مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

“فوق النا خل”

آراء

أحياناً يحمل التراث الفني للشعوب كثيراً من المتعة بتداخلاته مع القصص المجتمعية في فترات البساطة قبل تطور العصر إلى مرحلة لم يعد فيها الناس قادرين على صناعة تراث يتركونه للأجيال المقبلة. ولا تكاد توجد أغنية تراثية إلا ونلقى معها رواية حول نشوئها الأول، ويحار الباحث في واقعية تلك الروايات أو كونها محض خيال أنتجه العقل الجمعي وقتها.

كمثال على ذلك، أغنية عراقية ما زالت تستعاد في كثير من السهرات والسمرات على المستوى العربي وليس العراقي وحده، ويعدها كثير من المدن من تراثها مثل حلب.. وما بين “فوق إلنا خل” أو “فوق النخل” ثمة حكايات تروى.. وهذا المطلع للأغنية الشهيرة التي انتشرت بصوت الفنان العراقي الراحل ناظم الغزالي، وأداها برقيّ الفنان السوري صباح فخري، فيه أكثر من قول.

فهناك من استهجن جلوس الحبيبة فوق النخل ليغني حبيبها لها وهو واقف تحت، ورأى أن المطلع هو “فوق إلنا خل.. فوق فوق، يابا فوق إلنا خل فوق”.. واستدل بقصة تفيد أن عاشقا يمر كل يوم ليحظى برؤية حبيبته وهو من ذوات العز والجاه، وتسكن قصرا منيعا يحيط به الحرس. وحين أثار الفتى ريبتهم سأله أحد الحراس عن سبب مروره اليومي من هذا الطريق، فأجابه “فوق إلنا خِل فوق….”.

ويرى بعضهم أن البلاغة هي عنصر رئيس في الفكرة، ففي البلاد التي تفخر بالنخل، يصفون الأثرياء وعلية القوم بأنهم “فوق النخل” رفعة، أي لهم مرتبة سامية ترقى لأن تعلو أعلى من ارتفاع النخل، ومن هنا جاء مطلع الأغنية بحسب تعبيرهم “فوق النخل”..

وفي رواية ثالثة، يفسر بعضهم الجملة بأن عاشقا أبصر القمر وهو جالس تحت نخلة، فتخيل حبيبته قمرا ومضى يغني لها: فوق النخل فوق، مدري لمع خده مدري القمر فوق.

في كتب النوتات الموسيقية، لا نجد الأغنية إلا وقد كتبت “فوق النخل”، وفي الأداء فإن حرف الخاء في “النخَل” أو “إلنا خِل” بصوت الغزالي وفخري يلفظ بالفتح وليس الكسر، مما يضعف الرواية الأولى ويقوي الثانية، إلا إذا كان المطربان قد تأثرا بلفظ سابق، فالأغنية قديمة لا يعرف زمن بدايتها.

قصة الحبيبة والخل والنخل تقود إلى أن التراث الشعبي ثرّ وغني بالأفكار، وربما كثير منها ما زال موضع جدل، وتحتاج دراسة وبحثا لاستكشافها، ومن خلالها يمكن اكتشاف بعض ما خفي عن طريقة تفكير المجتمعات سابقا وأنماط معيشتها وخصائصها.

المصدر: الوطن أون لاين