نجيب الزامل
نجيب الزامل
كاتب سعودي

أيها الطبيب .. ألم تجف قناة دمعك؟

آراء

أحضرت عائلة سورية طفلتها الصغيرة المريضة للعلاج السريع في غرفة ضيقة رطبة بها معدات علاجية في منتهى البدائية، وطبيب مقيم. بذل الطبيب الشاب كل جهده لإنقاذ الطفلة الصغيرة، لكن سرعان ما توقف نبضها وفارقت الحياة، ليمسح الطبيب دمعات، طالما ذرفها مرات عدة في اليوم منذ أكثر من سنتين. لقد بذل الطبيب الشاب كل ما في وسعه، وبقي مع الطفلة، لم ينم لمدة 24 ساعة.. حتى فرت روحها بين يديه. ليس ضعفا في أداء الطبيب، وليس صعوبة في حالة المريضة، بل ببساطة لندرة أقل وسائل العلاج وأكثرها بدائية.

هذا الطبيب يسجل أعداد ضحايا آخرين. الطفلة الصغيرة لم تمت بسبب الحرب مباشرة، بجرح أو إصابة، بل بمرض زحار صدري استفحل بدون علاج، بينما أقل قنينة أو حبوب مضاد حيوي كان سيحل المشكلة أو يخفف منها. ولم تنفع مآقي الطبيب النازفة دمعا.

في سورية حربان. حرب واضحة، هي تلك التي تقذف فيها الدبابات والطيارات والبراميل المشتعلة نيرانها، والذبح اليدوي المباشر، والتعذيب المفضي للموت. والحرب الأخرى، خفية أوسع وأعمق، فإن كانت الحرب الظاهرة ستحصد عدد 200 ألف قتيل، فإن هذه الحرب الخفية قد ترفع العدد أكثر من ثلاثمائة ألف. أي أنها لا تقل فتكا عن الحرب النارية الظاهرة.

بل هناك أسوأ.

الأطفال الصغار يموتون في حاضناتهم بأعداد كبيرة في مستشفيات خالية العدة والعتاد داخل المدن السورية المحاصرة، بل حتى في دمشق العاصمة، بسبب انقطاع الكهرباء. وأعداد هائلة من الأطفال تلتهب أطرافهم، ولعدم وجود العلاج والمضادات الحيوية تتحول غرغرينا سامة، فيكون لا حل إلا البتر أو الموت. والموت أسهل خيارا من البتر .. لماذا؟ لعدم وجود مخدر في المستشفيات، يُعمَد لقضبان حديدية يضرب بها المريض ليغمى عليه لكيلا يشعر بآلام النشر والقطع في عملية البتر. وأعفيكم عن بقية ما ذكرته وسجلته منظمة “أنقذوا الأطفال Save The Children”.

كثيرون تشردوا داخل الديار السورية، ويعتقد أن عدد مشردي الداخل قارب أو فاق العشرة ملايين ببعض التقارير، تصوروا أن أمة كاملة لا تصلها أي خدمات طبية معتدلة، وبعضها منقطع تماما عن أي خدمة طبية، وسواء كان لدى بعضهم مستوصف أو مستشفى فهم تقريبا يتساوون في المأساة والوجع والألم الفظيع والموت مع الذين ليس لديهم مستوصف أو مستشفى قريب لأن المستشفيات والمستوصفات خالية من الأدوية، فضلا عن المعدات. شعب كامل بالملايين إما مريض وإما جائع، أو مرشح للجوع الفائق والمرض الشديد.. ومع الأسف العميق، الموت!

إن ما يحتاج إليه الشعب السوري الآن قبل الأدوية وقبل العلاج هو إيقاف الحرب.. وهنا لا بد من تدخل القوة الدولية، سمعنا عن البوليس الدولي وعندما يصل للحالة السورية يقف، سمعنا عن الخطب النارية والاعتراض الشديد، وعند التطبيق العملي تتباطأ الإجراءات حتى تحتاج بذاتها إلى تدخل علاجي سريع.

وإني أعرف أن قوة ضغطنا كمجموعة عربية من خلال الجامعة العربية ومجلس التعاون ومحاولة كل دولة بمفردها ضعيفة قياسا للقوة العالمية صاحبة القرار المؤثر، أمريكا بمفردها من الممكن جدا أن تأخذ قرارا حاسما نهائيا لو أرادت.

إذن لم يبق إلا نحن.. فهذه ظروف تجعل الضعفاء من أقوى الأقوياء متى صدق الشعور بظرف أهلنا في سورية والنية في الشجاعة بالعمل في إنقاذهم مهما كان الثمن، وإلا الثمن قد يكون أغلى بتسرب جدول الموت من سورية.. لخارجها!

المصدر: الاقتصادية