عماد المديفر
عماد المديفر
كاتب سعودي

تحذيرات المملكة.. ومأساة «معاذ»

الأربعاء ١١ فبراير ٢٠١٥

لم أنم تلك الليلة التي شاهدت فيها "الفيلم" الموثق لعملية إحراق أخينا الضابط طيار/ معاذ الكساسبة – يرحمه الله -، ليس رعبا، فمعروف عنا نحن العرب، والمسلمين، والسعوديين خاصة، الشجاعة والإقدام، أبا عن جد، في سبيل الدين والمليك والوطن، بل لخبرتي الفنية، اتضح لي بجلاء، أن الموضوع أكبر من مجرد تنظيم إرهابي، فهذا الفيلم ذي الثلاثين دقيقة، أنتجته "داعش" باحترافية فنية عالية، وبكاميرات عالية الجودة (HD)، ومدير تصوير ضليع، ومصورين متمكنين، وفنيي إضاءة وصوت متمرسين، وقبل ذلك كله، مخرج خبير، يعرف ماذا يريد، ويمتلك حسا حرفيا عاليا، كان موجودا معهم في الميدان، وأشرف على موقع التصوير بشخصه، ولربما هو من رسم سيناريو التنفيذ الوحشي، الموغل بالسادية، إلا أنه مليء بالرمزية الخطيرة جدا، وهي رمزية مقصودة دون شك. لم يكن هذا "الفيلم" مجرد مقطع لفيديو تصوره جماعة إرهابية، أو تنظيم إرهابي، أو عناصر إرهابية مقاتلة، لعملياتها الشيطانية، حيث تتصف مثل هذه المقاطع بالارتجال والتلقائية ورداءة الجودة، بل كان "فيلما احترافيا" معدا له، وبأدق تفاصيله، بشكل جيد، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. لم تلفت نظري عمليات "المونتاج" المتقنة للفيلم – والمونتاج لمن لا يعرفه، مجموعة عمليات فنية تتم بعد التصوير، تقوم بترتيب اللقطات، ووضعها في تسلسل معين، وإدخال المؤثرات الصوتية، والجرافيكس، والمكساج لصوت المذيع، وخلفيات النشيد- كونها قد تتم من…

الدبلوماسية الرقمية .. القوة الناعمة الجديدة

الأربعاء ٠٧ يناير ٢٠١٥

تأتي هذه المقالة استكمالا لسابقتها حول "المعرفات الوهمية، والحروب الرقمية"، تلك الحروب المعنية، بالدرجة الرئيسة، بالسيطرة على العقول والقلوب، على الإنسان، كيف يفكر، وماذا يفعل، وسيفعل، أكثر من كونها حروبا لعمليات التجسس المباشر، أو التخريب للبرمجيات وخلافه، وإن كانت هذه الأخيرة داخلة ضمنها، لكن ما يعنينا في هذا المقام هو ما ركزت عليه هيلاري كلينتون في كتابها الأخير "خيارات صعبة" بوصفها لهذه الحروب الرقمية الموجهة للتحكم في الوعي الشعبي في الدول الأجنبية، وتسيير الرأي العام فيها بما يخدم الأجندة الأمريكية بأنها "دبلوماسية رقمية"! و"الدبلوماسية الرقمية" مصطلح، أصنفه بأنه دعائي للتغطية والتلطيف على الاسم الحقيقي العدائي، المرعب، والأكثر مناسبة للفعل المقصود، ألا وهو "الحرب الرقمية". وقد يسأل أحدهم: لماذا تسميها حربا، فيما تراها هيلاري أنها نوع من أنواع العمل الدبلوماسي؟! الحقيقة أن "الحرب" ليست سوى أداة من أدوات السياسة تماما كما هي "الدبلوماسية". والحرب أنواع، فهناك الحرب العسكرية المتعارف عليها – وهي بالمناسبة نوعان: حرب عسكرية عنيفة، وحرب عسكرية غير عنيفة، كالإعلان عن صفقات التسليح، والمناورات العسكرية المعلنة، والتجارب الصاروخية وخلافها-، وهناك الحروب التجارية، أو الحرب الاقتصادية، والحرب الدعائية، والحرب الأيديولوجية – وإن كان بعض الباحثين يصنفها ضمن الحرب الدعائية - وغيرها، إلا أننا في هذا القرن الحادي والعشرين أصبح لدينا نوع جديد من الحروب، يدعى بـ"الحرب الرقمية" أو الـ "Digital…

