حسن بن سالم
حسن بن سالم
كاتب و باحث سعودي

قيادة المرأة… اختيار لا إجبار

آراء

الحديث سعودياً عن قيادة المرأة للسيارة هو حديث موسمي، يتكرر من حين إلى آخر، وذلك بحسب ما قد يستجد حوله من مطالبات أو تصريحات أو غير ذلك، وهو حديث ربما سأم الكثيرون من كثرة تكراره وترديده، إذ لا جديد يذكر فيه على أرض الواقع على مستوى الصعيد الرسمي، ولكن الأمر الذي بات ملفتاً في طرحه، وتناوله في الآونة الأخيرة هو مدى التغير والتطور التدريجي الملحوظ في الفهم المجتمعي لقضاياه وحاجاته المتنوعة في واقعه التي منها القيادة، فالملاحظ هو أن أعداداً كبيرة من عامة أفراد المجتمع رجالاً ونساء أصبحت تدرك أنها أمام قضية هي بحاجة إلى حل وحسم لها، فهؤلاء لن ينتظروا أعواماً أخرى من أعمارهم، من أجل حسم الجدل والموقف الشرعي منها، بل باتوا يدركون بوعيهم وبالمنطق أن السيارة ما هي إلا وسيلة من وسائل النقل والمواصلات إلى جانب وسائل النقل الأخرى، وهي ليست أكثر من ذلك حتى يجري تحريمها، وأن الحاجة إلى القيادة باتت ضرورة وحاجة حياتية إلى المرأة والعائلة، سواء كانت عاملة أم موظفة أم ربة منزل، وليس كل ولي أمر يملك من الوقت والقدرة لتلبية وقضاء مشاوير أهل بيته، وأن التجارب الشخصية التي تسنت لكثير من العوائل السعودية التي أقامت في الخارج للدراسة والابتعاث والعمل أتاحت الفرصة للعديد من نسائهم بتعلم القيادة والحصول على رخصتها وقيامها بقضاء حوائجها وحوائج أبنائها وشؤونها الخاصة، وأدركوا من واقع مشاهدتهم أن قيادة المرأة للسيارة هو أمر ممارس في جميع الدول المجاورة لهمم التي يتشاركون معها في الدين والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، ولاحظوا أن المرأة قادرة على أن تجلس خلف مقود السيارة من دون أن تتخلى عن حجابها وعن لباسها المحتشم، وأن تلك التجارب من حولهم أثبتت أن المحاذير والمفاسد المترتبة على قيادة المرأة ما هي إلا تهويل وظنون، وأن القيادة لا تفضي إلى فساد أو تحلل، كما قد يصوره بعض الممانعون الذين يغضون الطرف عن أضرار واقعة ويقينية في حق الكثير من النساء في ظل المنع من القيادة، ويتمسكون بالمنع لمجرد توهمات أو ظنون في أحسن الأحوال.

يكفي للواحد منا فقط أن يرى مشهد المرأة لدينا في الشوارع والطرق الرئيسة وهي تقف تحت أشعة الشمس باحثة في مظهر غير حضاري وهي تستجدي بيمينها سيارات الأجرة، من أجل أن تقضي حوائجها ومتطلباتها ومراجعاتها، وما قد يتبع ذلك الانتظار من الأذى والتحرش اللفظي أو الحسي حتى بعد ركوبها سيارة الأجرة، وإلى أن تقضي وينتهي مشوارها، وما هذا إلا مشهد واحد يتكرر يومياً أمام مرأى كل رجل يقود مركبته، ناهيك عن أضرار أخرى معروفة ومشاهدة في الواقع، وإذا كان الواحد منا قد لا يستطيع أن يتحمل يوماً واحداً من غير سيارة لما قد يلحقه من الضرر الكثير من مصالحه وأعماله، ولا يستطيع تحمل مشقة الجهد والعنت المترتب من جراء ذلك، فكيف بمن تقضي مصالحها، وحوائجها وهي محرومة أعواماً وأعواماً من ذلك؟!

جميع ما سبق من المبررات والمشاهدات النظرية والممارسات العملية من حولنا جعلت الكثيرين يحسمون موقفهم الواضح من هذه القضية بضرورة المبادرة بسن وتهيئة القوانين والأنظمة التفصيلية كافة المتعلقة بالسماح لقيادة المرأة في خطة أو جدول زمني، خصوصاً في ظل عدم وجود ما يمنع في شكل واضح وصريح قيادة المرأة من الناحية النظامية، وذلك بافتتاح مدارس لتعليم المرأة أصول القيادة وحصولها على رخصة القيادة بإشراف وتدريب نسائي، وتشريع نظام لمكافحة التحرش بدرجاته ومستوياته كافة في الأماكن العامة ونطاق العمل بعقوبات صارمة وواضحة يعرف المتحرش من خلالها أي مصير ينتظره إن هو أقدم عليه، وأن يطبق على القوي قبل الضعيف، وأن ندرك أن الركون إلى قابلية وتأهيل المجتمع ككل أو في صورة أغلبية، يتعارض مع الحد الأدنى لما يعرف بحقوق وحريات الفرد الطبيعية التي تعتبر فوق كل القوانين الوضعية وحاكمة عليها التي لا يحق مصادرتها بقانون أو خرقها، لأنها جزء من جوهر إنسانيتهم، ويبرز فيها حق الفرد في تحديد اختياراته الشخصية والقبول أو الرفض بخلاف القضايا التي تمس المجتمع ككل، وتكون ملزمة لجميع أفراده في صورة تعاقدية في اتباعها وتنفيذها، فحرية الاختيار في أسلوب تصريف شؤون الحياة اليومية، ومنها حرية التنقل وقيادة السيارة على سبيل المثال في حال إقرارها والسماح بها، يبقى حق اختياري وغير ملزم لكل امرأة بقيادة السيارة.

ليطمئن الرافضون والممانعون بأنه لو سمح للمرأة السعودية بذلك فلن تجبر أية امرأة على القيادة، بل سيظل الأمر اختيارياً يترك لقناعة وحرية اختيارها، ويجب أن يدرك المعارضون بأنه لو كان «س» من الناس لا يمانع أن تقود زوجته أو ابنته سيارتها بنفسها، فليس ثمة أي حق لـ «ص» من الناس من التدخل في ذلك، ويقال للجميع: لكل خياراته ولكل حياته، ولكم قناعاتكم ولهم قناعتهم، دعوا كلاً يحدد قراره، فالله لم يجعلكم أوصياء على خلقه، ولن يكون أحد أحرص من الآخرين على أعراضهم ومحارمهم، وسيظل مطلب القيادة لدى المرأة هو مطلب مهم التحقق، سواء كان في رأس سلم أولوياتك أم في آخرها!

المصدر: صحيفة الحياة