إيران وحسن الجوار الخليجي

آراء

«ومن دون شك، فإن طهران ستتعاون مع هذه الدول أيضا لتأمين المصالح الإيرانية قصيرة المدى وطويلة المدى، بنظرة واقعية ناتجة عن حسن الجوار ووضع مبادئ الشريعة الإسلامية والواقع الدولي في الاعتبار».

ما أجمل هذه العبارة التي ختمتها دراسة مقدمة من مركز بحوث البرلمان بعنوان «سفر وزير الخارجية إلى دول الخليج: الأبعاد والتداعيات»، نشرت في وكالة أنباء «فارس» الإيرانية! فالمصالح التي يسعى النظام الإيراني لتحقيقها حق مشروع لا يختلف عليه أحد، والنظرة الواقعية المبنية على حسن الجوار ومبادئ الشريعة الإسلامية، تطرب لها الأذن الخليجية التي لا تفتأ قيادات وشعوب الخليج العربي تؤكدها.

ويا ليت تلك الروح الإيجابية التي جاءت مع خاتمة هذه الدراسة انتشرت إيجابيتها على بقية تلك الدراسة.

القارئ يتساءل: كيف هي إذن الروح التي عمت تلك الدراسة؟

الإجابة في السطور القادمة:

بداية، تنتشر في إيران الكثير من المراكز البحثية؛ فمنها مراكز البحوث الخاصة، ومنها ما يكون ذا صلة مباشرة بالمؤسسات الحكومية للنظام الإيراني. فهناك مركز البحوث التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وهناك مراكز بحوث تابعة لـ«الحرس الثوري» وغيرها مما يسير على هذه الشاكلة.

يأتي مركز البحوث التابع لمجلس الشورى الإسلامي في إيران (البرلمان) بوصفه أحد المراكز المهمة الذي يغذي البرلمان وغيره من مؤسسات النظام في إيران بالبحوث والدراسات التي تساعد على عملية صنع القرار.

ونأتي هنا للإجابة عن تساؤل القارئ، وذلك عن طريق طرح أهم النقاط التي جاءت في تلك الدراسة.

ترى الدراسة أن السياسة الخارجية لإيران تعطي للعلاقة مع العالم الإسلامي، وخصوصا دول الجوار المسلمة، أولوية خاصة، وهو ما سيؤدي إلى تحرك ملحوظ من قبل حكومة روحاني على المستوى الإقليمي والعلاقات مع الجيران. وكانت زيارات ظريف لبعض عواصم دول الخليج مؤشرا على هذا التوجه.

هذه النقاط الإيجابية قابلها في هذه الدراسة طرح لرؤى تسير باتجاه مغاير عن تلك التطلعات وحسن الجوار، بل إنها للأسف قد تأتي بوصفها معرقلة لتوجهات الحكومة الإيرانية برئاسة روحاني.

فالسعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين سعت – كما ترى هذه الدراسة – لإفشال الاتفاق المبرم بين إيران ومجموعة دول «5+1» فيما يتعلق ببرنامجها النووي. ويتساءل القارئ هنا: هل هذا الأمر صحيح؟ يكفي أن نتصفح البيانات الختامية لكل قمم مجلس التعاون الخليجي والاجتماعات الوزارية لوزراء خارجية مجلس التعاون لنرى ما إذا كانت دول الخليج مرحبة أم رافضة لذلك الاتفاق المبرم حول برنامج إيران النووي.

تعود الدراسة من جديد لتشير إلى أن لدول الخليج، وبسبب علاقاتها التاريخية والثقافية والسياسية، مكانة خاصة في الدبلوماسية الإقليمية لإيران، وأن توجه إيران إزاء هذه الدول توجه إيجابي وعلى هذه الدول قبول سياسة الباب الإيراني المفتوح وعليها قبول طهران من أجل الوصول إلى تحقيق الأمن الاستراتيجي لمنطقة الخليج.

هذه المكانة الخاصة لدول الخليج في الدبلوماسية الإقليمية لإيران وقبول طهران وسياسة الباب المفتوح التي تتحدث عنها الدراسة، سبقتها نقاط لوصف أسلوب تعاون دول الخليج مع إيران تمثلت في التالي:

1- لدول الخليج تحديات رئيسة في المنطقة مع محور المقاومة.

2- خلافات هذه الدول مع إيران يمكن مشاهدتها في منطقة الشرق الأوسط وباكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى، وبشكل أوسع في إطار المنافسات السياسية على مستوى العالم الإسلامي، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على إيران.