الدبلوماسية الشعبية .. القوة الناعمة

الأربعاء ٢٦ نوفمبر ٢٠١٤

يرى جان ميلسن Jan Melissen أن الدبلوماسية الشعبية كممارسة قديمة جداً قدم التاريخ إلا أن المصطلح بحد ذاته جديد، وقد ورد ذلك في مقدمة كتابه (الدبلوماسية الشعبية الجديدة: القوة الناعمة في العلاقات الدولية). وهو ما ذهب إليه مركز الولايات المتحدة للدبلوماسية الشعبية بأن حقل الدراسات الدبلوماسية الشعبية يعد حقلاً حديثاً جداً، ولذلك لا يوجد تعريف واحد متفق عليه بين الباحثين. إذ للدبلوماسية الشعبية تعريفات عديدة، جرى استعراض بعضها في مقالات سابقة. وبحكم دراستي في هذا المجال، أرى أن الدبلوماسية الشعبية – أو الدبلوماسية العامة كما هي الترجمة الحرفية لها - ما هي إلا استراتيجية عمل مستمرة ومدروسة في عملية التواصل مع الشعوب الأجنبية المستهدفة (سواء في الداخل أو الخارج) لبناء حوار تفاعلي فعال ثنائي الاتجاه يخدم صانع القرار في فهم هذه الشعوب، كما يخدمه في فهم الشعوب لسياسات بلده وقراراتها وتحركاتها على الساحة الدولية، ويسعى من خلالها للظفر بقلوبهم وعقولهم وصولاً إلى تحقيق الهدف المرجو. كما يمكن أيضا استخدام "التكنيك" ذاته لمخاطبة الجماهير الداخلية لتحقيق الأهداف الوطنية المرادة. فالدبلوماسية الشعبية (أو العامة) بحسب وكالة المعلومات الأمريكية، هي نشاط علني موجه، تقوم به الدولة سعياً إلى تعزيز المصالح الوطنية لها، من خلال الإعلام بكافة أشكاله وأنواعه، للتأثير في الجماهير، بمن فيها الجماهير الأجنبية في الدول الأخرى، وبالتالي فإنها بهذه الصورة، ومن…

«الخلافة» والكاذبون الثلاثة

الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٤

تأتي هذه المقالة استكمالاً لسابقتها، في سلسلة تسرد الوقائع كما هي، حول "ماهية داعش" و"ماذا يجري في اليمن"، وتقوم فكرة هذه السلسلة على مشاركة، واندماج القارئ مع الكاتب، في عملية "عصف ذهني" للإجابة عن هذين السؤالين، مستبعداً كل ما قد يعتبر مشكوكاً في صحته، أو مبنيا على مجرد انطباعات، أو ظنون، أو تصورات مسبقة، ولينحصر دور المقالة في استعراض المثبت بالأدلة، ووضعها على الطاولة، ليتلقفها القارئ، ويقوم بعمليات التحليل، والربط، والاستنتاج، ولا سيما أننا اليوم كقراء وشباب ومجتمع، أصبحنا أكثر وعياً ونباهة، وأضحى الرهان على الوعي المجتمعي، ووعي الرأي العام، الذي يعول عليه، خصوصا لدينا في المملكة، حيث المواطن الأساس، فنحن رأس مال هذا الوطن. وكنت قد سردت في السابق ثلاث حقائق مثبتة عن "داعش"، تمثلت في حملها للأيديولوجيا ذاتها التي تحملها "القاعدة"، ولا سيما أن قادتها الأوائل عناصر في "القاعدة"، وبايعوا زعيمها الأول، الإخواني "ابن لادن"، ثم بايعوا الإخواني العتيد "الظواهري"، الذي أنشأ أول ذراع عسكرية لتنظيم الإخوان "الجهاد الإسلامي" بعد تفكك "التنظيم الخاص" للجماعة، ثم بعد ملاحقته وعناصره، اختفى، ليظهر في أفغانستان، حيث دمج عناصره بعناصر ابن لادن، ثم ليظهر مجدداً في إيران بين عامي (1994 - 1997)، ولا يُعرف على سبيل الجزم حتى الآن سبب وجوده طيلة تلك السنوات هناك، وليعود بعدها لأفغانستان، محملاً باقتراح – وربما…

