عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

نادية.. قصة مبتعثة

آراء

ترددت نادية طويلا قبل استكمال إجراءات ابتعاثها إلى أمريكا. فالعديد من أقاربها عارضوا فكرة دراستها في الخارج كونها في عمر خطر على حد زعمهم. لقد كانت في الخامسة والعشرين، وقتئذ. أي أن قطار الزواج سيفوتها لو ذهبت إلى الولايات المتحدة. لم تخش نادية ضياع الزوج فحسب، إنما الوظيفة كذلك. فرغم أنها غير موظفة آنذاك إلا أن عمتها حذرتها من أن الوظائف ستهطل عليها إذا سافرت وحينها ستصرف بقية حياتها في الندم والانتحاب إثر قرارها بالالتحاق ببرنامج الابتعاث. كان شقيقها الأصغر هو الداعم الرئيس لها قال لها تعالي عندي وارمي كل الكلام الذي سمعته خلف ظهرك. راق لها كلام شقيقها كثيرا لأنه يتوافق مع رغبتها في متابعة دراستها في التخصص، الذي طالما كانت تحلم بدراسته لكن عدم وجوده في السعودية حال دون تخصصها فيهِ. سافرت إلى أمريكا وبدأت الدراسة. عانت الغربة رغم وجودها مع شقيقها لكن معاناتها الأكبر كانت مع حالة القلق التي انتابتها بسبب خشيتها أن يصح كلام الأقارب في أنها ستخسر أكثر من أن تكسب إثر قرارها بمتابعة دراستها العليا في الخارج.

سيطرت على نادية الوساوس خلال شهورها الأول لكنها بدأت تخفت تدريجيا مع انغماسها في دراسة الماجستير ومتطلبات الدراسة المكثفة. لم تعد تملك وقتا كبيرا لتفكر وتتأمل وتسترجع ما قيل وما يقال.

بعد نحو تسعة أشهر فقط تلقت نادية خبرا سارا. تقدم إلى والدها شاب مميز للزواج. كان أفضل مما تطمح إليه. موظف واعد في شركة كبرى، وعلى درجة عالية من الأخلاق حسبما توصل إليه أشقاؤها بعد استقصاء طويل. طرق بابها بعد ما سمع من أختها، التي تسكن في حيها نفسه عن طموحها وإصرارها على استكمال الدراسة. عقد قرانه عليها بعد عودتها إلى الوطن في أول إجازة. وطوال دراستها لعامين كان يمطرها بالرسائل والدعوات والتشجيع. حفزها ودعمها. أكد لها أنه لولا سفرها التي كانت مرتابة منه لربما لم يعرف عنها شيئا.

لقد أثبت هذا الموقف عدم صحة كل المخاوف، التي أحاطت برحلة نادية. باتت بعثتها سندا لها وليس عائقا كما تصورت. فرغم كل التحذيرات التي اعترضتها كانت النتائج مختلفة تماما.

تساءلت بيني وبين نفسي ماذا سيكون مصير نادية لو انصاعت لكلام الناس .. ربما خسرت حلمها الدراسي وزوجها؟

أشفق على كل من يتخلى عن حلمه بسبب كلام الناس. سيخسر حلمه ونفسه والناس. فالناس لا يعبأون بالمهزوزين والمهزومين.

واصل سقاية حلمك بلا توقف. فهي كالبذور لن تخذلك أبدا. تغرسها جذرا، فترتفع جذعا.

المصدر: الإقتصادية