د. ميثاء سيف الهاملي
د. ميثاء سيف الهاملي
كاتبة و شاعرة إماراتية

اتقوا الله في قلوبهن

آراء
حين يغادرنا ٥٢ كوكباً للسماء في ليلةٍ واحدة ، ويكون قد سبقهم ثلة من اخوانهم فكيف للأرض أن لا تنتحب ؟ كيف للقلوب أن لا تتشظى ! الفقد وجعه مُزري يترك في القلب تلك الهوّة التي لا تلتئم أبداً ، إلا إن رحمة الله الواسعة تربط عليها ومع الوقت يهدأ أنين الروح ولكنه لا يختفي .
الحرب بشعة ووجهها مخيف ولكن لأنهم جُبلوا على البسالة والإقدام والكرم و ( هبة الريح ) لم تكن لتخيفهم أو تقلل من عزمهم في نصرة المظلوم وتلبية نداء الأخ والجار .
نعم هذا هو نهج زايد فكيف لا يأتي أبناؤه بهذه الصورة الرائعة من البذخ في الشهامة و( المدات الوافية ) وبذل أغلى ما يملكون ونملك ( أرواحهم الطاهرة ) .
الفاجعة كانت ولازالت فوق كل وصف وأبجدية ، فوق كل ما قد خبرناه من ألم ، ليست بالهينة علينا كل هذه الوداعات وكل هذه الدماء التي سقت أرض اليمن الشقيقة ، ولا هذه الدموع التي شهقت أسى وذُرفت وجعا .
شعب الإمارات هاديء وطيب المعشر بطبيعته وبعيد كل البعد عن الحدة والمشاحنات وهذه الصدمة لم تمر به ولم يعهد مثلها أبداً ، صدمة اهتزت لها الأرض قبل الأرواح وبكت لها حتى الشوارع ومصابيحها ، وحتى النخيل الشامخة كساها الحزن في ( يوم الجمعة الباكي ) .
ولكن ، كل ما قد قيل أو سيقال ، وما عاناه الجميع وما سيعانيه ، لا يأتي ذرة من ألم أم الشهيد ، الأم التي فقدت قطعة من جوفها وحُرمت رؤياه وحضنه ورائحته ما تبقى من عمرها ، تفخر نعم به ولكن الفقد لا يخففه أي شعور آخر ، ولا يشبه ألمه أي ألم .
وفي وسط كل هذا الكم الهائل من نواح قلوبنا ، ونشيج أرواحنا وانهيار أجساداً لفقدهم ، تصفعنا إنسانياً بعض التصرفات الغير مسؤولة من فئة يفترض أن تعي ظروف الوطن والمرحلة المهمة التي يمر بها ، وحجم المعاناة التي يجاهدها ، فالعزاء له هيبة وله قداسة في مظهر المعزي وسلوكه وحديثه ، ومن المشين أن نسعى لجذب الإهتمام من خلال أنهار الدمع ونزيد عدد متابعينا من خلال الإرتقاء على جروح الأمهات الطاهرة ، كلمة ( عيب ) لا تُشفي غليل كل من شاهد صور الإعلاميات التذكارية مع أمهات الشهداء ! وملامحهن المستفزة في تلك الصور والتي كانت أغلبهن ينقلنها بشكل مباشر لمتابعيهن في ( السناب شات ) أو غيره من مواقع التواصل الإجتماعي !!
والأكثر مدعاة للغضب لمن تابع هذه الزيارات هي صورة أمهاتنا ( الحشيمات ) بالبرقع وكامل سترها من ( شيلة وعباة ) هذا غير ملامح وهيبة الحزن العظيم الذي يكسوهن ، وهي واقفة بين وجوه لا تمت للموقف بصلة تماماً، فكيف هانت عليكن هذه الطاهرة أن تجعلن منها وسيلة لكسب عدد أكبر من المتابعين ! ألا تعلمن مدى خجل أمهاتنا الكبار من الظهور والتحافهن الدائم لزيهن الذي له هو الآخر احترامه وتقديره وعدم ارتياحهن لكشف صورهن للكل ؟ ، أم أعماكن ما يسمى شهرة وغرتكن الأعداد الهائلة من المتابعين والذين ينحصر أغلبهم في فئة الأطفال والمراهقين !!
والعجيبة ان الأغلبية من مشاهير مواقع التواصل الإجتماعي لم تُظهر أي تفاعل يذكر مع الأحداث ولم تكرس مواقعها للوقوف بجانب وطن يخوض معركة ضارية لنصرة الحق وإعادته لأهله ، فمن أين أتت كل هذه الجرأة بل ( الوقاحة ) في تسخير العزاء لمزيدٍ من الظهور !
( النار ما تحرق الا ريل واطيها ) ، ولا يمكنك الشعور بالوجع مهما وُصف لك كما يشعر به صاحبه ، وهذا ما جعل البعض يكرر لأمهات الشهداء ( افرحي ) ، و ( لازم تكونين سعيدة ) !! أي فرح في الفقد وأي سعادة في الحرمان من فلذة الأكباد ! هذه الجمل المعلبة المنبرية السخيفة مقارنةً بحجم اللوعة ، أصبحوا يرددونها بكل فكرٍ أجوف وشعور متبلد ، ألم يعوا ماذا يعني الدم الطاهر والجباه الشم التي غادرتنا ! والله وبالله وتالله ان واحدهم عندنا بحجم قبيلة ، وإنهم لنا العزوة و ( ظلة الراس ) ولا يظنون ان ( فرقا اخوان شما هينة ) لا والله ، فقد تشظت أرواحنا حزناً وفجيعة ، وبحجم هذا الوجع أتى غضبنا في وجه كل مستهتر ولا مبال بشعور وطن فقد كل هذا الكواكب وودعهم بين حزن وفخر ودعاء بالنصر والسلامة لأخوانهم على أرض الحرب .
فاتقوا الله في أمهات الشهداء
واتقوا الله في وطن ودع أغلى ما يملك
واتقوا الله في أنفسكم أيضاً .
غادرتنا هالكواكب واحتمى
كل عزٍ في سماك وفي حدودك
مفجعة فرقا البواسل إنما
جنة الفردوس مشتاقة لأسودك
يعل عينٍ أبكت ادياري عمى
ويعل قلب الغدر دكة من رعودك

(الهتلان بوست)