من أين أتت «داعش»؟ .. وماذا يجري في اليمن؟

الأربعاء ٠١ أكتوبر ٢٠١٤

في هذه المقالة، والتي تليها، لن أحاول الإجابة، بل أقرر جازما بأنني سأجيب، بشرح واف، وبالأدلة والوثائق والمسوغات، عن هذين السؤالين اللذين يشغلان تفكير كثير من الناس. فهذان السؤالان هما حديث المجالس الآن، بشقيهما، المجالس الملموسة الحقيقية في الجامعات، والمقاهي، ومكاتب العمل، والمناسبات، والتجمعات العائلية، أو المجالس الافتراضية عبر وسائط التواصل الاجتماعي: "من أين أتت داعش؟ .. وماذا يجري في اليمن؟" وهذا طبيعي، نتيجة للغموض المكتنف لهاتين الحالتين لدى الكثير منا، بسبب عدم تقديم الإعلام إجابة وافية، تجلي الغموض حول "ماهية داعش الإرهابية، وماذا يحدث في اليمن؟" وهو ما يستغله مباشرة دعاة تنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي، كعادتهم، فهم يعلمون أن هذا هو الوقت الأنسب لبث دعايتهم الخبيثة، ونشر سمومهم القذرة، بأساليبهم الشيطانية، لتضليل الرأي العام، وإعطائه معلومات مغلوطة، وهو ما يقومون به عادة في مثل هذه الحالات، كونهم وكطابور خامس، يسعون، بل مطلوب منهم، تحقيق أهداف العدو، المتمثلة في "نزع الثقة عن العلماء الراسخين، ووسائل الإعلام الرصينة، والمحللين السياسيين والخبراء"، وصولا إلى جعل الرأي العام مختطفا من قبلهم، وليستمع فقط لترهاتهم وتضليلاتهم، التي تريد في المحصلة "انقسام المجتمع على نفسه، وشق صفوفه، وتفتيت الأمة من الداخل، وخلق حالة من عدم الثقة بين المواطن والمواطن، وبين المواطن والمسؤول"، إلا أن الوقائع والأحداث أثبتت ــــ حتى الآن على الأقل ــــ وعي الرأي…

«الدبلوماسية الشعبية».. ماهية المصطلح وتطوره التاريخي

الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠١٤

يظن العديد من الدارسين والباحثين في حقل الدبلوماسية الشعبية، أن هذا المصطلح العلمي "Public Diplomacy" أمريكي بامتياز، نشأ مع إنشاء مركز (Murro) للدبلوماسية الشعبية في جامعة (Tufts) الأمريكية عام 1965م، وذلك حينما استخدمه إدموند قاليون (Edmund Gullion) كمفهوم جديد، بقوله إن الدبلوماسية الشعبية مفهومٌ "يتناول تأثيرات المواقف العامة في تشكيل وتنفيذ السياسات الخارجية. وهو يشمل أبعاداً من العلاقات الدولية تقع فيما وراء الدبلوماسية التقليدية، كقيام الحكومات بزراعة وغرس رأي عام في البلدان الأخرى، والتفاعلات بين الجماعات الخاصة ومصالحها في بلد مع بلد آخر، وكتابة التقارير والإبلاغ عن الشؤون الخارجية وتأثيراتها في السياسة العامة، وكذا عمليات التواصل مع هؤلاء الذين يشكل الاتصال وظيفتهم الأساسية كالدبلوماسيين، والمراسلين الأجانب، والعاملين في مجال التواصل والتبادل الثقافي". لكن نيكولاس كول "Nicholas J. Cull" في دراسته التي تناولت مصطلح الدبلوماسية الشعبية قبل قاليون "Gullion"، أظهر أن أول استخدام لمصطلح "الدبلوماسية الشعبية" لم يكن أمريكياً على الإطلاق بل بريطاني، ففي 15 يناير عام 1856م ورد ذكر الدبلوماسية الشعبية في مقالة صحيفة التايمز اللندنية الافتتاحية تنتقد فيها مواقف الرئيس فرانكلين بيرس Franklin Pierce، وتتحدث عن القدوة الحسنة والصورة النمطية، والتعامل الجيد مع الشعوب، كما جاء أول استخدام أمريكي لهذا المصطلح عبر ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز في يناير 1871م عن تقرير للكونجرس عرضه صمويل كوكس "Samuel Cox" المنتمي…

