عبده خال
عبده خال
كاتب و روائي سعودي

مطالبة بحَكم محايد

آراء

حينما تعود في هذا الحر القائظ إلى منزلك وتجد التيار الكهربائي منقطعا، فسوف يفيض جسدك بعفاريت وشياطين الدنيا وسوف يعبثون بك كما لو كانت شبكة أعصابك لعبة الإلكترونية، عندها سترتطم بكل الجدران وليس أمامك إلا الصبر أو مواصلة الارتطام.

وفي حالة الصبر ربما تحصل على اعتذار من الشركة السعودية للكهرباء، هذا إذا كان الانقطاع مرثونيا، أما لو كان الانقطاع لمدة ساعة أو ساعتين، فكل اليقين بأنك سوف تواصل تخبطك بين الجدران ولن تفلت من عفاريت (القايلة)، حتى وإن حصلت على الكلمة الذهبية (آسفين)، فإنها ستأتي متأخرة جدا بعد أن فرخ العفاريت في مخيلتك عشرات الصور التي لا تقبل بها وأنت في حالة انشراح، لكن شركة المياه الوطنية أكثر استفزازا، إذ أن قطعها للماء لا يقارن بتاتا بانقطاع التيار الكهربائي، فأحياء الأطراف من مدينة جدة تستفتح كل صيف بغياب الوايتات، ومن لديه شبكة فعليه الانتظار لأيام قبل أن يجد قطرة ماء.

وانقطاع المياه والكهرباء (الموسمي) غدا داء متغلغلا في كل مدينة، وتتعامل وزارة المياه والكهرباء مع هذا الداء بقرص (آسفين)، تتبعها جملة هوائية (ما في اليد حيلة).

وأعذار الوزارة لا تقدم ولا تؤخر، بل تبقيها في موقع المقصر دائما، وكان بإمكاننا التعامل مع سوء خدماتها كبقية الخدمات المقدمة مجانيا، إلا أن لهذه الخدمة جيوبا تفتحها لنا شهريا لندس بها أموالنا مقابل الحصول على خدمة متميزة، وفي حالة الرداءة يستوجب على الوزارة تعويضنا عن الإضرار التي تلحق بنا من جراء الانقطاع المتكرر للخدمتين (المياه والكهرباء)، وتصبح كلمة (آسفين) غير قابلة للصرف.

وقد سبق أن اشتكت الوزارة من سوء ترشيدنا حين أوضحت أن معدل استهلاك المياه في المملكة تجاوز لأول مرة 8 ملايين متر مكعب يوميا، بمعدل استهلاك 265 لترا، ولكي تظهر الوزارة محبتها لنا قالت إن ما يستهلكه الفرد المحلي يعادل ضعف استهلاك الفرد في الاتحاد الأوروبي، ولا أدري لماذا يتم ذكر الفرد الأوروبي، هل في ذلك إشارة للوعي (وهي تهمة نتبادلها مع الوزارة، فهل هو وعي الوزارة في الاتحاد الأوربي أم الفرد الأوروبي)، وأنا أرجح أن المسألة عائدة لوعي الوزارة الأوروبية، كونها سعت لأن يصل استهلاك المياه إلى الحد الأدنى، وما يؤكد هذا الظن أن وزارتنا تقول إن استهلاك الثمانية ملايين متر مكعب يوميا تشكل مياه البحر المحلاة (60%) من هذه الكمية، بينما ينتج قرابة (40%) من الآبار الجوفية.. إذ كيف لوزارة في دولة تعد من أفقر دول العالم مائيا تسمح بهدر مياه الآبار الجوفية بهذه الغزارة يوميا، إلا إن كانت لا تمتلك وعيا بأهمية المحافظة على استدامة ثروة شحيحة أدى هدرها إلى جفاف عشرات الأودية وتساهلت في استهلاكها ــ مثلها مثل وزارة الزراعة ــ على ري منتجات زراعية لا تغني ولا تسمن من جوع، فهذا الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية يدلل على غياب الوعي، فهل هو وعي الوزارة أم وعي الفرد؟ ومن زاوية أخرى يطلق على بلادنا مسمى شبه الجزيرة العربية، أي أنها محاطة بمسطحات مائية مالحة ومع توفر الميزانيات الضخمة، لماذا لا تقوم الوزارة بإنشاء محطات للمياه المحلاة تلبي الاحتياج السكاني، وإن كان هذا مرهقا لها، فلماذا لم تصل رسالة توعيتها وإرشادها بتقليل الاستهلاك، كما يحدث لاتحاد دول أوربا التي يستهلك فيها الفرد نصف ما يستهلك الفرد لدينا.

وأذكر أنني كتبت عن هذه الشكوى بأنه من غير المقبول تبادل الشكوى، فنحن نشتكي من خدمات الوزارة، والوزارة تشتكي منا، وطالبت بحكم محايد يقف على الشكويين، ونسأله: من مِن الطرفين يمتلك قدرة التغير والتأثير وربما يكون حكمنا به هوى، وسيحملنا جريرة كل ما يحدث من انقطاعات، ولهذا سنقبل بالكلمة الذهبية (آسفين)، مع رشف قليل من الماء المحلى تحت هواء المكيف البارد.

المصدر: عكاظ