خليل علي حيدر
خليل علي حيدر
كاتب كويتي

ماذا لو انسحبت أميركا!

آراء

من المستبعد تماماً أن تنسحب أميركا من العالم العربي، وبخاصة المنطقة الخليجية ودول مجلس التعاون، ولكن من الممكن وربما المرجح أن تتغير أولوياتها أو تعيد ترتيب قواتها أو صياغة استراتيجيتها. ومما يؤكد هذا، انقسام ساسة الولايات المتحدة أنفسهم ومفكروها حول هذا القرار الخطير، إذ لا يعقل لقوة عالمية كالولايات المتحدة أن تدير ظهرها لمنطقة مهمة حساسة غنية ثرية، ومنتجة إلى جانب النفط، وتتركها لكل أشكال وألوان التعصب الديني والإرهاب المحلي والدولي!

“تخيلوا محاربة القاعدة.. بلا أميركا”! كتب عبدالرحمن الراشد، وقال: إن “القاعدة” أخطر حتى من النازية، لأنها اليوم تستخدم الدين في رفض الغير ومعاداة العالم”، وأضاف: “لحسن حظ الجميع أن القاعدة استهدفت عدداً من حكومات العالم التي تحولت لمحاربتها، وإلا لو بقيت كما بدأت تستهدف دولاً محدودة مثل السعودية ومصر، ربما كان الوضع أكثر خطورة. حالياً، “القاعدة” لا تمثل أبداً تهديداً لنظام بعينه، لكنها قادرة على إلحاق الأذى في كل مكان. وثبت أنها قادرة على البقاء والاختباء وتجديد خلاياها مهما لوحقت، وقادرة على الإنجاب مهما أبيدت أو جرت تصفية قياداتها”

“ويل مارشال”، يقول في مجلة “السياسة الخارجية” الأميركية، إن مثل هذا الانسحاب العالمي سبق وأن قامت به بريطانيا أواخر ستينات القرن العشرين، ولكن بريطانيا كانت امبراطورية والولايات المتحدة ليست كذلك رغم آراء اليسار الأميركي وجدال “نعوم تشومسكي”، و”جلين جرينوالد”، والزعم بأن أميركا تعيش لحظة “شرق السويس” الخاصة بها. وقد كتب أحدهم في مجلة Time موضحاً الشروط الأميركية المستقبلية للتدخل في الحروب كما ينبغي أن تكون: “يجب أن تقع الحرب فقط عندما تتعرض أميركا إلى هجوم، وعندما تُهدَّد أو عندما تتعرض المصالح الأميركية إلى الهجوم أو التهديد. أما التطهير العرقي، الإبادة، هجمات بغاز السارين على المدنيين؟ نأسف، هذه ليست مشكلتنا”. ويعني هذا منع تدخل الولايات المتحدة في العديد من قضايا العالم الثالث، التي لا تهدد أو تعني الكثير بالنسبة للمصالح الأميركية، كاضطهاد بعض الأقليات الإسلامية أو المسيحية، أو أتباع مختلف المذاهب والأعراق. فمن يدافع عن هؤلاء في المستقبل؟ وبخاصة إن ظهرت أحلاف دولية جديدة عمادها روسيا والصين وغيرها؟

“التوجه الانكفائي الذي تعتمده السياسة الخارجية لأوباما ليس جديداً، يقول “حسن منيمنة” “فمنذ استتباب أحادية القوة العظمى، إثر انهيار المنظومة الاشتراكية في التسعينات، والحديث في أوساط الفكر السياسي في الولايات المتحدة هو حول كيفية تجنب الانحدار نحو عسكرة النفوذ الأميركي في العالم. فإذا كان التأثير الأميركي على الدول والمجتمعات المختلفة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، أمراً مرغوباً فيه من جانب هذه الأوساط، فالتقويم الراجح لديها هو أن تصاعد النفوذ العسكري من شأنه أن يؤدي إلى توريط الولايات المتحدة بدور شرطي العالم، مستنفداً طاقاتها ومستنزفاً قدرتها على الاستمرار في الموقع الطليعي”.

ويستعرض “منيمنة” بعض الرهانات الأميركية على توازن السياسات الآسيوية بما يحقق الاستقرار في منطقتها، ويغني عن الوجود الأميركي، ويقول: “الواقع أن شبه الانسحاب الطوعي المتسرع لواشنطن من جنوب آسيا قلب معادلات، وأحيا السلطوية، ولم يمنح الهند مزيداً من النفوذ، وفيها كلها إضرار بالمصالح الأميركية. فالحال إذاً أن ليس من السهل التخلي عن دور القوة العظمى الوحيدة، لا في الهند وجوارها، ولا طبعاً في الشرق الأوسط بملفاته المتعددة”.

وينتقد د. جميس زغبي مجموعة الصور النمطية التي تحكم الرؤية العربية للسياسات الغربية والسياسات الأميركية بالتحديد، حيث يُفسر النجاح والإخفاق معظم الأحيان وفق نظرية التخطيط المحكم.. والمؤامرة!

يقول: “في هذا السياق، أشير إلى أسطورتين أساسيتين تؤثران في التصورات العربية، أولها أن العرب يعتقدون بأن الولايات المتحدة فائقة الذكاء لدرجة أنها تعرف ما تقوم به، كما أن النتائج والتحركات محسوبة سلفاً ومخطط لها بإحكام.

