هل الإسكان والبطالة أكبر من أجهزة معالجتهما؟

آراء

الإجابة على هذا السؤال، تثبت بموجب البيانات الرسمية المتوافرة حتى تاريخه، أنها بالإيجاب! وأنها لم تتأخر عن القول بنعم، وأن تحديات أزمة الإسكان (المفتعلة) زائدا تحديات سوق العمل (المختزلة)، لم تواجها حتى تاريخه بالحلول والأدوات اللازمة للحد منهما، ومن ثم القضاء عليهما.

الأعجب في سياق الغوص في أعماق كل قضية من القضيتين أعلاه، أنه على الرغم من حجم الموارد الهائلة التي سخرتها الدولة لكل من وزارتي الإسكان والعمل، وهي موارد مالية ضخمة تكاد تناهز النصف تريليون ريـال، وعلى الرغم من وضوح أسباب كل أزمة من الأزمتين (الإسكان، البطالة)، والوضوح الأكبر لسبل حل كل أزمة منهما لدى كلا الوزارتين، إلا أن النتائج المتحققة حتى تاريخه ووفقا لما صدر من بيانات وتصريحات رسمية عن كلا الجهازين (الإسكان، العمل)، تؤكد أننا لا نزال نقبع في المربع الأول من مواجهة كل من الأزمتين، مع الأخذ في الاعتبار زيادة حجمهما طوال فترة الأعوام الأخيرة.

يبين البحث في أداء كلا الوزارتين طوال الأعوام الأربعة الماضية، على الرغم من اختلاف طريق كل جهاز عن طريق الآخر، أنهما تقريبا وصلا إلى النتيجة نفسها، فالأولى (الإسكان) وفقا لتقييم عملها حتى اليوم، اكتفت بالتحرك الأقرب إلى سكون الخطوات، إن لم يكن عدم التزحزح عن موقع أقدامها منذ كلفت بمهام مواجهة أزمة الإسكان! بينما انطلقت الثانية (العمل) في سرعات خاطفة في كل اتجاه على عكس الأولى، ولم تفتأ طوال الأعوام الأخيرة عن إطلاق العشرات من المبادرات والبرامج والقرارات والإجراءات، ولم تقف عند هذا الحد؛ بل سرعان ما تلجأ وزارة العمل بعد عدة أشهر لتعديل أو تبديل أو إلغاء أي من تلك البرامج بحجة التطوير والترقية! وهو ما أوقع سوق العمل في مطبات وضبابية لا تزال قائمة حتى تاريخه!

هل يعقل أننا حتى تاريخ اليوم لا نزال في حيرة من الأمر تجاه: (أولا) كم نسبة تملك السعوديين لمساكنهم؟ ووقوعنا ضحية للتضارب في الإحصاءات حول هذه النسبة بين من يراها فوق 61 في المائة، ومن يراها تحت 32 في المائة! وكيف لك أن تحدد أي طريق تسلكه وأنت تفتقد إلى أول وأهم مؤشر ستبني عليه قراراتك الاستراتيجية؟ فما بالك ببقية المؤشرات الأخرى المتعلقة بسوق الإسكان! ولعل المفاجأة بالنسبة لك ستكون أقرب إلى الصدمة إذا علمت بأن فائض الوحدات السكنية حتى نهاية 2014 قد فاق 635 ألف وحدة سكنية، وأن سوق الإسكان ينتج وحدات سكنية جاهزة بمعدل يراوح بين 30 ألفا إلى 40 ألف وحدة سكنية بموجب بيانات هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج، وأن حجم تدوير الأموال على قطع أراضٍ مكونها الرئيس (التراب) دون تطوير أو أية خدمات مساندة، وصل في 2014 وما قبلها إلى أكثر 94 في المائة، وأن أسعار الأراضي والمساكن تجاوز نموها خلال أقل من 7 أعوام 400 في المائة، وبعضها تجاوز نموها للفترة نفسها 950 في المائة! ثم تزداد الضبابية وتحت مظلة غياب الإحصاءات الرسمية عن النشر في هذا الشأن بالذات، ليأتي من يقول إن الأسعار لم تتضخم، وإن سوق الإسكان بحاجة إلى ضخ أكثر من 4.0 ملايين وحدة سكنية، إلى آخر التصريحات المضللة التي لا هدف لها سوى تحقق مصالحها الضيقة على حساب مقدرات البلاد والعباد!

