علي القاسمي
علي القاسمي
كاتب سعودي

حساب إبراء الذمة

آراء

تستحق بعض الأخبار المحلية أن تكون في واجهة التناول، وتحتل مساحة كبرى للقراءة كأضعف الإيمان، لتبث شيئاً من التفاؤل الذي نفتّش عنه هنا وهناك. حساب إبراء الذمة أو البرنامج كما تعبّر عنه النسخه المحدّثة منه ينمو يوماً بعد يوم وإن لم يكن كل ما يسكب فيه من مبالغ مالية على سبيل إبراء الذمة تجاه المال العام أو على سبيل الهبة والوقف، وذلك وفق الفئة المستهدفة من هذا الحساب المشروحة بالتفصيل على الموقع الإلكتروني لبنك التنمية الاجتماعية والتي تتضمن أن شيئاً من هذه الأموال يودع على سبيل الوقف أو الهبات وقد يقبل الحساب أوقافاً عينية يعود ريعها إليه.

وصل الرقم المودع في هذا الحساب بنهاية نيسان (إبريل) الفائت إلى ما يتجاوز 331 مليون ريال، وهو ما أعتبره بالمقام الأول رقماً معنياً بإبراء الذمة في شكل مباشر من دون الدخول في فئات الوقف أو الهبات لأن لها بوابات تمضي بهدوء من خلالها ولن تكون حصراً على هذا الحساب، ولا أعتقد أن ثمة من يعمد إلى هذا الحساب بالهبة والوقف إلا في إطار ضيق جداً جداً ومن نافذة الإبراء للذمة وإن لم يعلن.

ما أعجبني في الفئة المستهدفة على الموقع الإلكتروني للبنك إشارته إلى أن عدم دقة الاعتقاد الرائج بأن الحساب مخصص لمن اختلس من المال العام فقط بل هو حساب أو برنامج أعد لإبراء الذمة وللإبراء تفاصيل وصراعات داخلية لن تنتهي.

ارتفاع مبلغ الحساب شيئاً فشيئاً يشير إلى أن هناك وعياً مرتفعاً بالتدريج، وضمائر تستيقظ وتدرك أن الحياة أقصر من كل شيء، فأي مال أتى من نافذة مربكة أو غير مطمئنة ويذهب إلى الجيب يظل مالاً مقلقاً ومزعجاً بقوّة للضمير الذي يعيش معه الإنسان صراعاً دائماً، والانتصار الحقيقي يكمن حين يكون الفوز حليفاً للضمير.

لا مثيل للنزاهة وما أجمل وأنبل وأشرف أن يمارس الإنسان عمله ويتناول لقمة عيشه وهو نظيف اليدين والضمير ويغادر بالمقدار ذاته من النظافة، ولا شيء يشبه الذمّة النزيهة والمحفوظة من كل شبهة وشك. هذا الرقم بعد طغيان السرية – وذاك واجب ولازم – على المودعين وأسمائهم يترك المال مغادراً بشجاعة من ذمة إلى ذمة ويزيل الحمل الثقيل الملقى على العاتق والمزعج للذات والذي كانت البوابة لإعادته مستحيلة لطغيان العيب والفضيحة الاجتماعية، فجاء هذا الحساب وحضرت معه السرية لتترك موجوع الضمير في ساحة مريحة ومطمئنة ومشجعة لإبراء الذمم، فالمال خادم جيد لكنه سيّد فاشل. ويظل الضمير النقيّ حامل لواء السعادة الحقيقية وهو ذاته الذي لا يمنعنا من فعل الخطأ لكنه يحرمنا من الاستمتاع به، ولنودع هذه العبارة عقولنا الطيبة وهي «أن أفضل الثروات هي الضمير النظيف».

المصدر: الحياة