أعداء الجمال

آراء

تمشي في الليل، وبعد أن تخفف الساريات على الأسفلت من وطئها، وتعيش حالة متفردة وأنت تقرأ قصيدة النهار على وجنات مدينة، أصبحت الوجود، مثل عين في طرفها حور، مثل أنف عازل الظل، مثل روح لها في الشفافية رونق أحلام الطفولة.

تسير في الليل تصحبك ابتسامتك مثل ظلك، وما إن تصطدم بعقبة، أو فخ نصبه عدو لدود للجمال حتى تشعر بالخذلان، وتحس أنك وقعت في مصيدة من لا يعرف في الحياة شيئاً اسمه الجمال.

ماذا تفعل؟ كيف تتصرف، ومن تلوم، فالجاني مجهول، أو هو هكذا ارتكب جريمته، وتوارى خلف الجدران، ولم يبن له أثر.

إذن كيف تعالج معضلة كهذه، يرتكبها أشخاص، جمدوا الضمير في صقيع الجاهلية الأولى، وحشدوا جل قوى عقد النقص، وجندوها، لكي تتفشى في المكان مثل الجائحة.

هؤلاء أشخاص تبنوا منذ نعومة أظفارهم فكرة أنه أنا ومن بعدي الطوفان، فلا يهمهم ما يسببونه من أضرار فادحة في حق الغير، وما يرتكبونه ضد جمال المكان الذي يعيشون فيه، لأنهم لا ينتمون إلا لأنفسهم، وما عدا ذلك فلا علاقة لهم به، الأمر الذي يجعلهم في كل مكان يحلون فيه يجعلونه مكباً لنفاياتهم، وأما المدينة التي بذلت من أجلها الحكومة المبالغ الطائلة، فهي لا تعنيهم لا من قريب، ولا من بعيد، ولهذا نجد على الأرصفة التي تجاور بعض البيوت، تجمعات لحيوانات ضالة، تقطف من ثمار ما قذفت به الأيدي العابثة وما تركت من مكبات الزبالة، فقط مثل حراس يحرسون ما حولهم من فوضى، وعبثية أعداء الجمال.

أقول وبمرارة، إن بلادنا نظيفة، فقط بحاجة إلى بعض البشر الذين ينظفون عقولهم من الأفكار العدمية، ومن مشاعر اللا مبالاة.

نحن بحاجة إلى بشر يحترمون المكان الذي يعيشون فيه، ويساعدون عمال النظافة المساكين، والذين انحنت ظهورهم، وتقطعت أوصالهم تعباً وهم يلمون بقايا ما لفظته أيدي البلهاء، والأنانيين.

عمال النظافة في الليل والنهار تجدهم عاكفين على مكانس الأيدي، تلفحهم برودة الأيام الشتوية، ولكنهم يشعرون بالفخر وهم يقلمون أظافر القذارة من شوارع بلد أكرمهم، وأعز شأنهم، ولكنهم، لا يدخرون وسعاً في الاشمئزاز من كائنات بشرية تحولت إلى شياطين الليل، تختبئ خلف الحجب، وتندس بين العربات المصفوفة في المواقف، وينتظر هؤلاء متى يخف الزحام، فيهاجمون الأرصفة، ويلقون بسمومهم على الأرصفة وحتى الجزر المزروعة بالأخضر اليانع لا تسلم من شرور هؤلاء، لأنهم لا يميزون بين الأخضر، والرمادي في حياتهم، بالمختصر هؤلاء يعانون من عمى الألوان، الأمر الذي يجعلهم لا يميزون أيضاً بين الجميل، والقبيح.

فيا حبذا لو ينهض القانون الصارم في وجوههم، ليلقوا العقاب الذي يستحقونه، لأن الإمارات تستحق الدفاع عن جمالها، وحسن خصال بديعها.

الإمارات تستحق أن نضعها بين الرمش والرمش، كي لا تلمسها أيادي العبث.

المصدر: الاتحاد