بدرية البشر
بدرية البشر
كاتبة سعودية مقيمة في دبي

بين رئيس عادي وفوق عادي!

آراء

هذه الأيام ظهرت علينا موضة عالمية اسمها الرئيس العادي انطلقت أول الأمر في فرنسا، فبعد الانتخابات الفرنسية الأخيرة ظهر علينا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمقولة إنه يريد أن يكون رئيساً عادياً على عكس الرئيس السابق ساركوزي فوق العادي، وقد بدا ذلك واضحاً حين مشى تحت المطر دون مظلة في حفل تنصيبه غير آبه بما يحدث لبدلته، ولا يهتز له رمش.

وفي معرض عزمه الدؤوب كي يصبح رئيساً عادياً كما وعد فقد قام بخفض راتبه، وراتب الوزراء 30% كما قلل ميزانية مواكبه ورفاهية رحلاته وكذلك فعل مع ميزانية قصر الأليزيه، وطاقم خدمته وكمية العشاء الموضوع على الطاولة للضيوف، في حين عاندت زوجته دخول قصر الأليزيه مفضلة عليها البقاء في الشقة العادية لولا رفض الحرس هذا القرار بحجة أنهم لا يستطيعون أن يوفروا لهم حماية فوق عادية في شقتهم العادية، وأنه يجب عليهم أن يقفلوا مدخل الحارة ويفتشوا كل داخل إليها، وهذا سيزعج الناس وسيبطل نظرية الرئيس العادي.

ساركوزي الذي اتهمه هولاند بأنه رئيس فوق العادة أعلن أيضاً أنه يريد أن يكون مواطناً عادياً وأن يعود لمزاولة حياته بعد خروجه من الأليزيه بشكل عادي، ورغم خسارته البسيطة أمام منافسه هولاند، لم يقلب الدنيا ويؤلب الموالين.

وقد نشرت بعض الصحف يوم أمس صورة عادية له وهو يخرج من مطعم عادي بعد عشاء عادي جمعه برئيس وزراء فرنسا السابق.

في فرنسا يسمون هذا “عادي” بينما لدينا هذا هو “غير عادي”.

لقد سهل عليهم أن يصيروا عاديين، فقد زودهم تاريخهم بتراكم ثقافي ومرجعيات سياسية وثقافية سبقتهم، ومهدت طريقهم تماماً كما هو فرانسوا ميتران مرجعية الرئيس هولاند السياسية الاشتراكية، الذي كان يشاهد بعد أن كان رئيساً مدة 14 سنة يمر في شارع عام ذاهباً إلى المكتبة العامة والناس تحييه: مرحباً سيدي الرئيس السابق. أنت بحاجة دائماً لهذا التراكم التاريخي الذي يمهد الطريق للإجراءات وهي تتطور.

حتى عندنا الرئيس العربي الذي يصر على أن يكون عادياً يصبح غير عادي لكن بطريقة أخرى، فالرئيس المصري محمد مرسي الذي قرر أن يكون رئيساً عادياً وأن يهبط للصلاة في المسجد لم يكن سهلاً أن يكون مصلياً عادياً وقد وفر لمعارضيه صوراً غير عادية عن مسجد يحتشد فيه الجنود والحرس في ثياب رسمية يشبكون أيديهم لتطوق الرئيس، وقد بدا عدد الجنود الذين تجاوزوا المئة في ظل إجراءات مشددة صورة مزعجة للمصلين الذين لاشك أنهم ماجاؤوا إلا للصلاة لا للفرجة على منظر حماية الرئيس وما يخالطه من مشاهد مثيرة للفضول والمتابعة، لهذا كتبت إحدى المعارضات رسالة لسيادة الرئيس قائلة: “صلي في البيت وفي رقبتي قدام ربنا”.

يعني: “صلي في البيت وفي ذمتي ما جاك”.

أكيد في ذمتها “ما جاه”، فالرئيس العادي في فرنسا ليس هو الرئيس نفسه في مصر.

المصدر: الجريدة