عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

الكتابة فعل نجاة!

آراء

في كل مكان، وفي كل الأوقات الصعبة التي مرت على البشرية، لم يحصل أن احتمل الإنسان منفرداً تلك الكوارث والمصائب التي مرت به، فغالباً ما كانت للكارثة أدبياتها وسلوكياتها التي تستدعي تعاطفاً جمعياً يلتف عليها، لتمر بأقل قدر من الألم والأوجاع والجراحات.

وفي كل تاريخ الكارثة، ظل الإنسان قادراً على الدوام على إنتاج أفعال تكون له منارة وحبل نجاة، ولعل الكتابة إحدى تلك المنارات، حيث يقف الأدب رافعة قوية، يقول كل ما يجب، وبأكثر الطرق قوة، وحفراً في القلوب والأرواح، وتفعل السينما والشعر والمسرح الشيء نفسه.. فهذه الوسائل الأشبه بالملاذات التي تركن لها البشرية، إذا عزّت الكلمة، وتراكمت المحن، وكثرت الفتن، وصار اليقين مستحيلاً!

تصبح الصورة أقوى من الكلام، والفيلم أشبه بالرصاصة، والقصيدة نجمة مسافرة، لا تقف في وجهها قوانين الرقابة، بينما تتسرب الأغنية كاتفاق جماعي يندس في حناجر الناس، فتحولهم لعاصفة أو زلزال، فهي مقاومتهم الوحيدة في وجه اليأس الذي يخنق إراداتهم.

إن الناس في كل الكوارث والأزمات، حتى تلك التي لا تخصهم شخصياً أو مباشرة، ولا تقع في فناء منازلهم وغرف نومهم، لكنها تقع في فناء الإنسانية الكبير، وفي مرمى قضاياهم ومبادئهم ومعتقداتهم، يحتاجون لهواء آخر يتنفسونه، يريدون أن يكونوا إلى جانب هذه القضايا، تمسكاً بإنسانيتهم، ولكونهم بشراً طبيعيين، معنيين بآلام ودموع وآهات إخوتهم وبني جلدتهم، إنهم يصرخون حتى لا يختنقوا بعجزهم وبالقهر، فهم في نهاية الأمر ليسوا بشراً آليين.

لماذا على الناس أن تظهر تعاطفها، يسأل أحدهم بوجه بارد، فلا أجد أفضل من تلك العبارة التي قرأتها حول القرش «ما هو مميز في القرش، أن لديه عينين لا حياة فيهما، عينين سوداوين مثل عيون الدمى، عندما يتجه نحوك، لا يبدو أنه حي حتى يبدأ نَهْشَك، حينها تلك العينان السوداوان تصبحان بيضاوين، ثم تسمع الصراخ العالي الرهيب»، بينما تتميز عين وقلب الإنسان الطبيعي، بأنهما يضجان بالحياة والتعاطف والدموع، ولذلك هو إنسان، وليس حيواناً مفترساً!!

المصدر: البيان