ريم الكمالي
ريم الكمالي
كاتبة في صحيفة البيان

صالونات أدبية في الإمارات

آراء

يتطلع مؤسسو الصالونات الأدبية عبر ما ينظمونه من نشاطات إلى زيادة منسوب الجمال في هذا العالم الذي للكلمة النبيلة دور في بنائه، فهي الحامل للفكر بتجلياته، واللغة بتمظهراتها الرائقة.. نشاطات تقوم على احتضان المواهب وتقديمها في جلسات يكون النقاش والأخذ بالرأي والرأي الآخر مادة استمرارها وبقائها على قيد الثقافة.

نعم.. بالنقاش والنقد وتبادل الآراء تكتسب هذه النشاطات ديمومتها، إذ المجتمعات التي تُغيّب النقد هي مجتمعات سطحية، النقد البنّاء وحده من يجعلها تمتلك العين البصيرة والخبيرة والعارفة بنفسها، والنقد من ثم ليس انتقاصاً أو إهانة، بقدر ما هو فعل تقويمي، فلن نصل إلى الأفضل دون نقد ودون سجال ونقاش يكوّن منهجنا في هذه الصالونات وصولاً للتكوين الثقافي الأمثل.

في السنوات الماضية نشأت صالونات أدبية راقية بدولة الإمارات، كصالون الملتقى الأدبي، الذي أسّسته أسماء المطوع في عام 1999 بجهود شخصية دافعها حب الثقافة والأدب، ولقد أُدرج هذا الصالون في لائحة «اليونسكو»، مكتسباً الصفة الرسمية، ما يعد نجاحاً باهراً. وقد ظل الصالون يعقد جلساته منذ 17 عاماً، بواقع جلسة كل أسبوعين، تم من خلالها منح الكثير من المؤلفين فرصة تقديم تجاربهم بمختلف أشكالها.

ومما يلفت النظر أيضاً «صالون الأدب الروسي» الذي أسسه أخيراً الكاتبان مروان البلوشي ومحمد حسن المرزوقي، ورغم أنه لايزال فتيّاً لم يكمل العامين، غير أنه ناقش الكثير من القصص القصيرة والشعر والروايات الروسية بأسلوب معرفي عميق، وتأصيلاً لهذا التجربة تمت تسمية عام 2016 عام الروائي الروسي العظيم ديستويفسكي.

هذا فضلاً عن الصالونات الأخرى، مثل مقهى نادي الكتاب للسيدات الإماراتيات، الذي عرض تجارب الكثير من السيدات اللواتي كن بحاجة كبيرة لإبراز مواهبهن، حيث المنهاج المكتنز بالفقرات اللامعة، منها تناول كتاب في أول يوم ثلاثاء من كل شهر، وقد انتهين بدأب من مطالعة التوراة والإنجيل والقرآن، قراءةً وتفسيراً وتحليلاً علمياً دقيقاً، ناهيك عن الكثير من المخطوطات النادرة.

ومما نما لسمعي أيضاً أن ثمة مقهى أدبياً يدعى النخي، يقع في مدينة العين، أقيم منذ عقود طويلة، يقوم صاحبه بجمع الأخبار البعيدة من المذياع، يدوّنها ثم يقوم بتعليقها على الحائط لتكون مادة يناقشها الحاضرون.

ومن العناوين الثقافية التي استطاعت أن تكرّس حضورها وتمتد متجاوزة المحلية «الصالون الأدبي المتجول»، الذي من عبقريات القائمين عليه أنهم جعلوه فضاء متحركاً لا تحده الأمكنة، فله بكل شهر محطة يعلن عنها ليجتمع هناك نخبة من الأدباء وعشاق الثقافة مناقشين كتاباً أو تجربة ما.

هذا الصالون الخلاق له خصوصيته، إذ كل مؤسسيه من الشباب الإماراتي الطموح الناجح، باقة من الشعراء والكتاب، منهم أحمد المطروشي وطلال الصابري وعبدالعزيز باروت وحسن النجار وصالحة عبيد والنشيطة آمنة باروت، وغيرهم من الشباب الفاعل. وقد شهد هذا الصالون اهتماماً عربياً لافتاً، إذ كان من ضيوفه الشاعر والمفكر الكبير أدونيس، الذي حضر في الجلسة التي أقيمت للشاعر العراقي عمر عناز في الصالون الأدبي للناشر جمال الشحي.

كل هذا يقودنا لفهم مشترك، مفاده أن الجهود الفردية من شأنها أن تخلق مشروعات كبيرة، وأن الأفكار تنبت وتزهر وتشع سنابل مشرقة تحت أي عنوان إنساني يحتفي بالثقافة والأدب.

المصدر: الإمارات اليوم