عبدالله بن ربيعان
عبدالله بن ربيعان
أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية

الأبعاد الاقتصادية في كلمة الملك سلمان

آراء

جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مساء أول من أمس ضافية وشاملة ومتضمنة لكل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تهم المواطن السعودي في الوقت الحالي.

ولا شك في أن توقيت الكلمة جاء في آوانه الصحيح، وفي وقت كان الجميع ينتظر تدخل الملك، ورؤية الملك، ورأي الملك في الشأن المحلي، والشأن الإقليمي والدولي.

اقتصادياً، يمكن الإشارة إلى خمس نقاط رئيسة في كلمة خادم الحرمين الشريفين كما يأتي:

أولاً: تحدث حفظه الله عن «السعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة كافة»، ولا شك في أن هذا المحور الذي يعنى بالاقتصاد الكلي السعودي، يعتبر حجر الزاوية في الطفرة الحالية. فإعادة توزيع المشاريع على خريطة الوطن أمر حيوي مهم للتنمية ولخلق فرص العمل والمتاجرة والنمو لكل منطقة سعودية. كما سيؤدي توزيع التنمية إلى التوازن بين مناطق المملكة، ووقف الهجرة الكبيرة للمناطق الثلاث الكبيرة (مكة المكرمة، الرياض، الدمام)، التي يقطنها حالياً ما يزيد على 66 في المئة من إجمالي سكان المملكة، في حين يتوزع الثلث الباقي من السكان على عشر مناطق أخرى. كما تحدث عن سعي الحكومة لتقليل آثار انخفاض النفط على التنمية، وحصرها في حدها الأدنى، وهو حديث تطمين يبعد التخوف الذي يبديه البعض من توقف المشاريع نتيجة لانخفاض أسعار النفط، بل أعلن أن «ما تمر به سوق البترول من انخفاض للأسعار له تأثير في دخل المملكة، إلا أننا سنسعى إلى الحد من تأثير ذلك على مسيرة التنمية».

ثانياً: تحدث الملك عن تنويع مصادر الدخل، وقال: «سوف نعمل على بناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل، وتنمو من خلاله المدخرات وإيجاد فرص العمل في القطاعين العام والخاص، وتشجيع المؤسسات المتوسطة والصغيرة على النمو، ودعمها لتكوين قاعدة اقتصادية متينة لشريحة كبيرة من المجتمع». وهذا يعني أن رأس الهرم في الحكومة السعودية يستشعر ويتجاوب مع ما ينادي به الاقتصاديون حول تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد الكلي على مصدر وحيد ناضب تحدد أسعاره في السوق العالمية من دون تدخل منا أو مقدرة على تغيير الأسعار إلا في أضيق الحدود. والأكيد، أن من يستعرض عائد الصادرات من العملة الصعبة يجد أن اعتمادنا على النفط كان يتزايد عاماً بعد آخر، وهو أمر يقلق الاقتصاديين كثيراً، فجاء حديث الملك عنه كوعد ملزم للجميع بتغيير هذا الوضع، والسعي إلى خلق وتنمية مصادر دخل أخرى لا تتأثر كثيراً بأزمات وأحداث العالم السياسية والاقتصادية كما هو النفط.

ثالثاً: وعد خادم الحرمين الشريفين بـ«وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن»، وهو – أي السكن – وتوفيره وارتفاع أسعاره هاجس المواطن الأول، وموضع جرحه الاقتصادي الأكثر نزفاً. فما وصلت له الأسعار لم يعد متوازياً ولا مقارباً لمعدل الدخول في البلد. كما أن جهود وزارة الإسكان ما زالت غير فاعلة في حلحلة أزمة طال أمدها، واستفحل ورمها. ولا شك في أن وعد الملك، وبما عرف عنه من حزم وعزم أثلج صدور مواطنيه، وأزاح عن كواهلهم هماً كبيراً، فـ«سلمان» إذا وعد أنجز، وإذا قال فعل.

رابعاً: جاء حديث خادم الحرمين الشريفين عن التعليم والابتعاث مبهجاً، ففي ما يخص التعليم قال: «وجهنا بتطوير التعليم من خلال التكامل بين التعليم بشقيه العام والعالي وتعزيز البنية الأساسية السليمة له بما يكفل أن تكون مخرجاته متوافقة مع خطط التنمية وسوق العمل». وبالتأكيد يتطلب تنفيذ توجيه الملك خططاً عملية من وزارة التعليم تصاغ على أيدي خبراء ومتخصصين، فالتعليم الذي يخدم الاقتصاد هو ما نحتاجه، والمخرجات التي تتوافق مع متطلبات سوق العمل هي الطريق الأول للتنمية، وتحجيم معدل البطالة الناتجة من عدم المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
ولطلبة الجامعات والمبتعثين قال: «لقد سخرت لكم دولتكم كل الإمكانات، ويسرت لكم كل السبل لتنهلوا من العلم في أرقى الجامعات في الداخل والخارج، والوطن ينتظر منكم الكثير، فعليكم أن تحرصوا على استغلال أوقاتكم في التحصيل، فأنتم استثمار المستقبل للوطن»، ولا شك في أن الابتعاث والجامعات هما مستقبل الوطن، و«سلمان» أول من يعرف ذلك ويدعمه.

خامساً: تحدث الملك عن الصحة، وهي موضوع يهم كل مواطن ومقيم على أرض المملكة، ووعد بـ«الارتقاء بالخدمات الصحية لكل المواطنين في جميع أنحاء المملكة، بحيث تكون المراكز الصحية والمستشفيات المرجعية والمتخصصة في متناول الجميع حيثما كانوا».

والأكيد أن الصحة، مثلها مثل التعليم، تحتاج لخطط وعمل كبير لترجمة ما وعد به الملك إلى واقع يلمسه ويراه المواطن. والقطاعان حازا نصيب الأسد من موازنات الأعوام العشرة الماضية، وينتظر الجميع نتاج هذا الصرف الكبير على القطاعين لينجزا رؤية الملك، التي هي رؤية جميع مواطنيه.

ختاماً، خطاب الملك كان شاملاً وجامعاً ومبهجاً لكل مواطن سعودي، إذ تطرق لكل ما يمس تسهيل أمور المواطن المعيشية، ويبقى دور الجهات الحكومية لتعكس رؤية الملك إلى واقع محسوس على أرض الواقع. وما يزيد طمأنينة المواطن بتحقيق ما وعد به مليكه هو معرفته بـ«سلمان»، فملكنا عقد العزم على الإنجاز، و«سلمان» الحزم، إذا قال فعل، وإذا وعد أوفى، فلخادم الحرمين الشريفين وفريقه كل التوفيق وخالص الدعاء.

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdullah-ibn-Rbeaan