عماد المديفر
عماد المديفر
كاتب سعودي

الدبلوماسية الشعبية .. إشكالية المصطلح ومقارنتها بالدعاية

آراء

كما ذكر فيتز باترك Fitzpatrick فإنه لا يوجد تعريف محدد معتمد عالمياً لمصطلح الدبلوماسية الشعبية Public Diplomacy، إلا أنها أقرب ما تكون إلى ما هو موضح في نموذج القوة الناعمة Soft Power لجوزيف ناي Joseph Nye، التي تقوم فكرتها في الشؤون الخارجية على أنها: “القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الجاذبية، وليس الإكراه أو الصرف والإنفاق والمكافأة المالية. وذلك عندما تجعل الآخرين يريدون ما تريد، دون الحاجة إلى أن تدفع باتجاه سياسة العصا والجزرة لتحريك الآخرين في الاتجاه الذي تريد ويحقق مصالح دولتك”. وهي بذلك اتصال ذو اتجاهين لبناء العلاقة مع الشعوب في الدولة الأخرى للدفع باتجاه تبنيها – عن قناعة – لما يحقق أهدافك وأهداف دولتك السياسية الخارجية.

ونظراً لوجود ترجمات عربية عدة للمصطلح الإنجليزي Public Diplomacy أبرزها (الدبلوماسية الشعبية) و(الدبلوماسية العامة) و(الدبلوماسية العلنية)، فقد كانت إشكالية التعريب هذه محل جدل، وقد تجنبت في مقالاتي ودراساتي استخدام (الدبلوماسية العلنية) كونه كما قال حيدر القطبي: “الأقل انتشاراً والأكثر عمومية”.

إلا أن الإشكالية الحقيقية التي واجهتني في تعريب المصطلح هي: هل أستخدم (الدبلوماسية الشعبية)؟ أم (الدبلوماسية العامة)؟ وقد كانت هذه الإشكالية محل نقاش محتدم بيني وبين بعض الأساتذة الأكاديميين المختصين في حقل العلوم السياسية، إذ ارتأوا أن الترجمة العربية الصحيحة للمصطلح – من وجهة نظرهم – هي (الدبلوماسية العامة)، إلا أن بعض الأساتذة المختصين في علوم الاتصال والإعلام ارتأوا مناسبة الأخذ بمصطلح (الدبلوماسية الشعبية) مع قولهم أيضاً بصحة استخدام مصطلح (الدبلوماسية العامة) كونها الترجمة الحرفية الصحيحة!

وهو ما حدا بي للتعمق في دراسة التعريب الأنسب لهذا المصطلح الإنجليزي، لأتوصل لنتيجة مؤداها استبعاد مصطلح (الدبلوماسية العامة) كونه يقتضي وجود دبلوماسية خاصة، ولغموض المصطلح العربي وعدم وضوحه لدى الممارسين، وهو ما أظهرته نتائج استطلاع أجريته على عينة عمدية من منسوبي وزارة الخارجية ممن لم يسبق لهم تلقي أي دورات تدريبية في هذا المجال، ويرتكز هذا الاستطلاع على تفسيرهم لما تعنيه عبارة (الدبلوماسية العامة) وكانت النتيجة أن التبس عليهم المصطلح العربي وفهموا أن المقصود منه هو الدبلوماسية في عمومها أو (الدبلوماسية بشكل عام) كقولنا (الإدارة العامة)، وعند سؤالهم عن (الدبلوماسية الشعبية) جاءت النتائج إيجابية، أقرب ما تكون للتعريف الإنجليزي لـ Public Diplomacy، وعليه فقد اعتمدتُ ترجمة المصطلح الأجنبي إلى (الدبلوماسية الشعبية) كونه يمتاز بالوضوح والدقة، فهي ممارسة دبلوماسية موجهة إلى شعوب وجماهير الدول الأخرى وليس السلطة أو مراكز صنع القرار فيها، وأن التواصل “الدبلوماسي” يقتضي وجود (سياسة) و(تفاوض) في إطار (جماعة دولية) و(علاقات دولية) ما حتم أن تكون إحدى النهايات الطرفية – على الأقل – لهذا الاتصال هو طرف ممثل لدولة، وأن تواصل الشعوب وبعضها يعد داخلا تحت مظلة هذا المصطلح متى ما كان يرمي إلى – أو يتسبب في – التأثير في السياسات والعلاقات بين الدول، وهو ما يتفق ودراسات عربية عدة أخرى تناولت المصطلح.

هذا من ناحية التعريب، أما من ناحية التطبيق، فتبرز إشكالية التفريق بين الدبلوماسية الشعبية والدعاية، وأرى أن الدبلوماسية الشعبية ليست إطلاقا دعايـة سياسية Propaganda Political كما يظن البعض، بل هي على النقيض من ذلك، مختلفة عنها تماما، ففي الوقت الذي تتم الدعاية السياسية باتجاه واحد، من المرسل (الدولة) إلى المستقبل (الجمهور الأجنبي المستهدف)، فإن الدبلوماسية الشعبية الناضجة والناجحة تسير باتجاهين متوازيين، من الدولة (وشعبها) إلى الجمهور الأجنبي، وفي الوقت ذاته، من الجمهور الأجنبي إلى الدولة (حكومة وشعبا). كما أن الدعاية تسير وفق أهداف ومصالح الدولة المصدرة لها فقط، في حين أن الدبلوماسية الشعبية تسعى لأن تأخذ في الحسبان مصالح جميع الأطراف. كما أن الدعاية قد تستخدم أساليب احتيالية رخيصة، كالكذب وتزوير الحقائق، والخداع، والنميمة، والفضائح، وغيرها من الأساليب القذرة، أما الدبلوماسية الشعبية فهي قائمة على الصدق والمصارحة والشفافية، فالمصداقية والموثوقية والقيم الإنسانية الرفيعة النبيلة يجب أن تثمن عالياً وتؤخذ في الاعتبار أثناء ممارسة العملية الدبلوماسية الشعبية. وكذلك فإن البروباجندا غالباً ما تكون قصيرة المدى، محكومة بزمان ومكان معينين، وأحداث معينة، في حين أن الدبلوماسية الشعبية بعيدة المدى، وغير محددة بزمن بذاته في الأغلب، أيضاً كما سبق الذكر فإن الدبلوماسية الشعبية قائمة على الجاذبية والقبول وتنطلق من أرضيات وقيم إنسانية مشتركة تتصف بالجمال والرقي، أما الدعاية فلا تلقي لذلك بالاً. كما أن الدبلوماسية الشعبية تساعد الدولة وشعبها على فهم الآخر ومواقف الشعوب الأجنبية، وثقافاتها، كما تسعى لأن يفهم الآخر وجهة نظر الدولة منبع العملية الدبلوماسية الشعبية (وشعبها) ومواقفهم وتصرفاتهم كما هي، من خلال فهم أكبر للسياق الذي تمت به، أما الدعاية فتسعى لتغطية العيوب والكذب وتزييف الوقائع والأحداث. باختصار فإن الدبلوماسية الشعبية صادقة، نبيلة، تسعى لتحقيق مصالح الجميع وفق أساس من العدل والتفاهم والمساواة (أو من المفترض أن تكون كذلك، أو من ظاهرها أنها كذلك) في حين أن الدعاية دنيئة مبتذلة ورخيصة.

المصدر: الإقتصادية