وهل يعقل أننا حتى تاريخ اليوم لا نزال في حيرة من الأمر تجاه: (ثانيا) كم معدل البطالة بين السعوديين؟ ووقوعنا أيضا ضحية للتضارب المماثل تجاه هذا المعدل الغائب عن التأكد والموثوقية بين الأجهزة المعنية المختلفة! ولعل ما أظهرته بعض المؤشرات المبنية على مجرد (مسح) صادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، مقابل عدم نشر البيانات الفعلية والشاملة لدى صندوق الموارد البشرية، أقول على الرغم من الاعتماد على المصدر الأول المستند إلى مسوحات لا تتجاوز عينتها 30 ألف أسرة، ورغم الدقة التي تحظى بها البيانات المخزنة لدى المصدر الثاني، إلا أنها كشفت عن اصطدامنا بمعدلات بطالة أعلى ما كان منشورا، وبحقائق لا تبعث على الاطمئنان تجاه تبويب العاطلين والعاطلات عن العمل من السعوديين، التي بينت أنهم يتوزعون حتى نهاية 2014 وفق الآتي: 0.8 في المائة من حملة شهادات دبلوم عالٍ/ ماجستير/ دكتوراه، 52.4 في المائة من حملة شهادة البكالوريوس أو الليسانس، 8.6 في المائة من حملة شهادة دبلوم دون الجامعة، 35.0 في المائة من حملة الشهادة الثانوية أو ما يعادلها، 4.9 في المائة من حملة الشهادة المتوسطة، 2.4 في المائة من حملة الشهادة الابتدائية، 0.4 في المائة يقرأ ويكتب، 0.05 أميين).

حينما تقارن هذا التوزيع حسب التعليم للعاطلين عن العمل بالمقابل له من توزيع فرص العمل المقدمة من القطاع الخاص، وتحت إشراف وزارة العمل، التي تبين أن أكثر من 86.0 في المائة من تلك الوظائف لا تتطلب مهاراتها وخبراتها والشهادات اللازمة لشغلها أكثر من الشهادة المتوسطة! أي أن الصالح من الوظائف المقدمة لا يناسب إلا أقل من 7.75 في المائة أعداد العاطلين عن العمل! فيما على نحو 92.3 في المائة من العاطلين الانتظار إلى أجل غير معلوم.

وأمام الضغط الكبير الذي خضعت له منشآت القطاع الخاص جراء برامج التوطين العديدة، لم يكن من أمرها إلا أن تورط عديد منها في جرائم التوظيف الوهمي، وها هي اليوم وزارة العمل تسير في الاتجاه المعاكس لمحاربة تلك النتائج التي أفرزتها ذات برامجها!

قد يقول قائل؛ أصابنا الملل والحيرة لحدود اليأس من تكرار هذا الحديث، ومن تكرار حلول كان يفترض دخولها حيز التنفيذ والعمل الحقيقي، وقد يكون هذا صحيحا بالنسبة للبعض، لكنه يجب ألا يغيب عن الرؤية والتبصر من قبل تلك الأجهزة المعنية بملفي الإسكان والبطالة، وأنه بالفعل وفقا لواقع الأزمتين تعدان أكبر من قدرات وزارتي الإسكان والعمل لوحدهما، وأن إغفال اللجوء لأدوات وسبل أوسع وأعم، والاكتفاء فقط بما هو جار العمل عليه وفق الطرق التقليدية المنفردة لكل وزارة من الوزارتين، لن نرى من النتائج أكثر ما هو قائم بين أيدينا في الوقت الراهن! فهل من آذان صاغية لتلك الحلول البديلة التي سبق ذكرها في أكثر من مقام ومقال صدرت من عديد من المختصين؟! والله ولي التوفيق.

المصدر: الإقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/03/09/article_938245.html