عبد الله ثابت
عبد الله ثابت
كاتب و روائي سعودي

المذنبون الرئيسيون

آراء

الفيلسوف الهندي؛ “تشاندرا موهان جاين”، أو كما يُسمى بالمعلم “أوشو”، رأى أن الثقافات والإجابات والتقاليد التي أنتجها الإنسان منذ عشرة آلاف سنة لم تزد إلا من تعاسته وضياعه، وأنها نفسها لن تستطيع علاجه لعشرة آلاف سنة قادمة أيضاً، لأن البشر لم يكونوا جريئين بالقدر الكافي لنقدها، وتنقيتها مما يدفع بالإنسان بالتعفّن والشرّ. في رسالة “ناتيساسترا” المطولة، وهي أحد أقدم الموروثات التي عرفها الإنسان في تاريخه، وتعود إلى ما قبل القرن الثالث قبل الميلاد، تحدثت عن تعب الإنسان. تذكر الأسطورة، في مبتدأ الرسالة، أنه لمّا كانت البشرية قد تورطت في ضلالها وانحطاطها، كان لا بدّ من إيجاد شيء يتدارك انهيار الإنسان ويعيد تأهيله، فوضع “براهما” سفر “العرض”، ونقل إلى “بهاراتا” الإنسان، كي يقوم وأولاده المئة وعدد من الراقصين الذين أرسلهم “براهما” من السماء بمساعدة الإنسان في تجاوز تعبه ولمّ حطام روحه المرهَقة، وفي الوقت نفسه رفع أخلاقه وتربيته. إذاً فالقصة هي نفسها، وكل ما قام به الإنسان من الفلسفة والأفكار والديانات والعلوم الطبيعية والفنون والحضارات لم تكن إلا لمواجهة تعبه ورعبه، تيهه وأوساخ قلبه. تلك الأوساخ التي صارت استبداداً واستحواذاً، وصارت حروباً ومجازر واقتتالاً، وصار الذين يملكون قدرةً أكبر على الضغينة، هم من يتصدر الشعوب، وهم من يملأ وجدانها بالخراب، هم من يمنحون الجرائم والكراهية والطغيان بجميع أشكاله قداسةً وشرعيّة. قبل ليال كان المذيع بقناة “الغد العربي” يسأل محامي الجماعات الجهادية، واسمه ماجد اللفتاوي، كيف تقولون بأن حرمة دم المسلم أشد من هدم الكعبة، ثم تقومون بهذه المجازر والجرائم؟ فيجيب اللفتاوي بأن أهل العلم قد أصدروا فتاوى ثابتة، وأنهم في جهادهم لهم أعداء سيقتلونهم حيث وجدوهم، كالشيعة ومن يطالبون بدولة مدنية، وكل من يقف في وجه دولة الخلافة. هذا اللفتاوي وأمثلته كثيرة، وفوق الحصر، مثالٌ صريح بأن الطغيان ينجب طغياناً أكثر جنوناً وأكثر نقمةً وبشاعة.

قال المعلم “أوشو” في كتابه (من الجنس إلى أعلى درجات الوعي): “الذين حطوا من قدر العقل هم الذين سمّموا الحب، ولم يسمحوا له بالنمو. غير أنه في الحقيقة لا شيء سامّ في هذا العالم، لا شيء سيئ في كامل خلق الله، فكل خلقه رحيق، والإنسان وحده من حوّل هذا الكأس الممتلئ بالرحيق إلى سمّ.. والمذنبون الرئيسيون هم أولئك الذين يُسمون بالأساتذة، ومن يُسمون بالرجال الأتقياء والقديسين والسياسيين”.

المصدر: الوطن أون لاين