3- لم تنجح هذه الدول أمام إيران في العراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، واليمن، وحتى البحرين، وأدركت جيدا أنه سيكون لإيران المزيد من التأثير على هذه الملفات بعد اتفاق جنيف، ومع تنمية علاقاتها مع القوى العظمى على مستوى العالم.

4- لدول مثل الإمارات والسعودية، بالإضافة إلى قطر والبحرين، أنشطة كثيرة معارضة لإيران في المنطقة.

5- وصلت هذه الأنشطة إلى حد تشكيل وتوجيه ومساعدة بعض الجماعات الإرهابية المسلحة.

6- ارتبطت هذه الدول بعلاقات وثيقة بالولايات المتحدة.

7- تعتبر هذه الدول التقارب المحتمل بين طهران وواشنطن في غير صالحها.

8- ستعترف أميركا بعد ثلاثة عقود من العداوة مع إيران بهذه الأخيرة رسميا، وستتعاون معها لحل بعض الملفات المهمة، هذا الأمر سيؤدي – كما ترى الدراسة – إلى إفراغ مفاهيم من قبيل «الخوف من إيران» و«الخوف من الشيعة» الذي تسوق له دول الخليج من محتواه وستصبح بلا قيمة أمام الرأي العام، ومن ثم ستواجه شعوبها واقعا ملموسا أكثر حول التطورات والمشاكل الدولية.

إنني أتساءل بعد كل هذا: كيف هي الصورة التي يراها النظام الإيراني في قبول دول الخليج لسياسته المفتوحة، في ظل المخيلة الإيرانية التي تغوص فيها الكثير من الشكوك من نوايا دول الخليج تجاهها.

وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف يتوجه إلى عواصم دول الخليج مستثنيا بعضها. ملك البحرين يهنئ الرئيس الإيراني بالعيد الوطني، ليأتي مرشد الثورة الإيراني مستقبلا وفدا من المعارضة البحرينية ويدعوهم للصمود، واصفا إياهم بالأقوياء. يأتي ممثل المرشد في «الحرس الثوري» علي سعيدي ليقول إن تغيير ميزان القوى في البحرين سيؤدي إلى تغير ميزان القوى في المنطقة، وإن الشعب البحريني الثوري عانى الكثير في ثورته وما زال يواصل طريقه بثبات.

إن مثل هذه التصريحات للأسف لن تسوق المنطقة سوى إلى مزيد من التشظي، وأن واجب إيران بوصفها قوة إقليمية، ممارسة الخطوات الإيجابية، تتجلى في تصريحات تدفع بهذا الاتجاه، وليس مثل تلك التصريحات التي أسلفنا الإشارة إليها.

سياسة الباب المفتوح التي تدعو لها هذه الدراسة القادمة من مركز بحوث البرلمان، سبقها كثير من التصريحات الإيجابية من دول الخليج العربي باتجاه إيران والساعية إلى خلق بيئة سياسية وأمنية مستقرة في المنطقة.

إن احترام مصالح جميع الأطراف، ولا شك إيران بوصفها إحدى القوى الإقليمية وليس الوحيدة المؤثرة في المنطقة، وضرورة الوصول إلى تفاهمات بين القوى الإقليمية والاعتراف بدورها الإيجابي – ونؤكد هنا الدور الإيجابي – سيدفع بدوره إلى خلق تلك البيئة الصحية في المنطقة.

ويبقى التحرك الإيجابي للنظام الإيراني بأسره، وليس فقط الحكومة باتجاه دول الخليج، وردم فجوة التباين في القراءات بين إيران ودول الخليج العربي، أهم الوسائل التي من شأنها تحقيق الاستقرار في المنطقة.

ويا من ما زلت متشككا في الفرق بين مفهوم الحكومة والنظام الإيراني، إليك ما قاله هاشمي رفسنجاني حين سئل حول ما يمكن أن يقوم به لتحسين العلاقات بين طهران والرياض واحتمال زيارته للمملكة قال: «هذا الأمر هو من صلاحيات القيادة الإيرانية، ويندرج ضمن أطر السياسة العامة للنظام وبعد ذلك الحكومة. فيجب أولا وضع مخطط لمثل هذه المحادثات ومن ثم تحديد الخطوط الحمراء، لكي يعلم المفاوضون ما يجب عليهم القيام به».

ويبقى الوضع مجرد أمنيات حتى تتحرك مجرة النظام الإيراني بأسرها في هذا الاتجاه.

المصدر: الشرق الأوسط