أزمات الصحافة في 2013

آراء

ترى العديد من التقارير أن عام 2013 شهد تراجعاً في العديد من المجالات، وسالت فيه دماء كثيرة، وتوسعت مساحات الشقاق وعدم التفاهم بين العديد من المناطق بل وداخل البلد الواحد، ولكن في المجال الصحفي كانت هنالك علامات واضحة فيما يتعلق بتراجع عادة قراءة الصحف، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى تراجع إقبال المعلنين في هذه الصحف! ولقد تم تسجيل نسبة تراجع قُدرت بنحو 6.4% عام 2013 في مجال الوظائف المتاحة في الصحافة في الولايات المتحدة، كما أن خسارة الصحف وصلت إلى مليار دولار أميركي خلال العام، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول حجم التراجعات في الأعوام التالية، ولربما تأثير ذلك على استمرار الصحافة الورقية !. ولقد سُجلت بعض الحقائق في هذا الاتجاه، مثل إغلاق 8 صحف محلية في مؤسسة (سيفيتاس ميديا) وإغلاق صحيفتين في مؤسسة (لي انتربرايز إنك)، وأدى ذلك إلى تسريح عشرات العاملين في تلك الصحف. كما اضطرت صحيفة (نيويورك تايمز) إلى بيع (بوسطن جلوب) بعد أن وصلت نسبة خسائرها إلى 94%؟ واقتطعت شركة (صن ميديا) 360 وظيفة بهدف توفير 55 مليون دولار من خسائرها وأغلقت 11 صحيفة تمتلكها. (الحياة).

ولقد تم تسجيل الانخفاضات التالية في سوق الصحافة العالمية، 13% في أميركا،28.18 في أوروبا الغربية، 27.4 في المئة بأوروبا الشرقية. (القبس 11/1/2014)

بالطبع لا يمكن قياس حجم توزيع الصحف الأميركية والأوروبية وحجم الاستثمارات فيها بمنطقة الشرق الأوسط أو العالم العربي عامة، إلا أن المؤشرات لا تعكس تطورات ملحوظة في انتشار الصحف الورقية في هذه المنطقة، رغم أن بعض الدول يدعم هذه الصحف، وأن شركات عملاقة مالياً تدير هذه الصحف، ولكن كل التوقعات لا تشير أيضاً إلى تراجعات ملحوظة في سوق الصحف الورقية – كما هو الحال في مناطق أخرى في العالم لاعتبارات اقتصادية واجتماعية، مع التقدير لزيادة الإقبال على استخدام الإنترنت في العالم العربي، وحسب إحصائيات صحفي، فإن عدد مستخدمي الإنترنت «تجاوز حتى الربع الأول من العام الماضي 3.29 مليار مستخدم حول العالم بحسب (إنترنت ورلد ستاتس) المختصة بأرقام الإنترنت، أما فيما يخص المنطقة العربية، تقرير صدر من منظمة (IWS) لدراسة أجرتها شركة (جو – غلف) المتخصصة ونشرت نتائجها في منتصف عام 2013 أن نمو معدل انتشار واستخدام الإنترنت في المنطقة عموماً وصل إلى 3.7% من إجمالي مستخدمي الإنترنت حول العالم، كما أشارت الدراسة إلى أن نسبة مستخدمي الإنترنت في المنطقة تصل إلى 40.2% من إجمالي سكان المنطقة، مبينة أن 88% من مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط يتواجدون على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل يومي، وقدرت الدراسة ارتفاع عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت فيسبوك وتويتر ولينكد إن ليسجل أخيراً ما مجموعه 70.3 مليون مستخدم عربي حتى منتصف عام 2013، مقارنة بـ 52 مليون مشترك في نهاية النصف الأول من عام 2012، بزيادة بلغت نسبتها 35% خلال 12 شهراً» (صحيفة الجمهورية – اليمن – 1/1/2014)

ونلاحظ أن جلَّ المتعاملين مع الإنترنت ليسوا بالضرورة من قراء الصحف، وهذا مؤشر لابد وأن يؤخذ في الاعتبار عند الحديث عن التحول من الصحافة الورقية إلى الصحافة الإلكترونية، إذ أن ارتفاع نسبة استخدام الإنترنت لا يعني بالضرورة تخلي القراء عن قراءة الصحافة الورقية، ولكن هذا لا يعفينا من الإقرار بأن هذا التحول قادم، وإن كان بوتيرة متأنية وبطيئة نوعاً.

