مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

“الرقة” تحت الضوء والنار

آراء

عادت مدينة الرقة السورية إلى الأضواء خلال فترة الاحتلال “الداعشي”، وتخطى الأمر ذلك لتصبح أحداثها خبرا عالميا خلال اليومين الماضيين، بعد قصف مواقع تنظيم “داعش” فيها من قبل القوات المتحالفة ضده.

وعلى الرغم مما عانته المدينة من إهمال طوال العقود الماضية، إلا أنها لم تكن هامشية عبر تاريخها، وقد يكون لوقوعها على ضفة نهر الفرات دور كبير في تاريخها الضخم، ففيها اكتشف أقدم مسكن بناه الإنسان في تل مريبط، ويعود إلى الألف العاشر قبل الميلاد، وفيها ازدهرت مملكة توتول مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وقد ظهرت معالمها في تل البيعة قبل نحو ثلاثين عاما.

أما الرقة الأحدث فقد أنشئت قبل الميلاد بقرنين ونصف القرن، وعرفت باسمها الحالي مع الفتوحات الإسلامية في العام 639 م، ومعنى الرقة في اللغة: “كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء أيام المد ثم ينضب”، ومن أهم الأحداث التاريخية التي عرفتها الرقة معركة “صفين” التي وقعت قربها.

ازدهرت الرقة مجددا منذ العام 772م، حين أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ببناء عاصمة صيفية للخلافة بجانبها، فكان أن أنشئت الرافقة على شكل حدوة حصان، بشكل يقارب المخطط الهندسي والنمط المعماري لمدينة بغداد، ثم تداخلت الرافقة بالرقة لتصبحا مدينة واحدة. ولعل الشهرة الأكبر نالتها المدينة أثناء فترة حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي اتخذها عاصمة للدولة بين عامي 796 و808م. وبوجوده تحولت المدينة إلى معقل للعلم والفكر والثقافة والأدب واستمرت على المنوال ذاته فترة من الزمن، ومن أشهر علمائها آنذاك الفلكي أبو عبدالله محمد بن جابر بن سنان البتاني الملقب “بطليموس العرب”.

دمرت الرقة على يد المغول في العام 1258، وظلت مهجورة عدة قرون، ثم أعاد الناس بناء حضارتها من جديد لتستمر في النمو التدريجي، وخضعت كغيرها للاحتلال العثماني، ثم الفرنسي، لكن التاريخ يشهد أنها آخر جزء من الوطن العربي تمكن الفرنسيون من احتلاله نتيجة المقاومة العنيفة من قبل أهلها الذين استقلوا بدولتهم عن حكومتي دمشق وحلب عامي 1920 و1921 تحت قيادة حاكم بن مهيد شيخ الفدعان من قبيلة عنزة، تلك الدولة التي أطلق عليها أديب الرقة الأشهر الراحل الدكتور عبدالسلام العجيلي اسم “الدولة المجهولة” ووثقها في كتابه “أحاديث العشيات”.

لم تعد الرقة مجهولة اليوم، فقد باتت أشهر من نار على علم، غير أنها نار تكوي الباقين من أهلها وسط الخراب بعد أن تهجر معظمهم.

المصدر: الوطن أون لاين

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23155