لندن ومستقبل السياحة الإماراتية

آراء

تدور في الساحة الداخلية الإماراتية (المجتمع الحقيقي والافتراضي) أسئلة كثيرة حول الأهداف الحقيقية لحالتي الاعتداء ضد الأسرتين الإماراتيتين في العاصمة البريطانية لندن. الفضول يقتل الناس لمعرفة من المستفيد من الاعتداءين، أو من الذي يقف وراءهما، بل يصل الأمر أحياناً إلى الاستفهام عما إذا كان هناك استهداف للإماراتيين، أم أن الأمر محض مصادفة، على اعتبار أن الجريمتين تُعتبران سابقة فيما يخص الإماراتيين، وعلى اعتبار أنهما وقعتا في مدة زمنية قصيرة وفي مكان واحد، هو فندق كمبرلاند الذي لا يبعد كثيراً عن بادينجتون، وكذلك لأن طريقة تنفيذ الجريمتين تقريباً كانت متشابهة، على الأقل من حيث الأدوات التي كان يحملها المجرمون، وهي المطارق والسكاكين.

تبدو أسئلة الرأي العام الإماراتي وقلقه طبيعيين في ظل مجموعة من الاعتبارات. أول تلك الاعتبارات: هناك إدراك إماراتي لقدرات الشرطة البريطانية «اسكتلنديارد» في القبض على المجرمين والكشف عن تفاصيل أي قضية وفي زمن قياسي، وهم يستندون في هذا الإدراك إلى حادثة تفجير محطة القطارات في لندن عام 2005، وهي تُعتبر أكبر في تفاصيلها من هذه الجريمة. ثاني تلك الاعتبارات: معروف عن مدينة لندن أن مناطقها وشوارعها مراقبة بكاميرات تسجل ما يتم لحظة بلحظة، بل إن الإحصائيات العالمية تقول، إن نحو 20 في المئة من كاميرات المراقبة في العالم موجودة في لندن، ما يعني أن مسألة كشف أحداث الجريمتين ممكنة على الأقل بالنسبة للإنسان العادي. الاعتبار الثالث: أن المكان الذي حدثت فيه الجريمتان هو الأكثر تردداً عليه من جانب السياح عموماً، والسائح الخليجي بشكل أخص، ما يعني نظرياً وجود احتياطات أمنية أكثر دقة وإحكاماً.
هاتان الجريمتان وطريقة إدارة الشرطة البريطانية لهما ربما تجعلا لندن لا تتباهى بأنها المدينة الأكثر أماناً في العالم، كما يردد البريطانيون. كما أن تباطؤ (بل برود) الأجهزة الأمنية البريطانية في الكشف عن المعلومات لا يطمئن السائح الخليجي والإماراتي بشكل خاص، وإذا كان تركيز الكل على كاميرات المراقبة، فإن فعالية الشرطة البريطانية تكمن في إلقاء القبض على المجرمين في أسرع وقت وتقديمهم للعدالة كي يشعر الناس بالأمان.

بجانب تأخر الأجهزة الأمنية البريطانية في كشف تفاصيل الجريمتين للرأي العام الخليجي والبريطاني، فإن هناك تخوفاً من حدوث مشهد آخر، وفي تلك اللحظة ربما تدخل المسألة في أبعاد وتفسيرات أخرى، لهذا يكون من المناسب الشفافية في التحقيقات. الموضوع مهم بالنسبة للإماراتيين، وفي الحقيقة لا يمكن بأي حال ربط القضيتين بمدى تساهل السائح الإماراتي في الكشف عن حجم المبالغ المالية التي يحملها، كما يحب البعض أن يفسروا، لأن الإماراتي ليس وحده من يفعل ذلك، كما أنه ليس السائح الثري الوحيد الموجود في لندن، وبالتالي فالمسألة تحتاج إلى منطق.

