إدريس الدريس
إدريس الدريس
كاتب سعودي

في انتظار الاتحاد: يا أهل “الكره” اعقلوا

آراء

زاد في الآونة الأخيرة تعصبنا الكروي وتجاوز الحد، بل وصار يوقع الكراهية بين الأصدقاء والإخوان وأفراد العائلة، بل صار يوشك أن يقسم المجتمع فئوياً حتى صار هناك تحاب في الهلال والنصر والاتحاد والأهلي، وعلى النقيض كراهية مقابلة، فإن لم تكن معي فأنت ضدي.

والأكيد أن العرب شعوب عاطفية وتغلب عليها الحماسة، وهي تحول ترفيهها إلى معركة فيها فائز ومهزوم، فهم لم يتربوا على تقبل الهزيمة وأنها من شروط الحياة، فإن لم تعمل لم تخطئ، كما أنك لن تكسب إلى الأبد، ولن تخسر طبعاً إلى الأبد، وكان لا بد من تدريبهم وتعليمهم أن الخسارة حق مكتسب مثلها مثل الفوز الذي يأتي ويذهب.

وهذا الكلام نعرفه في دواخلنا لكننا لا نرضاه ولا نقبله. نريد فوزاً دائماً لنا وهزيمة دائمة لخصمنا، وهذا لا ينسجم مع الطبيعة ولا مع الأقدار، ولا مع الحظ.. القضية منعكسة على مستوى تقدم المجتمع. انظر للعالم الغربي كيف يذهب المشجع مع رفيقه أو رفيقته والوالد مع ولده، وكل منهما ينحاز لفريق مختلف ويشاهدون المباراة معاً في نفس المدرج، وإذا انتهت قال الفائز للمهزوم “هاردلك” فيرد الآخر مبروك هذه المرة، لكننا سنتحسن ونهزمكم في القادمة.

هكذا تتصرف الشعوب المتحضرة التي أدركت أن النشاط الرياضي ترفيه وتفريغ شحنات عاطفية تنتهي بنهاية المباراة، أما نحن فكأننا في معركة تنشب أضراسها بين الناس وتستمر الشماتة في حالة الهزيمة والفرح الجارف في حال الفوز، ويلحق العار بالمهزوم، ويزيد من تأجيج المسألة هذا الهذر الكلامي الذي يسبق ويعقب المباراة، كأن المتحدثين يحللون كيفية هبوط مركبة “كريوستي” في المريخ، مع أنهم يكررون كلاماً معاداً يقال كل مرة في الفوز والخسارة والتعادل مهما اختلف المتباريان. ليتهم يعملون بمصداقية ويقولون ما يرونه من حقائق بلا تعصب وانحياز حتى لا تتصاعد حدة التأجيج.

إجمالاً، نحن عاطفيون وحماسيون في كل ميولاتنا وهواياتنا، ونحول كل شيء إلى عقيدة. صارت الميول الكروية راسخة لا تقبل النقاش. انظر إلى التعصب الديني عند كثير منا وقس على ذلك انحيازنا الكروي الجارف للنصر أو الهلال أو الاتحاد أو الأهلي. وإليك انحيازنا للمطربين، كان لدينا فريق طلالي يميل ويحب كل أغاني طلال مداح، ويكره بالمقابل كل نتاج محمد عبده، والعكس صحيح. وحالياً صار لدينا فريق يميل لعبدالمجيد عبدالله وآخر لراشد الماجد، مع أن هناك فسحة من التذوق تسمح بسماع الجميع والانحياز للمنتج بعيداً عن صاحبه واسمه.

أقول كل هذا الكلام بمناسبة انعقاد دورة الخليج لكرة القدم هذه الأيام، راجياً أن تكون بعد أن أخذ وقعها وقيمتها في التآكل سبباً في زيادة تلاحم شعوب المنطقة وتحابهم وتشاركهم في الأنس والترفيه بهذه البطولة “الحبية” التي كان لها قصب السبق في تقدمنا الكروي، لكنها خلقت – فيما مضى- كثيراً من الدمامل، وأشعلت كثيراً من عطب النفوس.

ثم أقول هذا الكلام بسبب أن شعوب المنطقة تتطلع إلى قمة مجلس التعاون الخليجي القادمة في الرياض، والتي ستسعى لإقرار اتحاد دول المجلس، ولهذا فإننا نريد أن نقترب من بعضنا أكثر، وأن ننحاز إلى بعضنا أكبر من كل ما مضى، وأن نتجنب في هذه الدورة التنافسية كل ما يثير الفرقة وتدميل النفوس وتجريح القلوب بين شعوب هذه المنطقة التي تحمل الكثير من المشتركات وأسباب الالتقاء، على نحو يجعل دول المنطقة أولى بأن تكون دولة واحدة، خاصة مع ما يتهددها من المخاطر التي تعصف بأمنها واستقرارها من المحيط إلى الخليج، ومن البعيد إلى القريب، ومن أعداء الخارج إلى عملاء الداخل.

المصدر: الوطن اون لاين