عبدالله بن ربيعان
عبدالله بن ربيعان
أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية

فتح السوق للأجانب… ماذا بعد؟

آراء

أعلنت هيئة السوق المالية منتصف حزيران (يونيو) المقبل موعداً لبدء تداول المؤسسات الأجنبية مباشرة في سوق الأسهم السعودية، على أن تصدر الهيئة اللائحة النهائية المنظمة لدخول الاستثمار الأجنبي في الرابع من أيار (مايو)، الذي يبدأ اليوم، وتكون نافذة ويعمل بها اعتباراً من الأول من يونيو 2015.

بالتأكيد فتح السوق المالية للاستثمار الأجنبي خطوة مهمة في الطريق الصحيح لتحولها للتداول المؤسساتي وتقليل سيطرة التداول الفردي، الذي يشكل ما يزيد على 90 في المئة من حجم تعاملاتها اليوم، وما يتبعه وينشأ عنه من سلوك مضاربي غير مبرر، وظاهرة «سلوك القطيع» Herd behavior، وسيطرة عديمي الخبرة Noise Traders على مفاصل السوق بما يجعل «تطايرية» Volatility السوق مرتفعة، واستقرار أسعارها أمراً غير وارد.

وسيطرة الاستثمار الفردي في المملكة ظاهرة سلبية، ومتجاوزة لحدود المنطق، ولا يمكن مقارنتها بأية سوق أخرى (في الهند يمثل التداول الفردي 34 في المئة، وفي أميركا اثنين في المئة فقط، تقرير جدوى – أبريل 2015).

أيضاً فتح السوق للاستثمار الأجنبي سيرفع تصنيف السوق من «مبتدئ» إلى «ناشئ»، وسيجعلها مسجلة في المؤشرات الدولية المعروفة، كمؤشر «مورغان ستانلي للأسواق الناشئة» بعد عامين تقريباً من دخول الأجانب، ومن المتوقع أن تحصل السوق السعودية على وزن يعادل ما حصلت عليه السوق الروسية في المؤشر (حوالى أربعة في المئة).

التخوف الآني حالياً وفي المستقبل القريب هو من الارتفاع المفتعل الذي بدأت بوادره مع إعلان فتح السوق للأجانب، واستمراره حتى دخول السوق في مؤشر مورغان ستانلي، وهو ما حصل في سوقي قطر ودبي على سبيل المثال، إذ ارتفعتا بشكل كبير قبل إدراجهما في مؤشر مورغان ستانلي، ثم عادتا للانخفاض بدرجات كبيرة راوحت بين 20 و22 في المئة عن مستوياتهما قبل الانضمام إلى المؤشر.

التخوف الفعلي المستمر والمقلق في سوق المال السعودية هو محدودية عدد الأسهم المتداولة فيها، وبالتالي ضعف عمق هذه السوق، فالنسبة الحرة للتداول لا تتجاوز في أحسن حالاتها 45 في المئة من إجمالي عدد الأسهم المسجلة في السوق. وأما بقية الأسهم فهي مملوكة للصناديق الحكومية وشبه الحكومية، ما يعني أن الاستثمار الأجنبي سيزاحم الاستثمار المحلي على أقل من نصف السوق فعلياً.

وبنظرة أكثر دقة، فإن الأجنبي سيزاحم المستثمر المحلي على عدد قليل من الشركات المسجلة في السوق كـ«سابك» والمصارف وبعض شركات الأسمنت، وهي شركات شبه مستقرة ولا تتعرض أسهمها للمضاربة، مثل كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة في السوق، والتي ستبقى على حالها ولا ينتظر أن يصل إليها استثمار الأجانب.

وعلى رغم توقع وصول نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر في السوق إلى حوالى ثمانية في المئة (مساوية لسوق قطر) فإن بعض الشروط التي وضعتها الهيئة أمام دخول الأجانب (مازالت مسودة وستقر رسمياً بعد ثلاثة أيام) قد تصعب عملية دخولهم فعلياً، وهو ما يوجب مراجعة لائحة الشروط دورياً وتسهيلها بما يتوافق مع مثيلاتها في الأسواق العالمية.

ختاماً، الاستثمار الأجنبي يحمل معه كثيراً من الإيجابيات التي ستنعكس على السوق المالية تباعاً وبشكل يجعل أداءها أقرب إلى الأسواق الناضجة منه إلى الأسواق المبتدئة، إلا أن هذا لا يعني أن أنها ستنهي مشكلات السوق، فعمق السوق وضعف إجراءات الحوكمة، وضعف الأنظمة والتشريعات، وضعف المحاسبة فيها أمور واضحة للعيان، وهو ما يوجب على الهيئة وهي تفتح السوق للأجانب بيد، أن تكون يدها الأخرى مشغولة بإصلاح الخلل الهيكلي والتشريعي والتنظيمي، فالثقة لن تعود إلى السوق ولن يستقر أداؤها ما لم تصلح هذه الاختلالات.

المصدر: الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdullah-ibn-Rbeaan/