محمد السلمي
محمد السلمي
كاتب سعودي متخصص في الشؤون الإيرانية

الملك سلمان ومستقبل العلاقات السعودية – الإيرانية

آراء

مثل بقية دول العالم، تفاعلت إيران مع نبأ وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، كما تفاعلت أيضاً مع وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى سُدة الحكم في السعودية. هذا التفاعل برز من خلال عدة برقيات تعزية وتهنئة للسعودية قيادة وشعباً. فقد قدم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، تعازيه في وفاة الملك عبدالله، كما هنأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بمبايعته ملكاً جديداً للمملكة العربية السعودية. وبحسب “إيرنا”، فقد أعرب الرئيس روحاني في رسالته عن أمله بمزيد من تنمية العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وذلك نظراً إلى الأواصر الدينية والتاريخية بين إيران والسعودية، كما نعت وزارة الخارجية الإيرانية الملك الراحل وتوجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى الرياض لتقديم التعازي للأسرة السعودية المالكة. يذكر أن هذه هي الزيارة الأولى لوزير الخارجية الإيراني للمملكة العربية السعودية.

من جانب آخر، وجه رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني رسالة للملك سلمان، أعرب فيها عن تعازيه بوفاة الملك عبدالله، وقال في رسالته: أعزي السعودية حكومة وشعباً بوفاة الملك عبدالله، وأبتهل إلى الله عزَ وجلَ أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويلهم ذويه والأسرة الكريمة الصبر والسلوان. وتمنى رفسنجاني في رسالة التعزية التوفيق للملك سلمان” لما يعزز من أواصر الوحدة في العالم الإسلامي ويضمن السعادة والتعايش والأخوة بين الشعبين الإيراني والسعودي”، وفقاً لما ورد على موقعه الشخصي.

وإذا تجاوزنا هذه البرقيات البروتوكولية إلى تحليل القراءة السياسية الإيرانية للمستجدات على الساحة السعودية نجد أن هناك ثلاثة مسارات رئيسة برزت في وسائل الإعلام الإيرانية حول التوقعات لمستقبل العلاقات بين السعودية وإيران:

المسار الأول، يتمثل في فريق متفائل بتحسن العلاقات بين الرياض وطهران وقد استدل هذا الفريق بزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى المملكة لتقديم واجب العزاء وتهنئة القيادة الجديدة في المملكة. ويظل هذا المسار هو الأقل بروزاً من بين المسارات الثلاثة.

المسار الثاني يرى أن الملك سلمان سوف يستمر على نهج سلفه، الملك عبدالله، خاصة في طبيعة العلاقة مع طهران. يعتقد أنصار هذا التوجه أن هناك عوامل خارجية تؤثر على مسار العلاقات بين البلدين، بعضها مرتبط بقضايا العالم الإسلامي ومستقبله وأخرى ذات صلة بالاختلاف في وجهات النظر حول قضايا المنطقة والتغيرات السياسية في الشرق الأوسط، حيث إن هناك تضارباً في مصالح البلدين في دول مثل العراق واليمن وسورية، وأن هذه القضايا قد تشكلت خلال الأربع سنوات الماضية وأصبحت الأمور تزداد تعقيداً مع مرور الوقت. يرى هذا الفريق أن استمرار العلاقة بين البلدين على وضعها الراهن، على أقل تقدير، هو أفضل الحلول على المدى المنظور. معظم التحليلات تصب في هذا المسار.

المسار الثالث يعتقد أن العلاقات قد تتحسن ولكن بشكل تدريجي وتبعاً للتطورات في المنطقة ونتائج المفاوضات بين إيران و5+1، علاوة على تقديم الطرفين بعض التنازلات في مواقفهما تجاه قضايا المنطقة خاصة الأوضاع في العراق وسورية واليمن. يعتقد مؤيدو هذا المسار أن النظرة الواقعية لمستقبل العلاقات بين الرياض وطهران يجب أن تمر عبر جميع المباحثات حول قضايا المنطقة في المقام الأول، وأنه لا يمكن تطوير العلاقات بين الجانبين إذا ما تم التركيز فقط على العلاقات الثنائية لاسيما وأن معظم الخلافات تتعلق بأطراف أخرى.

وبعد استعراض القراءات الإيرانية المختلفة لمستقبل العلاقات مع المملكة العربية السعودية، أرى أن المسار الثالث يمثل القراءة الأقرب للواقع والمنطق. فلا شك أن توتر العلاقات بين البلدين مرتبط من جانب بالتجاذبات السياسية والجيو-سياسية والتطورات التي تعصف بالمنطقة، ومن جانب آخر، بالتدخلات الإيرانية في الشأن العربي. من هنا، أمام القيادة الإيرانية فرصة كبيرة لفتح صفحة جديدة مع القيادة السعودية الحالية، لكنه متى ما أرادت طهران ذلك فعليها إعادة النظر في آليات تعاملها مع الرياض. إن أي انفراج في العلاقات بين البلدين لن يكون من خلال تصريحات جذّابة ورنّانة من جانب، وهجوم إعلامي من قبل وسائل إعلام مرتبطة بالنظام والمؤسسات العسكرية الإيرانية، من جانب آخر، بل إنه مرهون بخطوات ملموسة على الأرض ترمم “أزمة الثقة” وتبني جسوراً لعلاقات متينة تعتمد على سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين وألا يطغى البعد الأيديولوجي والمذهبي على السياسة الخارجية أو التعاطي مع قضايا المنطقة وفق مشاريع توسعية لن تعود إلا بالكثير من الصعوبات على كافة الأطراف. تستطيع الرياض وطهران لعب دوراً حيوياً وبارزاً في عودة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط إلا أن ذلك يحتاج بشكل أساسي إلى إرادة سياسية مدفوعة بخطوات جادة تفضي في نهاية المطاف إلى انتشال المنطقة مما يعصف بها من تحديات ومهددات. ختاماً، في السعودية، لا ننظر إلى إيران والشعب الإيراني كأعداء، نعم هناك خلافات كثيرة مع إيران ولكننا ننظر إليها كدولة جارة تربطنا بها أواصر الدين والجغرافيا والتاريخ. والسؤال الذي سيبقى مطروحاً، هل سنشهد تغيّراً حقيقياً، وإن كان تدريجياً، في الموقف الإيراني وتحولاً من التصريحات إلى الأفعال يشجع القيادة الجديدة في الرياض على مدّ يدها نحو الضفة الشرقية للخليج العربي؟ الإجابة لدى طهران وحدها!.

المصدر: الرياض
http://www.alriyadh.com/1021532