء «تمثيلاً لروح الخطاب النسقي... وليس إعجابنا به إلا استجابة نسقية غير واعية منا». وخلص إلى كونه «أقل الشعراء اهتماماً بالإنساني وتحقيراً له» (هكذا!). ثم طرح السؤال الاستنكاري نفسه الذي طرحه والده الثقافي القصيمي: «المتنبي مبدعٌ عظيم؟» وزاد، مذ كان هو الشبيه/ المختلف: «أم شحاذ عظيم...؟». المتنبي، إذاً، شاعرٌ لا إنساني. صورة تدشنها إنشائيات القصيمي لتتلقفها ريشة الغذامي وتصبغها بطلاء اصطلاحي براق لا تفلح عدته النظرية، وهي قد جوبهت بقراءاتٍ نقدية جادة على أية حال، في إخفاء أبوة القصيمي للمتنبي في نسخته الغذامية! أما بعدُ؛ فلهذه المقالة رؤية أخرى. لمعرفة موقع الإنسان في الفكر الشعري عند المتنبي ينبغي الوصول إلى أسس رؤيته للعالم. رؤية العالم، بوصفها تمثُّلاً عامّاً عن الواقع، يمكن اكتشافها بتحليل نماذج مفاهيمية يثبُت تأثيرها في مجمل المدونة الشعرية. في دراسة لكاتب هذه السطور تمّ اختيار مفهوم (العقل) أنموذجاً لمقاربة رؤية المتنبي للعالم لأسبابٍ تفصيلُها في الدراسة نفسها. المقاربة، متأسسةً على تحليل مدونة المتنبي الشعرية كاملةً، وصلت إلى نتيجة تجادل بأن (العقل)…

آراء

أرامكو: من القصص

الخميس ١٨ أبريل ٢٠١٣

لم تكن "أرامكو" في حياة وطنها ومواطنيه مجرد عملاق نفط هائل أو نهر أبيض في تاريخ هذه الصحراء. كانت وما زالت (غرفة) انطلقت من حقولها ومبانيها آمال وأحلام الآلاف الذين، وبفضلها، اجتمعوا على (قلب) وطن واحد متحد سيحلو صباح (الخميس) لاستعادة واستعارة مخزون الذكريات. بعد هذه العقود من الزمن، وبعد سنيّها الطويلة، قابلت زميل الدراسة، أخي ناصر الخشيم، وهو الذي درس معي في (فصل المشاغبين) في المدرسة المتوسطة الوحيدة يوم كنا أطفالا في سراة عبيدة. لكن (أبو عبدالرحمن) تركنا العام التالي مثل آلاف المهاجرين إلى الشمال.. طفلا مراهقا يلتحق بالشركة الأم ويقضي عامه الأول فيها.. يسحب الرمال من الطرقات الذاهبة إلى آبار النفط. بعدها عمل أربع سنوات أخرى على جهاز التحويل والتشغيل في (شدقم)، وما أدراك ما (شدقم) حين تربطها في خيط مع شيء من (جهنم) يوليو أو أغسطس. لم تكن (شدقم) وأخواتها مجرد مصانع للنفط، بل مصانع لآلاف الرجال الذين خرجوا من رحم هذه (الأم) في ولادة جديدة. وبعد لهيب هذه الصحراء يذكر لي (أبو عبدالرحمن) كيف دخل عالم المال والأعمال، وكيف تحول ـ بفضل (أرامكو) ـ هذا الطفل من (فصل د) المشاغب بسراة عبيدة إلى رجل أعمال في الطرف الجنوبي من هذا الوطن. حبست دموعي وهو يروي في سرد أخاذ كيف عاد قبل عامين إلى (أرامكو) ليسأل عن…