الإشكالية الأساسية لأزمات الصحافة العربية في العالم العربي تنحصر في مدى إيمان الأنظمة بدور الصحافة، فعندما يأتي نظام ويغلق الصحف التي لا تدور في فلكه، لا يمكن اعتبار ذلك مؤشراً إيجابياً لتطور الصحافة، وإن حاول النظام التفكير نيابة عن المجتمع، ومحاولته إثبات «إيمانه» بحماية المجتعم من المقالات والأفكار التي يعتبرها «هدامة»، وبنظر الآخرين ليست كذلك! وهو اجتراء على حرية التعبير! الإشكالية الأخرى في قدرة الأنظمة على سنِّ القواينين التي تحد من حرية التعبير، والتفنن في ترويج «نغمات» الصالح العام، وحماية المجتمع، وغيرها من «الرهانات» التي لا تصلح لهذا العصر، وتضرب الصحافة في مقتل.

الإشكالية الثالثة تكمن في هيمنة النظام على الصحافة، عبر أساليب كثيرة قد لا تبدو للعيان، وهذا يفرض أحادية الفكر، وتماثل التناول في جميع الصحف الصادرة في البلد نفسه، وتغيّب الرأي الآخر، وشيوع فكر «المديح» وتلاشي النقد البناء الذي يخدم المجتمع. كما أن من شأن هذا التوجه التكتم على حالات سوء الإدارة والفساد، وتغيّب الحقائق المتعلقة بمستقبل المجتمع. وبذلك تغيب روح الجدية أو العمل الجدي للمواطن، وتعويله على حالة «الاستلاب» الإنساني والثقافي، والتلذذ بما يُنشر له لا عنه، وهذا لا يساهم في تطوير الوعي، أو تخليق جيل يؤمن بشخصيته وقدرتها على التعامل مع الأحداث، وفك الأرقام الصعبة.

الإشكالية الأخرى تتجلى في عدم فهم دور الصحافة في المجتمع، وهل هي إعلان عن السلطة؟ وهل هي بحث لحالة المجتمع ومحاولة لحل مشكلاته؟ هل هي وسيلة لخلق مجتمع على نمط معين، أي «تفصيل» مجتمع ملائم للنظام، باتجاه هدف معين، عبر وسائل معنية؟

نعم لا يوجد فهم واضح لدور الصحافة في المجتمع، وبالتالي، فإن المسالك والمعاني تتشابك وتتداخل، والناتج الأخير أقل مما يأمله القارئ.

الإشكالية الأخرى أيضاً تبدو في المقاربات المالية بين الصحافة والمعلن. ذلك أن الإعلان يقتل الرأي، وهذا مخالف لأبسط قواعد ومبادئ الصحافة! فلئن كانت هنالك ممارسة خاطئة في مؤسسة أو شركة – تخدم الجمهور العام، ولا تقوم بواجبها كما يجب – وهي تعلن في صحيفة ما، فإن هذه المؤسسة أو الشركة تفرض على الصحيفة عدم نشر السلبيات التي ترتبط بأدائها العام ! وهذا يُعتبر «ممالئة» وخروجاً على نشر الحقيقة التي يجب أن تسعى إليها أية صحيفة تحترم قرّاءها.

الإشكالية الأخرى تَدّخُل «الآخرين» في العمل الصحفي! وهذا يحرم فئات عديدة من إبداء آرائها والاستفادة من أفكارها في عملية التنمية وخدمة المجتمع. وهكذا نلاحظ أن أزمات الصحافة في العالم المتطور اقتصادية في المقام الأول، أما أزمات الصحافة في العالم العربي فيتركز جُلها في: التدخل، الرقابة، سطوة الإعلان، المزاجية، الانحياز، اقصاء الرأي المخالف. وكل هذه المؤشرات لا تؤهل الصحافة لأن تقترب من الصحافة الحرة.

المصدر: الاتحاد