آراء
الثلاثاء ١٩ أبريل ٢٠١٦
لا يماري إلّا الغلاة في أنّ الثورات العربيّة تستحقّ الكثير من إعمال النقد وأعمال المراجعة. بل الغلاة وحدهم مَن لا يرون ضرورة هذا النقد ولا يهتمّون بإلحاحه. وبالفعل تعرّضت تلك الثورات لأنواع لا حصر لها من النقد، تداخل فيه القمح والزؤان، مثلما تداخل الرأي الحرّ والغرض، أو الظاهر الأيديولوجيّ الحديث والباطن العصبيّ القديم. وهذه جميعها صيغٌ من النقد وجدت بدورها من ينتقدها، أو يسجّل ما رآه فيها نواقص وقصوراً. وعلى العموم، جاء نقد النقد يحمل ما حمله النقد من تفاوت وخلائط. بيد أنّ لغة سهلة وواسعة الانتشار ظهرت مع بداية الثورات العربيّة، هابّةً من بيئات ثقافيّة حصراً، لتشهد الآن، مع هزيمة الثورات، انتعاشاً لافتاً يكاد يجعلها قولاً مأثوراً. واللغة هذه لئن تعرّضت لطعن الكثيرين ممّن استهدفوا مضمونها، فإنّ شكلها نادراً ما استوقف النقّاد، علماً أنّ شكلها ذاك هو هو مضمونها، أو أنّ المضمون غالباً ما يتبدّى محاكاةً لذاك الشكل المتعالي ونسجاً عليه. وأمّا لغة النقد المذكورة، المتجدّدة والمتوسّعة، فمفادها أنّ لا ثورة إلّا بفصل الدين عن الدولة أو العلمنة. ولا يمكن للمرء أن يوافق أكثر، فالموافقة هنا تشبه الموافقة على دوران الأرض حول الشمس أو على ضرورة الغذاء والماء لاستمرار الحياة. والثورة، بعد كلّ حساب، ليست مجرّد فعل سياسيّ حتّى لو افتُتحت بفعل كهذا. لكنّ المثقّف في زمننا «الحديث» ليس…