عبدالوهاب بدرخان
عبدالوهاب بدرخان
كاتب ومحلل سياسي- لندن

إرهابيون لمكافحة الإرهاب!

آراء

يُلاحَظ حالياً، في سياق الحدث السوري، وجود دفع دولي وإقليمي نحو بلورة حاجة إلى «حرب على الإرهاب» جديدة بات مسرحها واضح المعالم، على امتداد سوريا والعراق، مع جهد يُبذل لأن يشمل لبنان. هذه المرّة لا تريد الأطراف الدولية التدخل مباشرة، ولن ترسل قوات إلى الأرض المشتعلة، لكنها تبدي كل الاستعداد لأي مساهمة بالتدريب والتسليح والخبرات، فضلاً عن الطائرات بلا طيارين.

من هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة إلى حرب أفغانستان ثم حرب العراق، كان للإرهاب شأن وأصبح له شأن آخر، دُفع من مكان ليستقرّ في آخر، أُخرج من وكر فتوارى في أوكار كثيرة، تغيّر دوره، تبدّلت أساليبه، ضعف وتقهقر، ثم عاد وتمادى، يقال تارةً إن العالم صار أكثر أمناً ليقال تارةً أخرى إن الأمن والأمان مؤجّلان، وإن الإرهاب ظاهرة يصعب للأسف ضبطها والإجهاز عليها.

في التسعينيات ثم في العقد الأخير، كانت السعودية ومعظم دول الخليج الأكثر استهدافاً من جماعات الإرهاب وتنظيماته، وقد تكبّدت تكلفات هائلة لمواجهتها ولا تزال تعيش في هاجس المخاطر التي أمكن تقليصها مصرياً واحتواؤها خليجياً فانكفأت إلى اليمن، لكنها تفجّرت مجدداً في مصر بعد عزل الرئيس الآتي من صفوف جماعة «الإخوان المسلمين» وزوال حكمه.
غير أن العراق وسوريا يشكّلان راهناً بؤرتين كبيرتين مفتوحتين لإرهاب متجذّر وقادر على تجديد نفسه. لم يكن سرّاً أن سوريا وإيران استغلّتا الاحتلال الأميركي لتسهيل انسلال تنظيم «القاعدة» إلى العراق وانزراعه فيه، وأمكن للأميركيين أن يطّلعوا عن كثب على دور هاتين الدولتين بل أنذروهما ثم وجدوا سبيلاً لتهادن مضطرب مع الإيرانيين في العراق، من دون أن يتوصلوا إلى وضع مماثل مع سوريا. ورغم مراقبتها القريبة لتطوّر الأوضاع، تحجم واشنطن وعواصم غربية أخرى، فضلاً عن موسكو، وحتى إسرائيل، ولأسباب غير مفهومة، عن تسليط الضوء على دور هذين النظامين في إنضاج حالة الإرهاب المتفاقمة وتوجيهها ضد المعارضة السورية. فحتّى في المحادثات الثنائية، لا يبدي الأميركيون والروس الأهمية الموضوعية المتوقعة للاعتراف بالحقائق على الأرض، بل يميلون إلى استغلالها في ما يخدم مصالحهم.

هذا الصمت المريب من جانب دول تشير جميعاً، وبشكل يومي، إلى خطر الإرهاب، وتتشارك في الدعوة إلى محاربته، هيّأ للنظامين الإيراني والسوري ظروف الادعاء بأنهما يخوضان في سوريا حرباً على الإرهاب وليس انتفاضة شعبية على نظام دمشق. بل إنهما طوّرا خطابهما بالتركيز على «التكفيريين»، وفي افتتاح مؤتمر «جنيف2» في مدينة مونترو السويسرية، تحدّث رئيس وفد النظام عمن سماهم «الوهابيين» أيضاً. كانت حربهما في البداية ضدّ الشعب السوري، ثم عمّداها حرباً ضدّ «مؤامرة على نهج المقاومة والممانعة»، ولما تأكدا أن أحداً لا يصدّق مثل هذا الادعاء، ها هما يمحضانها هدفاً نبيلا ويحاولان وضعها في السياق العالمي للحرب على الإرهاب، لكن انطلاقاً من «مفهوم» مختلف يزجّ بـ«القاعدة» والدول الداعمة للمعارضة، بما فيها السعودية والولايات المتحدة وتركيا وفرنسا، في سلّة واحدة. وهكذا فإن العقل السياسي الذي حاك «المؤامرة الكونية» على النظام السوري وصدّقها، يأمل في أن ينضمّ العالم إليه في محاربته للإرهاب، لمجرّد أنه رتّب له الأوضاع الميدانية بحيث تنطلي عليه الخدعة.

يظن هذان النظامان أن محو بعض مناطق المعارضة السورية وتسويتها بالأرض، وأن غياب الكهرباء عن المناطق الأخرى، يمكّنهما من حجب الحقائق لتقديم توليفة ملفقة ومتذاكية إلى العالم المتأهب دائماً لتصديق أي شيء عن «القاعدة» وأخواتها. وليس مستبعداً أن يُؤخذ ببعض مما في هذه التوليفة، سواء في المساومات الأميركية مع إيران وروسيا أو في اعتبار أنه في نهاية المطاف تبقى ثمة حاجة إلى تعاون النظام السوري في أي محاربة للإرهاب. غير أن الأميركيين وسواهم مضطرون لأن يأخذوا في الاعتبار بعداً بالغ الأهمية لهذه التوليفة وهو أن المنطلق المذهبي الموتور لأصحابها يريد توظيف الحرب على الإرهاب في ترجيح فئة مسلمة ضد أخرى. وهذه وصفة لا تقضي على الإرهاب بل تكرّسه لأمد طويل، ولا تعوّق التوصل إلى حل سياسي في سوريا، بل تقترح عملياً إبقاء النظام ومكافأته على كل جرائمه.

المصدر: الاتحاد