وتقول الثانية إن أميركا قوة عظمى وبإمكانها القيام بكل ما تريده دون حدود أو إكراهات، لذا عندما تتحرك في المنطقة وتخطئ، أو حتى عندما لا تتحرك أميركا، يعتقد الناس أن ذلك لسبب ما، ويندرج في إطار خطة معينة، والحال أن هذه الأساطير لا أساس لها، كما أن الاعتقاد بصحتها ينطوي على خطورة شديدة، لأن أميركا ليست بذلك الذكاء الفائق الذي يتصوره الناس في الشرق الأوسط، فالعرب لا يريدون أن يقتنعوا بأن أميركا يمكنها أن تخطئ، بل يسعون إلى تفسير الخطأ على أنه مقصود ومُبيَّت. وبعدما جُربت هذه الأساطير كثيراً في الحرب على العراق، تعود مجدداً للظهور لتحليل علاقة الولايات المتحدة مع مصر وسوريا. ففي الحالة المصرية، يرى البعض أن أميركا ساندت الإخوان المسلمين لأنها كانت في حاجة إلى خلق “هلال سُنِّي، في الشرق الأوسط يتصدى لإيران وحلفائها. والحقيقة أن ما جرى من تحركات أميركية كان أكثر تعقيداً من اعتباره مجرد دعم للإخوان، فمن جهة من الطبيعي أن تسعى أميركا للعمل مع حكومة مُنتخبة في أكبر بلد عربي، كما أنه من الطبيعي أن تسعى إدارة أوباما للتخفيف من حدة الاحتقان الذي سبق عزل مرسي، وأن تحث الأطراف على التصالح”.

أما بالنسبة لسوريا، فـ”هناك عامل الصراع الحزبي في واشنطن، والانهاك الشديد الذي أصاب الشعب الأميركي جراء حروبه المتكررة في الشرق الأوسط، وأن المعارضة منقسمة في سوريا وغير قادرة على تسلم الحكم بعد الأسد، ما يثير تساؤلاً حول من سيفرض الاستقرار في سوريا في حال سقوط النظام، فالشعب الأميركي لن يتحمل احتلالاً جديداً، ولست أعرف بلداً آخر مستعداً لعرض خدماته”.

بعض المحللين يشير في معرض الحديث عن “تراجع النفوذ الأميركي” إلى بعض التطورات ومنها مثلاً، كما يقول نيقولاس كفوسديف فيWorld Politics Review، إلى “الانقلاب المفاجئ في الموقف من سوريا، والإهانة العالمية الناجمة عن إغلاق خدمات الحكومة الأميركية، والتداعيات المستمرة نتيجة الكشف عن نشاطات وكالة الأمن القومي، والتصريحات القوية الصادرة من الرياض عن إقدام المملكة العربية السعودية على إعادة تقييم علاقتها بالولايات المتحدة، فهذه العوامل كلها رسخت الخطاب الذي يعتبر أن الولايات المتحدة بدأت تفقد قدرتها على رسم الأجندة العالمية”. ولعل ما يثير مخاوف العالم، وبخاصة البلدان الصغيرة والضعيفة والفقيرة تراجع الدور الأميركي في التصدي للإرهاب الدولي، كما فُهم من تصريحات “أوباما” مؤخراً، في مايو 2013، وانتقده “الجمهوريون” في الكونجرس، حين صرح جون ماكين، “لا نزال نجد أنفسنا في نزاع طويل وصعب مع القاعدة”، وأضاف أن ما أعلنه أوباما يعكس درجة لا تصدق من انعدام الواقعي، “وليس الآن وقت التخلي عن الجهود الجبارة التي نبذلها لضمان أمن الأميركيين”.

ويدرس الأميركي “كريستوفر لاين” التداعيات العسكرية لتراجع الدور الأميركي، ويعتقد “لاين” أن حقبة الهيمنة الأميركية توشك على الانتهاء، حيث بدأت السياسة الدولية تشهد مرحلة انتقالية. ويرى “ستيفن ميتز” أن آثار هذا التراجع لن تكون متماثلة في كل مكان، فسيكون ضعيفاً في مناطق أفريقيا جنوبي الصحراء، وستبقى أميركا اللاتينية، إن شملها الانسحاب كذلك، مصدر إزعاج، وبخاصة لوجود تنام لنشاطات حزب الله هناك، وتجارة المخدرات في المكسيك وأميركا الوسطى. ولدى الولايات المتحدة عدد من الأهداف الأمنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنها: “حماية الممرات التي تنقل نفط المنطقة إلى العالم، والحد من الكوارث الإنسانية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والحد من المساحة التي تنشط فيها القاعدة وفروعها، والحفاظ على الالتزام الأميركي مع الشركاء القدامى، وضمان أمن إسرائيل. ويشير المحللون، كما هو معلن اليوم، إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادي ستبقى الأهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة حتى في زمن تراجع النفوذ الأميركي، إذ تحتفظ الولايات المتحدة بمصالح اقتصادية عميقة وتجارة هائلة مع آسيا.

من جانب آخر، يرى بعض “المتفائلين” أن الولايات المتحدة لا تشهد تراجعاً في نفوذها، “بل إنها تخوض لعبة كبرى لإعادة التوازن إلى الوضع. فلم تعد التحالفات التي بنتها الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة تكفي للقيام بالمهمات المستقبلية”. ويضيف “ولترميد”، “لن تفقد الولايات المتحدة دور الريادة لكنها ستصبح هذه المرة جزءاً من عالم سباعي الأطراف لا ثلاثي الأقطاب، وبالإضافة إلى أوروبا واليابان، أصبحت الصين والهند والبرازيل وتركيا اليوم ضمن الدول التي تتواصل معها واشنطن مباشرة عبر خدمة الاتصال السريع، ولم تقرر روسيا بعد ما إذا كانت تريد الانضمام إلى تلك الدول. وبالنسبة إلى السياسة الأميركية الخارجية، تقضي الخطوة الأساسية، إجراء حوار استراتيجي عميق مع الشركاء الجدد، لكن دون نسيان أو تجاهل الشركاء القدامى”.

المصدر: صحيفة الاتحاد