د.منصور أنور حبيب
د.منصور أنور حبيب
اختصاصي طب الاسرة والصحة المهنية

الضغوط النفسية المرتبطة بالعمل

آراء

يتعرض الكثير من العاملين إن لم يكن جميعهم في شتى الوظائف إلى الضغط النفسي أثناء إنجازهم للأعمال المطلوبة منهم. وقد بينت الدراسات العلمية فائدة وجود قدر من هذا الضغط لدفع العامل إلى الإبداع والجد وتنفيذ المهام الموكلة إليه. ولكن ماذا عن ضغط العمل الزائد عن الحاجة؟ وهل هو مفيد أم أنه قد يعرض الشخص إلى مضاعفات غير مرغوب فيها؟ وما هي أسباب هذا الضغط الزائد؟

في عام 1979، توصل العالم كاراساك إلى نظرية أثبتتها الكثير من الدراسات العلمية، وهي أن من أكثر الوظائف التي يتعرض العاملون فيها إلى الضغط النفسي العالي، هي الوظائف ذات السيطرة القليلة والطلب الكثيرمثل العاملين في خدمة العملاء، ومحاسبي الكاشير في الجمعيات والمحلات، وغيرهم ممن يطلب منهم الكثير، ولكنهم لا يمتلكون القدرة على اتخاذ القرار في حينه والسيطرة على الموقف.

هذه الفئة معرضة أكثر من غيرها للضغط النفسي العالي أثناء العمل، وما يتبعه من ترجمة هذا الضغط إلى أعراض وأمراض جسدية ونفسية واجتماعية، من أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب والإدمان، ومحاولات الانتحار وزيادة الخلافات العائلية وزيادة الإصابات نتيجة قلة التركيز. إضافة إلى ذلك،  ذكرت بعض الدراسات قابلية المعرضين للضغط النفسي العالي المرتبط بالعمل، الى الإصابة ببعض انواع السرطانات.

وهناك فئة اخرى تتزايد لديهم الضغوط من دون أن يشعروا بذلك، وهم مدمنو العمل وبالأخص المدراء والرؤساء التنفيذيين. هؤلاء، نتيجة لزيادة المسؤوليات وأعباء العمل عليهم، لا يستطيعون التفكير في غير العمل لدرجة الإدمان.

اذاً، هل نتوقف عن العمل؟ أو نقلل ساعات الدوام؟ النقاش الدائم يدور حول نوعية العمل وليس كميته. ولكن إذا استطاع أحدنا إنجاز المطلوب منه خلال ساعتين فهل يرجع الى المنزل؟ آخر الدراسات العلمية أثبتت أن العمل مفيد للصحة، إذ يجب أن يكون هناك حد أدنى من ساعات العمل، بالإضافة الى تناسب طبيعة العمل مع تخصص الموظف، للوصول الى نتائج إيجابية وتجنب تولد الضغط النفسي المضر.

هناك وسائل وأساليب عديدة لتجنب الوصول إلى نقطة الانكسار، ومن بينها طبيعة العلاقة بين المدير والموظف. فالعلاقة المبنية على الثقة والتفاهم ستجنب المدير إعطاء موظفيه أوامر ومهام لا تتناسب مع تخصصهم. كما أن المدير الذي يعطي موظفيه مساحة من الابداع والمبادرة والعمل بروح الفريق، سيجنبهم الضغط النفسي، وسيجعلهم يقبلون على العمل بشغف وحماس.

الحوافز سواء المادية أو غير المادية تعتبر وسيلة اخرى لتقليل الضغط النفسي المضر في بيئة العمل. لكن الكثير من المؤسسات في الفترة الحالية لا تستطيع استخدام وسيلة الحافز المالي إلا في نطاق ضيق. الموظف لا ينظر دائماً الى الحافز المالي، فما هي الفائدة إذا كان الموظف يحصل على مرتب كبير ولكن المدير لا يوافق على منحة إجازة أو أن يتفهم بعض الظروف العائلية الطارئة التي قد تحدث له.

شهادة تقدير أو كلمة شكر أو بطاقة تهنئة إلكترونية على موقع المؤسسة أو الدائرة، قد يكون لها أثر السحر على الموظف. لقاء المدير مع موظفيه ولو مرة في الشهر على طاولة الإفطار والاستماع الى مقترحاتهم هي وسيلة أخرى فعالة. إرسال رسالة نصية قصيرة للموظف في مناسبة غالية عليه مثل الزواج أو قدوم مولود جديد، يعطي الموظف الإحساس بأنه غير منسي.

لكن الأهم في كل هذا هو المصداقية، فالموظف يشعر بمصداقية الحافز من عدمه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”. الأجر هنا ليس بالضرورة فقط الراتب الشهري.

اذاً، باستخدام بعض الأساليب غير المكلفة نستطيع تحفيز الموظفين في بيئة العمل، وابعادهم عن الضغط النفسي المضر، الأمر الذي يساعد على تجنب الأمراض التي ترهق الموظف والعائلة، وكذلك المؤسسة والدولة بتبعات تلك الأمراض، من علاج ودخول للمستشفيات.

العمل مفيد للصحة لكن بدون إفراط ولا تقصير، حينئذ تكون الصحة المهنية قد أدت دورها في وقاية العاملين من الضغط النفسي المضر المرتبط بالعمل