الدبلوماسية الشعبية .. إشكالية المصطلح ومقارنتها بالدعاية

الأربعاء ٢٨ مايو ٢٠١٤

كما ذكر فيتز باترك Fitzpatrick فإنه لا يوجد تعريف محدد معتمد عالمياً لمصطلح الدبلوماسية الشعبية Public Diplomacy، إلا أنها أقرب ما تكون إلى ما هو موضح في نموذج القوة الناعمة Soft Power لجوزيف ناي Joseph Nye، التي تقوم فكرتها في الشؤون الخارجية على أنها: "القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الجاذبية، وليس الإكراه أو الصرف والإنفاق والمكافأة المالية. وذلك عندما تجعل الآخرين يريدون ما تريد، دون الحاجة إلى أن تدفع باتجاه سياسة العصا والجزرة لتحريك الآخرين في الاتجاه الذي تريد ويحقق مصالح دولتك". وهي بذلك اتصال ذو اتجاهين لبناء العلاقة مع الشعوب في الدولة الأخرى للدفع باتجاه تبنيها - عن قناعة - لما يحقق أهدافك وأهداف دولتك السياسية الخارجية. ونظراً لوجود ترجمات عربية عدة للمصطلح الإنجليزي Public Diplomacy أبرزها (الدبلوماسية الشعبية) و(الدبلوماسية العامة) و(الدبلوماسية العلنية)، فقد كانت إشكالية التعريب هذه محل جدل، وقد تجنبت في مقالاتي ودراساتي استخدام (الدبلوماسية العلنية) كونه كما قال حيدر القطبي: "الأقل انتشاراً والأكثر عمومية". إلا أن الإشكالية الحقيقية التي واجهتني في تعريب المصطلح هي: هل أستخدم (الدبلوماسية الشعبية)؟ أم (الدبلوماسية العامة)؟ وقد كانت هذه الإشكالية محل نقاش محتدم بيني وبين بعض الأساتذة الأكاديميين المختصين في حقل العلوم السياسية، إذ ارتأوا أن الترجمة العربية الصحيحة للمصطلح - من وجهة نظرهم - هي (الدبلوماسية العامة)،…

الدبلوماسية الشعبية .. لماذا؟

الأربعاء ٢١ مايو ٢٠١٤

أضحت الدبلوماسية الشعبية Public Diplomacy في الآونة الأخيرة، من أبرز القضايا العلمية التي يجري تداولها والنقاش حولها في مجال الاتصال السياسي، إن لم تكن أبرزها على الإطلاق في هذا القرن الميلادي (الحادي والعشرين) الموسوم بالمعلوماتية، حيث تصاعد الاهتمام بها وتبلورت فكرتها منذ أواخر القرن الماضي، ثم ما لبثت أن تبوأت مكانة عالية لدى أبرز الجامعات والمعاهد العلمية الدولية المتخصصة، بل حتى لدى الحكومات في الدول المتقدمة علمياً وعسكرياً وصناعياً، وأمست، بلا مبالغة، الشغل الشاغل لها. إذ أُنشئت عدة مدارس ومعاهد وأقسام علمية أكاديمية متخصصة في حقل الدبلوماسية الشعبية (أو الدبلوماسية العامة) لدى أعرق الجامعات الأمريكية والأوروبية. أما على صعيد الحكومات فقد أنشأت بعض الدول المتقدمة أقساماً وإدارات عامة داخل عدد من الوزارات المعنية، بل أنشأ بعضها مراكز ومديريات عامة، وصولاً إلى وزارة أو وكالة متخصصة قائمة بذاتها، وخصصت لها الميزانيات المالية الضخمة والمستقلة، وربطتها برأس الهرم في الدولة وبمراكز البيانات والمعلومات فيها، لتقديم الدعم اللازم في مراحل عمليات صنع القرارات في السياسة الخارجية، وتنفيذها، كوكالة المعلومات الأمريكية، على سبيل المثال، المتخصصة في ممارسة العمليات الدبلوماسية الشعبية الأمريكية، التي تم إنشاؤها عام 1953 بقرار من الرئيس الأمريكي أيزنهاور تحت اسم هيئة خدمات المعلومات الأمريكية U.S.Information Services، ثم قام الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بتغيير اسمها عام 1978 إلى هيئة الاتصال الدولي International…