عقل العقل
عقل العقل
كاتب وإعلامي سعودي

دورات للعمل أم للاصطياف الخارجي؟

آراء

بقدرة قادر تُنظَّم الدورات والانتدابات والأيام الثقافية وغير الثقافية في أجهزتنا الرسمية في تواريخ تتوافق مع إجازات مدارسنا، ولاسيما في فترة الإجازة الصيفية، ويلاحظ ترتيب هذه المؤتمرات والدورات في أجمل بقاع الأرض والمفروض أن تكون هذه المؤتمرات متوافقة مع أوضاع الدول التي تقام فيها تلك الفعاليات.

ولكن آخر ما يفكر به من ينظِّمون هذه المناشط هو أن يتركوا أثراً لما ذهبوا من أجله، ولكن هذه هي الحال الغريبة التي لا أعرف من المسؤول عنها وقد يكون من الظلم مطالبة «نزاهة» بمراقبة مثل هذا الخلل، وقد تكون هي نفسها تسيح صيفاً، كما الإدارات الحكومية الأخرى. أما وزارة الخدمة المدنية فقد انشغلت بقضايا أهم من هذه الدورات والمؤتمرات الورقية غير الموجودة على أرض الواقع، التي يمكن تسميتها بدورات الإجازات الحكومية الترفيهية، فالموظف يرتبها بحسب إجازة الزوجة والأولاد.

أما ما سيقدمه ويتعلمه في تلك المؤتمرات فهو آخر ما يفكر فيه، وهو يعرف أن إدارته لن تسأله عن مدى استفادته من تلك الدورات، بسبب أن المديرين وكبار المسؤولين هم أكثر المستفيدين من تلك الرحلات العملية، والغريب أن الدول التي ترتب فيها المؤتمرات الشكلية تكون مقسمة بحسب المراتب والدرجات التي يشغرها الموظفين، فكلما ارتفعت درجته الوظيفية كانت الدولة المستهدفة في قلب أوروبا أو على شواطئ شرق العالم أو غربه، وكلما قلت نجد مقارَّ تلك المهام ليست بعيدة عن ربوع المنطقة، وقد تكون أجواؤها حارة نوعاً ما، ولكن لا يهم ذلك، فتحمُّل الحرارة مع إجازة مدفوعة له ولعائلته يجعل صغار الموظفين يقدِّمون التنازلات في اختيار الجهات المستهدفة.

والغريب أنك تصادف بعض هؤلاء الموظفين والمسؤولين المغادرين لتلقي العلم الصيفي في دول لا يتحدثون لغاتها ولا حتى يتحدثون اللغة الإنكليزية، التي هي لغة معظم الفعاليات في العالم، ولكن الصيف له أحكام، وقد تكون اللغات قد هبطت عليهم فجأة في منامهم قبل مغادرتهم ربوع الوطن، وقد يصطحب بعضهم معه مترجمين وخادمات وكل ذلك حتى يتفرغوا لنهل العلم والمعرفة في أسابيع معدودة.

بعضهم قد يقول إنك «مقطِّع أرزاق» ومحارب للعولمة ومناصر للسياحة الداخلية، ولكنّ هذا أمر أصبح عرفاً في مؤسساتنا الرسمية، فلو مثلاً أقيمت هذه الورش في ربوع بلادي في أبها وجدة والخبر مثلاً لم تسابق عليها القوم ولأصابها الإلغاء، أما دورات فرنسا والنمسا وأميركا، فالصراع يحتدم عليها، ولاسيما أن من يظفر بها يستطيع بقيمة التذاكر الحكومية للطيران أن يعيد تدويرها ويحصل على مبلغ دسم من قيمتها عن طريق بعض مكاتب الطيران المعتمدة من وزارته، وبذلك المبلغ يستطيع أن يشتري تذاكر لجميع أفراد عائلته على أحد الخطوط الأجنبية، في هذه الطريقة تصبح تذاكر العائلة مجانية، وقد تزيد قيمتها النقدية ويصرف منها على رحلته المؤمَّنة.

الحقيقة لا نعرف ما إذا كان حضر ذلك المؤتمر أم لا، ولكن المهم هو السفر المجاني في الربوع الخلابة، وبعضهم يرجع ويلزم الصمت، وهذا يحسب له، أما بعضهم الآخر فهو يزيد ويعيد عن أهمية الورشة والدورة التي حضرها وكأن من يعرف الحقيقة «أبله»، لا يعرف ما يدور في دهاليز إدارات التدريب في الإدارات الحكومية.

المصدر: الحياة