المكتبة الوطنية منارة وقيثارة

آراء

ميلاد مكتبة وطنية بحجم ما للإمارات من صيت في البناء، وصوت في العالم، يعد حدثاً كونياً يساوي ما يحدث في البلد من منجزات تخلب اللب، وتذهل الوجدان.

المكتبة، هي بيت الكتاب، وهي حضنه، وحصنه، وأمنه، وقرة عين كل من يعيش حالة القراءة، كما يعيش الطير في سف عش الأبدية.

مكتبة في العاصمة تعني ترتيب وجدان الكلمة، تعني تضفير جدائل الحلم، تعني سبك القلائد على نحر وصدر.

هكذا علمتنا بلادنا على السير قدماً نحو الإزهار، والإثمار، وجعل الحياة كتاباً مرموقاً، يتلو آيات حروفه، عشاق الكلمة، ونساك الجمال.

هكذا علمتنا بلادنا على توظيف الطاقات، واستثمار القدرات، في إضاءة الدرب وتعبيد الطريق، بأسود الحبر، وأبيض الفكر، منتمين إلى تاريخ أمة علمت العالم النون والقلم، وأبهجت الدنيا بمصابيح الفكر، والمفكرين، ولم يكن ابن رشد إلا سليل كتاب علمه كيف يقول للعالم تعالوا إلى كلمة سواء، فالدين الحقيقي هو الدين الذي يضيء سماوات الذهن بنور الوعي، هو دين الفضائل، لا دين القبائل.

عاصمتنا علمتنا كيف يحيك قماشة الوعي، وكيف تجعل من الثقافة، سقفاً، ومرفأً، وكيف تصنع من الكتاب معطف دفء، وشراع سفر، وجناح تحليق، وغصن رفرفة.

عاصمتنا علمتنا كيف نصنع حياتنا من رونق التلاقي بين دفتي كتاب، كما تتلاقى الأنهار عند سفح، يرتخي بخيلاء كما ترتخي الموجة للسواحل الرضية.

ميلاد مكتبة وطنية في بلد اعتادت على الإنجازات الباذخة، والمشاريع العملاقة، لا بد وأن تكون إضافة مضاءة بخطط زاهية مثل الشموس التي تهطل على أراض معشبة.

ميلاد مكتبة وطنية في بلادنا هو المشروع الأكمل والذي يؤكد ما للإمارات من ريادة في صنع المبهرات، وسيادة في خلق المدهشات. الحلم الذي كان سيكون واقعاً تعيشه العقول، وتكتحل بأثمده العيون، ويكون المرتع، لغزلان العلم، والغرف من المعرفة.

ميلاد مكتبة وطنية، يعني انبثاق فجر جديد في وجدان كل عشاق الكلمة، وكل مرتادي الكتاب، وهو الخطو في عرف الجياد الأصيلة، هو الوثب على تراب رمله من سبك الجواهر، وضفافه ترسوا على خواصرها سفن البحث عن ذات، وعن حلم لا ينضب شهده، ولا يجف ماؤه.

وعلمنا مسؤولو الأرشيف الوطني دوماً بتقديم كل ما يملأ الوجدان غبطة، وكل ما يجعل الموكب الحضاري الرهيب لبلادنا ناصعاً، مستمداً هذا الأرشيف خطواته الحثيثة من وحي قيادة رشيدة، عينها على مستقبل الإنسان قبل كل شيء.

المصدر: الاتحاد