عبده خال
عبده خال
كاتب و روائي سعودي

هل سيصبح التحرش واجبا ؟

آراء

كثيرة هي المرويات التي راجت بين الناس بينما حدوثها فيه شك، إذ لا تتسق الحادثة مع من نسبت إليه، ومنها قصة الزبير بن العوام ــ رضى الله عنه (أحد المبشرين بالجنة)، فقد روى عن ابن وهب عن مالك أن أسماء بنت أبي بكر كانت تخرج حتى عوتب في ذلك، فعتب عليها وعلى ضرتها (يقال إنها عاتكة بنت زيد)، فعقد شعر واحدة بالأخرى ثم ضربهما ضربا شديدا، وكانت الضرة أحسن اتقاء، وكانت أسماء لا تتقي فكان الضرب بها أكثر؛ فشكت إلى أبيها أبي بكر ــ رضي الله عنه ــ فقال لها: أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح، ولعله أن يكون زوجك في الجنة.

وهي رواية غريبة ومتحاملة على نماذج رائعة في تاريخنا الإسلامي، وتختل هذه الرواية (في مصداقيتها) لأن مالك ابن أنس لم يدرك أسماء بنت أبي بكر، ولأن الرواية لم تذكر ممن أخذ مالك هذه الحكاية، ولهذا فهي حكاية ساقطة ولا يعتد بها، لكن الجهل بقيم الإسلام العظيم يجعل من مثل هذه الحكايات بابا واسعا للرجل لأن يضرب زوجته بحجة أن الصحابة فعلوا ذلك، والعقل يقول حتى وإن فعل أحدهم ذلك ففعله خاص به وليس تشريعا ربانيا يقتدي به.

هذه التوطئة كانت مهمة لدحض تغريدة (غير مسؤولة) غرد بها أحدهم من أن الزبير بن العوام (منع زوجته من المساجد فأبت، فقعد متنكرا في طريقها فلمسها فتركت الخروج، وقالت: كنت اخرج والناس ناس وقد فسد الناس فبيتي أوسع لي).

وكان الهدف منها دعوة الرجال (الأزواج) إلى التحرش بنسائهم لمنعهن من الخروج للعمل ككاشيرات، إلا أن النية الحسنة إذا نتج عنها فعل قبيح، فإنه لا يعول على النوايا، وإنما على الأفعال وما تحدثه من ضرر يلحق بالمتضرر.

فهل كان هذا المغرد يظن أن تحريضه على التحرش سوف يقتصر على الأزواج، أم أن تحريضه سيكون دعوة للعامة لكي يتحرشوا بكل امرأة خرجت تطلب رزقها ؟

وهل يستوعب هذا المغرد أن كل امرأة خرجت بحثا عن رزقها إنما خرجت بعلم ذويها، ولهذا لن يخرج أحد من ذويها للتحرش بها؛ لأن الشارع لم يعد شارعا مظلما لا يرى فيه أحد لكي يلمسها زوجها أو أحد السفلة الذين سيجدون في هذا التحريض فرصة للمس والمسك والتطاول على أي امرأة تعمل.

هي أسئلة كثيرة يمكن أن تعلق هنا، فمثلا: هل تم التحرش بالصحابيات اللاتي حضرن المعارك أو طببن الجيوش أو خرجن للمساجد غير القصة التي ذكرها؟.

والدعوة للتحرش بالعاملات ككاشيرات دعوة سقيمة لمنع عمل أحله الله، أما ما ينتج من تصرفات شاذة ممن يعترض المرأة العاملة، فهو المحرم والمجرم، والذي يجب أن تقوم الدولة بسن القوانين لضرب العابثين على أيديهم وعقولهم المريضة والتي لا تفهم من معاملات الواقع إلا المنع.

كل الخشية أن يشرع التحرش مثل هذه التغريدة، عندها سنجد أنفسنا حيال معضلة حقيقية، ولن تفلح في ردع شخص يقف أمامك محاجا بأن التحرش واجب!.

المصدر: عكاظ