عماد المديفر
عماد المديفر
كاتب سعودي

«الخلافة» والكاذبون الثلاثة

آراء

تأتي هذه المقالة استكمالاً لسابقتها، في سلسلة تسرد الوقائع كما هي، حول “ماهية داعش” و”ماذا يجري في اليمن”، وتقوم فكرة هذه السلسلة على مشاركة، واندماج القارئ مع الكاتب، في عملية “عصف ذهني” للإجابة عن هذين السؤالين، مستبعداً كل ما قد يعتبر مشكوكاً في صحته، أو مبنيا على مجرد انطباعات، أو ظنون، أو تصورات مسبقة، ولينحصر دور المقالة في استعراض المثبت بالأدلة، ووضعها على الطاولة، ليتلقفها القارئ، ويقوم بعمليات التحليل، والربط، والاستنتاج، ولا سيما أننا اليوم كقراء وشباب ومجتمع، أصبحنا أكثر وعياً ونباهة، وأضحى الرهان على الوعي المجتمعي، ووعي الرأي العام، الذي يعول عليه، خصوصا لدينا في المملكة، حيث المواطن الأساس، فنحن رأس مال هذا الوطن.

وكنت قد سردت في السابق ثلاث حقائق مثبتة عن “داعش”، تمثلت في حملها للأيديولوجيا ذاتها التي تحملها “القاعدة”، ولا سيما أن قادتها الأوائل عناصر في “القاعدة”، وبايعوا زعيمها الأول، الإخواني “ابن لادن”، ثم بايعوا الإخواني العتيد “الظواهري”، الذي أنشأ أول ذراع عسكرية لتنظيم الإخوان “الجهاد الإسلامي” بعد تفكك “التنظيم الخاص” للجماعة، ثم بعد ملاحقته وعناصره، اختفى، ليظهر في أفغانستان، حيث دمج عناصره بعناصر ابن لادن، ثم ليظهر مجدداً في إيران بين عامي (1994 – 1997)، ولا يُعرف على سبيل الجزم حتى الآن سبب وجوده طيلة تلك السنوات هناك، وليعود بعدها لأفغانستان، محملاً باقتراح – وربما تعليمات – لابن لادن لتحديث “القاعدة”، ولينادوا بتوسعة أعمالهم عالمياً تحت ما سموه “الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين”وقد كان من تبعات ذلك تفجير السفارتين الأمريكيتين في (نيروبي) و(دار السلام) عام (1998).

كما تبين لنا معاً في المقالة السابقة أن “القاعدة” لم تتأسس إلا بعد تحرير كابل من الاحتلال السوفييتي، وتوقف الدعم الأمريكي والسعودي والباكستاني لـ “المجاهدين” الأفغان، هذا الدعم الذي تقره كل الأعراف والقوانين الدولية، تماماً كما تقر حق الشعب الأفغاني في مقاومة المحتل، لتحرير أراضيهم، وكان وقتها لا وجود لشيء اسمه (القاعدة) أو (طالبان) على الأرض، ما ينفي قطعاً تلك الأقوال التي تدعي أن أمريكا – أو أيا من حلفائها في حرب تحرير أفغانستان من السوفييت – كان لهم دور في تأسيس هذه المنظمة الإرهابية العالمية، وأن المؤسسين الأوائل لـ “القاعدة” التي هي “أم داعش”، ثلاثة من أبرز العناصر النشطة في تنظيم الإخوان: “عزام، ابن لادن، الظواهري” متبنين فكر الإخوان المسلمين، عبر الثلاثي “البنا، قطب، المودودي”، ناشرين له بين أوساط عناصرهم، الذي تتمحور فكرته الأساسية حول تكفير المجتمعات والدول العربية والإسلامية، والعمل على إنشاء الخلافة المزعومة على أنقاض هذه الدول.

في هذه المقالة، سأسرد حقائق أخرى، مستكملاً الترقيم، كالتالي:

