بدرية البشر
بدرية البشر
كاتبة سعودية مقيمة في دبي

العائدون من سورية والذاهبون إليها!

آراء

كشف مقطع فيديو متداول قيام إحدى الجماعات الإرهابية في سورية بقتل مواطنين سعوديين باستخدام سلاحين ناريين. بلغ عمر أحدهما 21 عاماً والآخر 24 عاماً. فماذا يعرف هذان الشابان عن الحرب حتى يخرجا إليها، ومن الذي أوصلهما إلى هناك في وقت ينشغل الشباب في سنّهما بدروسهم والتطلع إلى مستقبل سعيد؟ في الخبر ما هو أسوأ من تورطهما بحثاً عن قضية يجاهدان فيها، فمن قتلهما جماعة من المتطرفين وجدوهما يقاتلان في صفوف جماعة إسلامية متطرفة أخرى. تذكر «الحياة» عدم تأكدها من صحة هذا الخبر بسبب عدم وصول الأخبار واضحة وموثوقة من مناطق النزاع، إلا أن خروج شابين آخرين في التلفزيون السعودي عائدين من مناطق الصراع في سورية، هما محمد العتيبي وسليمان الفيفي، يتحدثان عن تجربتهما، يؤكد أن شبابنا لا يزالون يفضلون الخروج إلى سورية على رغم كل المحاولات القانونية لمنعهم.

هؤلاء الشباب في مطلع العشرينات غالباً – وكما ذكر الشابان – يجدون دائماً رجالاً مستعدين لتجنيدهم وترتيب أمر خروجهم. وصف الشابان العبث الذي يعيشه المقاتلون هناك، سواء بين فصائل ترفع شعارات إسلامية متطرفة تكفّر بعضها بعضاً، أو ضيق العيش والفوضى، أو استغلال هذه الفصائل حماسة الشباب السعودي، فهو قادم يفتش عن الشهادة لا غير، فلا يجد مكاناً أفضل سوى مقدمة الصفوف في مواجهة الرصاص.

البرنامج الذي ظهر فيه الشابان السعوديان يبدأ بتلاوة فتوى ليست من هيئة كبار العلماء ولا من مجمع الأزهر، بل من شيخ اشتهر بأنه أحد رموز الصحوة التي سيطر نشاطها طوال ثلاثة عقود من الزمن على الشباب، هذا الشيخ ينكر مفهوم الجهاد المنتشر بين الشباب، ويؤكد أن «الجهاد بهذه الصورة – غير الواضحة – ما هو إلا زيادة في إهلاك النفوس المؤمنة، وأن الجهاد يحتاج إلى معاونة دول وليس أفراداً». وعلى رغم هذا، فإن الشباب ينقادون الى صيحات جهادية من شيوخ آخرين منذ بدأت الثورة السورية ويرونها أكثر إغراءً، هذا السيناريو مشابه لما حدث في الجهاد الأفغاني. لكن سورية هذه المرة أقرب من أفغانستان، والإعلام أكثر قرباً ونقلاً، ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت عاملاً مهماً في تجنيد الشباب، فليس ضرورياً أن تكون في السعودية كي تقع في هذه الأخطار، فهذا شاب فرنسي عائد من سورية ضبط يصنع متفجرات في منزله وينوي تفجيرها في أحد السواحل الفرنسية كي يقتل الكفار.
في اللقاءات التلفزيونية للعائدين يقول الشابان إنهما لا يعرفان القيادات التي غالباً ما تكون غامضة وملثّمة، ما يدل إلى أن الشباب يستخدم وقوداً يتم حرقه سريعاً ومن دون أدنى جهد، الشباب المغرر بهم لا يفهمون أن الميدان الذي يلعبون فيه هو سياسة تؤسلم اللعبة، ما يفهمونه هو شعار الحرب ضد الكفار، لكنهم هناك يضيعون في تمييز الكافر من غيره، فالفصائل المتطرفة تكفّر جيش المعارضة، ثم يكفّرون بعضهم بعضاً.

القوانين التي تسن لمعاقبة الخارجين إلى سورية، التي تتوعدهم بالعقوبات، لا تنتبه إلى أن هؤلاء الشباب الذين يخرجون يقصّون تذكرة ذهاب من دون إياب، وأنه جرى حشو أدمغتهم بمخدر قاتل هو الموت في سبيل الجهاد ضد الكفار، لهذا فإن التهديد لا يجدي معهم نفعاً، وتغييرهم لا يأتي بالوعيد، بل ربما أنه فات الفوت على تغييرهم، ولم يبقَ أمامنا سوى التنبه إلى جيل جديد قابل للتخدير، وحمايته بتصحيح وحماية بيئته التي انتشرت فيها أفكار التشدد والتطرف. وليس سراً أن هذه الأفكار لا تزال تحظى برعاية تيار متغلغل في مساجدنا ومدارسنا وشارعنا وجزء من الإعلام الذي تمّ توظيفه ليعبّر عن تيار التشدد، فهو يجعل كل أمر فقهي محل خلاف مبرراً لتكفير الآخر والاعتداء على كل مكان ممتلئ بالمنكرات والمحرمات من وجهة نظره. وما زلنا نتذكر مشهد الشباب المتشدد الذي قفز بالعصي فوق مسرح جامعي يقدم مسرحية ذكورية لا تظهر فيها امرأة ولا موسيقى، فقط لأنهم يرون أن المسرح منكر. وهذا ما ترونه في البيانات الأولى لكل فصيل متشدد يحتل قرية سورية، فأول برنامج لدولته الإسلامية ليس تأمين حاجات أهلها، بل فرض خمار أسود يغطي المرأة من رأسها حتى أخمص قدميها، وإطلاق اللحى للرجال، والبقية أشدّ ظلماً وظلاماً.

المصدر: الحياة