جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

بعد نكسة 30 يونيو.. ماذا يَنتظر قيادة «الإخوان» بمصر.. إقالة أم استقالة؟

آراء

يفترض أن حملة الاعتقالات التي يشنها «النظام الجديد» بمصر على «الإخوان المسلمين» ما هي إلا موقتة فرضتها ظروف الانقلاب والخشية من أن ينظم «الإخوان» أو أنصارهم مقاومة له تفتح باباً لفتنة لا يريدها أحد، ذلك أن مثل هذه العلاقات تتنافى مع روح الثورة الأولى (25 يناير) التي قيل إن الثورة الثانية (30 يونيو) جاءت لتصحيح مسارها.

ويفترض أيضاً أن تتعافى القوى المدنية من نشوة الانتقام وتعود إلى مبادئها فترفض اعتقال خصومها من «الإخوان»، وقمع الحريات الإعلامية ونزعة الإقصاء المتنامية في الإعلام المصري، فتدعم المصالحة الوطنية ومشاركة الجميع في بناء مصر جديدة بعد السقوط السريع للجمهورية الثانية.

ويفترض أيضاً أن يتوقف «الإخوان» عن تسيير التظاهرات تحت راية «إعادة الشرعية»، والاكتفاء بالرسالة التي بعثوا بها، وهي أنهم ضحوا وماتوا من أجل مبادئ الديموقراطية وسيادة الشعب، فهم يعلمون (أو يفترض ذلك) أنهم سيعجزون عن إسقاط النظام الجديد الهجين والمختلط بين عسكر ومدنيين ويتمتع بمباركة الدولة العميقة (نظام مبارك) وقوى إقليمية، فالتظاهرات الحاشدة التي أسقطتهم سمح لها وشجعت وموّلت من دولة عميقة وقوى خارجية وإعلام متواطئ ضدهم، أما تظاهراتهم فهي تفتقد كل ذلك، وسيتم التعامل معها بقسوة لأنها «تهدد الوحدة الوطنية». نعم إنه تمييز في المعاملة، ولذلك جعل الله سنة التدافع والابتلاء، والحصيف من أدرك ذلك.

بعد حصول كل الافتراضات السابقة سيكون من الجيد أن يقبل «الإخوان» ولو على مضض بالأمر الواقع على طريقة الاعتراف «دي فاكتو» ليس بالنظام القائم وإنما بالواقع، ويعودوا إلى الساحة التي يجيدون التدافع فيها، أي العمل السياسي، يجب ألا يغرقوا في قصة المؤامرة، فهي موجودة، وثمة من أراد سقوطهم وعمل على ذلك، ولكنهم سقطوا بما كسبت يداهم، هل هناك خطأ أكبر من اختيار أضعف القيادات لتقود أخطر مرحلة؟ يجب أن يقتنعوا بأن الملايين التي خرجت في 30 يونيو أرقام حقيقية وجزء كبير منها صادق.

أمام «الإخوان» مهمات عدة، ولعل من أهمها دراسة حالة الكراهية والرفض لهم من قبل قطاع كبير من المصريين. إنها خسارة أكبر من خسارة الحكم، ما يستدعي الإجابة عن السؤال «لِمَ يحمل لنا البعض هذه القدر من الكراهية؟»، الإجابات الأسهل مثل أن هؤلاء من «الفلول»، أو لأنهم غير متدينين، مريحة ولكنها ليست صحيحة. الخطوة الأولى هي الاعتراف بأن «الإخوان» خسروا الكثير في قلب وعقل المواطن المصري.

يجب ألا يراهنوا على رفض المجتمع الدولي للانقلاب. إنه مجرد احتجاج روتيني من قوى غربية. ليكن الضغط الآن على السلطة الجديدة للتعجيل بخريطة الطريق وإجراء الانتخابات ومنع الإقصاء وعودة السلطة للشعب، ففي ذلك مساحة ستعيدهم إلى أجواء التعاون مع القوى الوطنية الأخرى، وإن كنت أتوقع أن ثمة قوى ستسعى إلى إقصاء «الإخوان» وإذلالهم، وستحاول دفع الآخرين لرفض التعاون معهم، حركات صبيانية ولكن السياسة المصرية للأسف طافحة بها.

ولكن قبيل ذلك أو معه، لا بد لـ «الإخوان» من إعادة ترتيب بيتهم من الداخل، ومن ثم ساحة الإسلام السياسي الذي خسر الكثير في نكسة 30 يونيو.