الحقيقة (4): بعد تحرير أفغانستان، وتأسيس “القاعدة” كمنظمة “جهادية” – على حد زعمهم – دعا عبد الله عزام إلى أن يكون هدف التنظيم الفتي هو العمل المسلح لتحرير الأراضي الفلسطينية من الإسرائيليين، وأن تتسلل عناصر للتنظيم إلى فلسطين، وهو ما قوبل برفض قاطع من الظواهري وابن لادن، بحجة أن هذا الهدف (مبكر)، وأن المطلوب أولاً هو (تحرير الدول العربية من حكم الطغاة الموالين للغرب) للتهيئة لقيام ما يسمى “دولة الخلافة” بحسب أدبيات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، التي تأسست وجندت عناصرها ليعملوا على تحقيق هذا الهدف المزعوم، وبخاصة على أراضي أقوى قوتين عربيتين (السعودية ومصر)، بحجة أنهما “الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة في المنطقة” بزعمهم، وأن التركيز يبدأ بـ “السعودية” أو (أرض الحرمين)، و”مصر” كدولة مواجهة مع إسرائيل! لقد ظل عزام مخلصا لمبادئ هذه الجماعة، وما فتئ يروج لها طيلة سني عمله وتنقله بين سورية والأردن ومصر والسعودية وباكستان وأفغانستان، إلا أنه في لحظة “صحوة”، تراجع وصرح بأن العدو هو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وهو ما ينبغي مواجهته، وليس نشر الاحتراب الداخلي فيما بين المسلمين أنفسهم! ويبدو أن هذه اللحظات كانت حاسمة في إصدار الأوامر بالتخلص منه، فقد تأخر “عزام” في “صحوته”، وتبين له – كما تبين لكثيرين من بعده – أن دعوى العمل على “إقامة دولة الخلافة” التي تروج لها هذه الجماعة السرية الخبيثة – والأقرب ما تكون في سرية عملها وتراتيبيتها للتنظيمات “الماسونية” – تبين له أن هذه الدعوة إلى “الخلافة”، التي جرى استلالها من تراثنا الإسلامي لتكون أكثر مدعاة للإقناع، ليست سوى طعم مدروس، ليتناسب مع البنية الفكرية لكثير من المسلمين البسطاء، إنها واجهة يخدعون بها أتباعهم، وستاراً يخبئون وراءه الهدف الحقيقي الخبيث، بما يتضمنه من نشر للاقتتال والاحتراب الداخلي والفوضى في الدول العربية والإسلامية الكبرى، لتسهل السيطرة عليها وعلى شعوبها وعلى مقدراتها، وكل ذلك باسم الدين – وهو بالمناسبة مشابه حد التطابق لمشروع “الفوضى الخلاقة” الذي رددته واشنطن فيما بعد، الذي اعتمد، ولا يزال يعتمد على “التنظيم الدولي للإخوان المسلمين” في تنفيذه من قلب العالم الإسلامي – وكأنه جرى إعادة صياغته من المصدر ذاته، ومن ثم تمريره وتزيينه لصانع القرار الأمريكي – وقد رفض عزام حينها استهداف الدول العربية، ليدب الخلاف داخل تنظيم “قاعدة الجهاد”، وليتطور فيما بعد، ليتم اغتيال عزام عبر تفخيخ سيارته من قبل مقربين له.

الحقيقة (5): أن أغلبية اعتداءات تنظيم “القاعدة” الإرهابي كانت موجهة ضد بلاد الحرمين، ومهبط الوحي، وموئل أفئدة المسلمين، والراعية الأكبر لمصالحهم، المملكة العربية السعودية، أكثر من أي دولة أخرى، بل أكثر من الولايات المتحدة نفسها، كما أن العمليات التي استهدفت الولايات المتحدة في 11 / 9 لم تستهدف أمريكا وحدها، بل استهدفت في حقيقتها تخريب العلاقات بين دولة العروبة والإسلام الأولى في العالم، المملكة العربية السعودية، وأقوى دولة في العالم، الولايات المتحدة، وذلك عبر الزج بـ (15) اسما سعوديا كمنفذين لهذه العمليات الإرهابية الجبانة من أصل (19)، في حين لم يسبق لهذا التنظيم الإجرامي الخبيث القيام بأي عملية في (إسرائيل) أو في (إيران) التي يردد صباح مساء أنهم هم أعداؤه الحقيقيون!

الحقيقة (6): حين بدأت الحرب الأمريكية على القاعدة في أفغانستان عام 2001 – التي انضمت لها فيما بعد عدة دول “الإيساف” – فإن معظم عائلات قادة تنظيم القاعدة كانوا قد فروا لإيران، بتنسيق مسبق معها، بمن فيهم أبناء وبنات (أسامة بن لادن)، وصهره والمتحدث الإعلامي للتنظيم، الكويتي (سليمان أبو غيث)، والمفارقة أنهم لم يفروا إلى باكستان حيث القبائل البشتونية القريبة من طالبان، بل وجدوا في إيران الملاذ الآمن، مما يعطي دلالات واضحة، على أن علاقة القاعدة بإيران أقوى من علاقتها بـ “طالبان البشتونية”، والمضحك في الأمر أن أمريكا نسقت في حربها على القاعدة و”طالبان” مع الإيرانيين، وحلفائهم، بل أصبح اليوم رئيس أفغانستان حليف إيران المخلص (أشرف غني) الذي لا يقل ولاؤه لطهران عن المخلوع (نوري المالكي) في العراق، وسأورد لذلك مقالة مستقلة فيما بعد، وفي المقالة القادمة سأورد حقائق عن علاقة الإخوان وتنظيمها العسكري (القاعدة) بإيران، ونشأة “داعش”، ومن يقف خلفه، ولماذا انشقت عن “القاعدة” والإخوان؟ وما سر انقلاب الإخوان عليها، ثم عودتهم للدفاع عنها؟

المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/10/08/article_894354.html?utm_source=dlvr.it&utm_medium=twitter