آراء
الإثنين ٢٩ فبراير ٢٠١٦
وقف النار لا يقل خطورة عن إطلاق النار. جحيم المعارك يمنع الرؤية ويحجب الصورة. يشحذ الأحقاد والآمال. استحالة الضربة القاضية تذكر بالتوازنات المريرة. صمت المدافع والبراميل يفتح العينين. يضع من كان يوصف بالمواطن وجهاً لوجه أمام ما كانت توصف بأنها بلاده. أمام ما تبقى منها. ابتهاج الناس باستراحة آلة القتل لا يلغي حقيقة مدمرة. الشهيد الأول في سورية اسمه سورية. وقف النار مطلوب لكنه رهيب. يسمح للمواطن بالشروع في الإحصاءات. المدن التي اغتيلت. البلدات التي تبخرت. القرى المسكونة برائحة الموت والغياب. ستتذكر عائلة ابنها الذي ذهب ولم يعد. ابنها الذي لن يعود. ستتذكر نصفها التائه في أوروبا أو مخيمات الدول المجاورة. ستتحسس أم صورة نجلها الذي أخذوه. ستصلي لعودته وهي تعرف أن شمس عمرها ستغرب من دون أن تعانقه. وقف النار رهيب. سيتحدث السوريون تحت أطلال منازلهم عن نهر من القتلى. وبحر من الجرحى والمعاقين. وعن اللاجئين الذين يتعلقون بأطراف مركل هرباً من قسوة بلاد الأمويين. عن لاجئين سيطول انتظارهم لأن إعادة إعمار سورية أكبر بكثير من قدرة الذين منعوا حسم الحرب. وقف النار رهيب. لأن الحرب ستستمر تحت عناوين أخرى. لا «داعش» يرف له جفن إذا تدمر ما بقي. ولا «النصرة» يرف لها جفن. ثم أن سورية الجديدة التي ستولد من المفاوضات ومناوراتها وأفخاخها قد لا تستحق هذا البحر…