في أدبيات «الإخوان المسلمين» حديث متكرر عن تحويل «المحن إلى منح»، فلتكن هذه إحداها. لعل حكيماً بينهم يقول لهم «لا تحسبوه شراً لكم، بل هو خير لكم» فالانقلاب جاء في الوقت المناسب لتطهيرهم من جملة من الأخطاء تدافعوا إليها منذ أن قرروا دخول الانتخابات الرئاسية. أخطاء كفيلة بأن تفكك الجماعة من الداخل، فما تسرّب من خلافات بين قطبيها نائب المرشد خيرت الشاطر والقيادي المعتدل حسن مالك أثار قلق قواعد الجماعة، وخوفها على تماسك الجماعة. ليس سراً أن «إخواناً» حقيقيين (الكاتب الشهير صاحب سر المؤلفات العديدة ضد «الإخوان» ثروت الخرباوي ليس منهم) انصرفوا بعيداً وبهدوء وآثروا الصمت تقديراً للمرحلة التي تتطلب وحدة الصف.

حان الوقت لجلسة محاسبة وجرد للمكاسب والخسائر، وعملية إعادة هيكلة للجماعة تحميها من عملية التآكل التي أصابتها منذ عقدين، التي خسرت فيها خيرة قياداتها، والتي كانت السبب الرئيس لنكسة 30 يونيو.

إن محور الصراع داخل الجماعة هو بين تيارين، عنيد يرى الجماعة قلعة متماسكة تقود المجتمع، وتيار يرى الجماعة قوة وطنية بين آخرين، مستعدة للتعاون والتنازل وقبول أنصاف الحلول. المجموعة الأولى يمثلها خيرت الشاطر، أما المجموعة الثانية فهم أمثال أبوالعلا ماضي، وعصام سلطان، والدكتور محمد محسوب، وآخرهم عبدالمنعم أبوالفتوح. إن أياً من الأسماء السابقة كان قادراً أن يقدم وجهاً مقبولاً للإسلام السياسي لو حلّ مكان الرئيس «المقال» محمد مرسي الذي كان مجرد «إخواني» تقليدي دفعته الظروف إلى سدة القيادة.

منذ أعوام وثمة حديث عن إصلاحات أردوغانية تحتاجها الجماعة، في إشارة إلى ما فعله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ولكن كانت دوماً تنتهي بخروج أو إخراج دعاتها من الجماعة. بعد ثورة 25 يناير 2011 جرت تلك الإصلاحات ولكن بشكل ظاهري فقط، عندما شكّل «الإخوان» حزباً سياسياً مستقلاً يمثلهم هو «الحرية والعدالة»، ولكنه كان مجرد واجهة، فأسوأ قرار اتخذه الرئيس المقال (التعديلات الدستورية في تشرين الثاني /نوفمبر الماضي الذي كان بداية النهاية)، لم يتخذه بناءً على معلوماته كرئيس له مخابرات وأمن، بل بناء على معلومات وتوصيات مكتب الإرشاد.

خلال الأزمات التي صنعها الرئيس مرسي أو صنعت له، برزت كفاءات إسلامية خارج حزب «الإخوان» (الحرية والعدالة)، كانت أقدر على التواصل مع القوى الوطنية الأخرى، وأكثر إقناعاً، مع التزام كامل بالمشروع الإسلامي الوطني، خصوصاً في حزب الوسط، وحزب النور السلفي. إنه من العبث أن تبقى هذه التيارات العدة متفرقة. المشروع الأردوغاني يقول بذلك، ولا يمكن لهذه التيارات أن تندمج في تكتل واحد طالما أنه يتلقى أوامره من «الإخوان»، ولكن يمكن في لحظة التأمل هذه، بعيداً عن الحكم، واستعداداً للجولة الثانية في بناء الدولة المصرية الجديدة، أن تتدارس القوى الإسلامية الشابة كيف تستطيع أن تخرج بمشروع توحيدي كهذا، ولكن يحتاج ذلك إلى قرار من «الإخوان» ومرشدهم بالابتعاد عن مجريات الأمور والبقاء في مجال الدعوة للفكرة الإسلامية وليس لتفاصيلها.

هل يستطيع «الإخوان» ذلك؟ بالطبع، إذا ما تحملت القيادة التي خسرت معركة 30 يونيو مسؤولياتها، فتستقيل طواعية وتفتح الباب أمام جيل جديد يفهم التحولات من حوله ويتفاعل معها بشكل أفضل.

المصدر: صحيفة الحياة