أدري أن تصرفات بعض الإماراتيين وممارساتهم تشجع بعض ضعاف النفوس على أن يضعوا أمنهم الشخصي في خطر، لكن هذا ليس مبرراً لعدم توصل الشرطة البريطانية إلى تفاصيل القضية، كما أنه ليس مدعاة لأن يقوم البعض بالاعتداء بطريقة تهدد حياة الناس، ولكي نكون أمناء مع أنفسنا، فمن المهم جداً أن ننظر إلى المسألة باعتبارها جرس إنذار لاتخاذ الاحتياطات اللازمة عند التعامل خارج الدولة.

وبلغة الحسابات المادية، فإنه كلما اقترب وقت بدء الموسم السياحي في لندن، ولم تستطع الشرطة البريطانية الوصول إلى المعلومات حول الجريمتين، تخسر لندن التي يزورها كثير من الإماراتيين سنوياً، وهناك من يزورها أكثر من مرة في السنة. العامل الأمني سبب رئيسي في استقطاب السياح، وأعتقد أن السائح الإماراتي مهم بالنسبة لبريطانيا، فهو يصرف أكثر من 700 مليون درهم في السنة حسب إحصائية عام 2012. وحسب استطلاع للرأي قامت به صحيفة محلية، هي صحيفة «الرؤية»، فإن نحو 76 في المئة من الإماراتيين غيروا وجهتهم السياحية من لندن إلى جهات أخرى في العالم بعد الحادثتين، والنسبة قابلة للزيادة مع تباطؤ سير التحقيقات. والمهم أن العلاقة بين المواطن الإماراتي ولندن ليست وقتية، وإنما هي ممتدة منذ أكثر من نصف قرن، كما أنها متعددة الأشكال ما بين سياحة تعليمية وتسوق وعلاج وتجارة؛ وهذه الأخيرة هي الأقل تأثراً. وللندن مكانة خاصة لدى الإماراتيين من بين العواصم الأوروبية الأخرى، كما أنهم دائماً يحسنون الظن بأجهزتها الأمنية، وذلك تعبيراً عن ثقتهم فيها.

لا توجد دولة في العالم من دون جرائم، وإنما هناك نسب متفاوته فيها، ولندن تُعتبر من الدول الأقل نسبة في الجرائم، لذا كانت الوجهة المفضلة للسائح الخليجي والإماراتي خصوصاً، لكن في ظل استمرار عجز واحد من أقوى الأجهزة الأمنية في العالم عن تحديد الأسباب الحقيقية وراء تكرار الجرائم تكون المسألة بالنسبة للإماراتيين محل نقاش. لذلك تجد أن بعض الإماراتيين لا يريدون أن يصدقوا أن الحادثتين وقعتا في لندن، وأن الأجهزة الأمنية غير قادرة على الوصول إلى نتائج فيهما.

كل الشواهد في الإمارات -فيما يخص القيادة السياسية والمجتمع- تقول إن هناك إصراراً إماراتياً على معرفة المستفيد من الجريمتين. وزارة الداخلية أرسلت فريق تحقيق للمشاركة في معرفة الحقائق. والإعلام المحلي (الرسمي والاجتماعي) يتابع تفاصيل ما يُكتب حتى في الصحافة البريطانية. بل إن الإعلام البريطاني نفسه يستغرب تباطؤ الشرطة البريطانية في الوصول إلى الحقيقة. صحيفة «تلجراف» أبدت استغرابها في أحد تعليقاتها من حالة التباطؤ، وقارنت بين شرطة الإمارات في سرعة الكشف عن المجرمين وحالة «اسكتلنديارد» في هذه الجريمة.

في ظني أن الجريمتين توفران فرصة لا تُفوَّت للسائح الإماراتي في الخارج كي يكون منتبهاً إلى أمنه الشخصي، باعتبار أن مثل هذه الحوادث كانت تتكرر في مناطق أخرى من العالم أيضاً، لكنها لم تصل إلى هذا المستوى من العنف، والذي يبدو أنه تم مع سبق الإصرار والترصد، ولتكن أيضاً دعوة للتحلى بروح المسؤولية، وعدم ترك المسائل للمصادفة؛ لأن العالم تغير!

المصدر: الإتحاد