د. علي الطراح
د. علي الطراح
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة متشجن الأميركية في عام 1984 . عمل مستشاراً ورئيساً للمكتب الثقافي لسفارة دولة الكويت في واشنطن 1989-1992 ومستشاراً إعلامياً ورئيس للمكتب الإعلامي في سفارة دولة الكويت في واشنطن 1992 - 1995 . عميد كلية العلوم الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت .

المثقفون ورقصة الهستيريا

آراء

في ورقة بحثية للمفكر العفيف الأخضر حول من هو المثقف العربي جذبتني هذه العبارة: «رقصوا رقصة الهستيريا الجماعية على ألحان الهذيان الجماعي لصدام حسين بعد اتخاذه قراره الانتحاري بضم الكويت. لقد تراءى لهم هذا القرار خطوة عملاقة على طريق الوحدة العربية بقيادة قائد ملهم جاءهم على غير انتظار». والعفيف الأخضر كان يناقش دور المثقف العربي وخلال مناقشته يجر القارئ إلى ملاحظة نكسات بعض المثقفين العرب بمقارنتهم مع أقرانهم في أوروبا. ومن الواضح في التحليل أن عالم الرشد والواقع بعيد عن تفكيرهم، ولذا كان عالم السحر يسيطر على مخيالهم. وينتقل العفيف الأخضر إلى القضية الفلسطينية وكيف كان بعض المثقفين يتسلى بها حتى استنفدت كل الطاقات. وهذه الصورة المستعارة وضعها لنا في عصر المعولماتية الذي غير معالم حياتنا.

وعالم الاتصال يقول لنا إن ثمة ما يقرب من مليار مشاهد لبرنامج تلفزيوني، ويستخدم الإنترنت ما يفوق من مليارين، مع علمنا بأن كل أسبوع يخرج علينا فيه ما يقرب من 600 خدمة إلكترونية جديدة حتى تحول الواقع الافتراضي إلى واقع حقيقي نعيشه ولا نملك أن ننفصل عنه. وفي خضم هذا التطور الهائل يفكر بعضنا إن لم نقل أغلبنا في كيفية رفع الحوائط الإسمنتية لوقف موجات المعلوماتية اعتقاداً منهم بأنها تحجب نقل المعلومة، والتفسير بكل بساطة أن المثقف العربي يعيش حالة انفصال عن الواقع، ويعشق عالم السحر الذي يفرغ فيه همومة هروباً من هذا الواقع. فالمثقف من هذا النوع عاش بيئة السحر التقليدية وكبر عليها وهو يتحول إلى الشعارات الفضفاضة مقترنة بصوت الحناجر تفرغ طاقته ليذهب للنوم لعله يشعر بأنه قد أدى واجبه، إلا أن الصراع ينهش بداخله لأنه يعلم عمق حالة انفصاله عن واقعه.

وقهر المرأة ما زال يمارس، وقهر الإنسان علامة عربية، والحبل على الجرار في تعداد أزمات المثقف والثقافة العربية. والآن نشاهد الحروب الدائرة بين «داعش» و«النصرة» والعنف والقتال في الفلوجة، ونشاهد البيانات تصدر من هنا وهناك، ونتذكر محاكم التفتيش التي عاثت في أوروبا فساداً إلى القرن الثامن عشر، وكل هذه المشاهد نعيشها ونحن في الألفية الثالثة، فكيف لنا أن نخرج من هذه الأزمة ومن تسبب بها؟ فهل هم المثقفون أم الساسة أم هو ما يمكن أن نسميه مثقف السلطان، قياساً على تعبير مفتي السلطان؟

العفيف الأخضر في تحليله لم يجد سوى المثقف الذي يتحمل السبب عن حالة الانهيار العربي، وأجد نفسي أنضم إلى ركبه وأنا أشاهد حروب القبائل في اليمن والرمادي والفلوجة وبلاد الشام بين «داعش» و«النصرة». والغريب ما قرأته حول خوف إندونيسيا من تصاعد أرقام المنضمين إلى صفوف المقاتلين هناك والدافع يتجسد في أن هذه الأرض الشامية هي مهبط الديانات، ومن ثم نهاية العالم تنتهي حيث بدأت، ولذا يريدون أن يلحقوا بها قبل فوات الأوان، ليحاربوا المسيخ الدجال الذي سيظهر في تلك البلاد. وهنا أخذت أتعمق في قراءة المقالة في إحدى الصحف البريطانية وإذا بي أكتشف أن هؤلاء ليسوا بقليلي التعليم وإنما هم من فئة المتعلمين الذين يعيشون عالماً منفصلاً عن الواقع.

قانون الإرهاب الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين جاء في وقته، وثقافتنا بحاجة إلى كل ما ينشط المثقف بعد غيبوبة ليدلي بدلوه ويؤدي واجبه في التوعية بمخاطر العنف، وبدون هذا الدور يفقد المثقف طريقه وتضيع بوصلته دون أن يعي حجم الدمار الكبير. على كل حال لا نعرف متى تسد عنا أبواب العنف وتصد «داعش» و«النصرة» وغيرها من جماعات متطرفة.

المصدر: الاتحاد