عبد الله صادق دحلان
عبد الله صادق دحلان
كاتب و رجل أعمال سعودي

هل يمكن إعفاء المتعثرين عن سداد ديون الدولة؟

آراء

قبل أمس، الخميس 15 جمادى الآخرة 25 أبريل، طالعتنا صحيفة “الوطن” بعنوان رئيس على صفحتها الأولى مفاده تقسيط ديون الدولة على المتعثرين. ويفيد الخبر بأن ثلاث جهات حكومية بدأت تطبيق لائحة ديون الدولة لدى المواطنين وتقضي بتقسيط ديون الدولة على المتعثرين عن السداد بأقساط ميسرة لمدة لا تزيد على عشرين عاما. وحسب معلومات صحيفة الوطن المنشورة في العدد نفسه أن وزارات الداخلية والمالية والعدل بدأت تفعيل اللائحة وتقسيط الديون والغرامات المستحقة على المتعثرين بأقساط ميسرة، على أن تتولى وزارة المالية صلاحية تقسيط ديون الدولة على العاجزين عن الوفاء بها وألا تزيد مدة الأقساط على 240 شهرا. وأوضحت مصادر “الوطن” أن اللائحة التي أقرت أخيرا وباشرت الجهات المعنية تنفيذها تقضي بأنه (إذا تأخر المقترض عن سداد أي قسط من الأقساط المستحقة عليه يشعر كتابيا بسداد الدين خلال ثلاثين يوم عمل من تاريخ الإشعار وإذا لم يسدد ينذر نهائيا خلال 15 يوم عمل وإذا انقضت المدة ولم يسدد أو يقدم ما يثبت أسباب توقفه عن السداد يلغى التقسيط وتصبح باقي الأقساط واجبة السداد، وأضافت المصادر أن اللائحة تقضي بأنه في حال عجز المدين عن سداد الأقساط فإنه على الجهة الدائنة مطالبة المدين بسدادها دفعة واحدة واتخاذ الإجراءات اللازمة أمام المحكمة المختصة للحجز على أمواله في حدود الدين الذي عليه، مشترطة عدم النظر في إعفاء أو تقسيط الديون المترتبة على المدينين في جرائم اختلاس أو تزوير أو تحايل).

إجراءات تشكر عليها الدولة في تيسير دفع المستحقات على المواطنين للدولة، وكما يعد ـ نظاما ـ أن ديون الدولة ديون ممتازة واجبة السداد ولها الأولوية في التصفيات. وللحقيقة أن رعاية ولاة الأمر للمواطنين هي رعاية الأب لأبنائهم وكما جاء في الحديث الشريف “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”. والأصل في الدين السداد وإعادة النظر في طرق ووسائل السداد ترتبط بقدرة المدين على السداد في جميع الظروف بما فيها تعثره.

والدين واجب السداد حتى على ورثة المدين إذا توفاه الله. والمتعثر في سداد الدين يتوقع من الدائن الصبر والانتظار وإمهال المدين المدة الكافية للسداد (فنظرة إلى ميسرة)، ومن هذا المنطلق أنشئت لجان المعسرين لسداد ديون المتعثرين عن السداد لظروفهم المالية الصعبة بعد التأكد منها، والإعسار له شروط لإثباته وأصعب هذه الشروط هو أن يكون المتعثر في السداد قد دخل السجن في مديونيته. ومن أكبر المساهمين في فك عثرة المتعسرين في سداد الديون هو خادم الحرمين الشريفين الذي اعتاد على فك أسر سجناء الدين بالدفع عنهم كل عام قبل بداية شهر رمضان بعد استكمال الشروط.

ولا أنسى دور بعض رجال الأعمال الموفقين للخير في جميع مدن المملكة الذين يعملون طوال العام لفك أسر سجناء الدين، رحم الله من توفاه الله منهم وعفى عنه وأسكنه فسيح جناته بإذن الله، وجزى الله خيرا من يقومون على لجان فك أسر السجناء التي أدت ديونهم لسجنهم. وهذا ما يدفعني اليوم أن ألتمس العفو عن المتعثرين الذين ثبت بأنهم مفلسون وغير قادرين على السداد اليوم وغدا وبعد عشرين عاما لمرضهم أو لعجزهم أو لمصيبة ألمت بهم أو لأي سبب من الأسباب القاهرة التي أدت لسجنهم، لأن تمديد فترة السداد لعشرين عاما لشخص مفقود الأمل في سداد دينه يعد زيادة في أعباء التقاضي والمتابعة من الدولة في أمر معروف نهايته. ولهذا فإن مبادرة الدولة في ظل الظروف الاقتصادية الجيدة وفي ظل فوائض الدخل الجيدة؛ لهذا أطمح ويطمح غيري من أبناء هذا الوطن أن تكون هناك قرارات إنسانية بإعفاء المتعثرين في سداد ديون الدولة بحد أعلى خمسمئة ألف ريال بعد التأكد شرعا من عدم قدرته إطلاقا على السداد.

وإن كنت لا أعلم عن حجم ديون المواطنين المتعثرين في سداد ديون الدولة نظرا لعدم إعلان الأجهزة المعنية في الدولة لهذه الأرقام والإحصائيات وأنواع الديون وتوزيعها الجغرافي، إلا أنني أجزم بأنها مهما بلغت فإن الدولة قادرة على شطب هذه الديون من سجلاتها ومن قائمة المدينين.

إن الأزمات التي مر بها بعض المواطنين وعلى رأسها أزمة انهيار سوق الأسهم السعودية قبل سنوات أدت بآلاف المواطنين إلى التعثر في سداد الديون الخاصة والعامة. فإذا كانت لجان مساندة فك أسر المعسرين من السجن والتي يدعمها بعض أهل الخير من التجار ورجال الأعمال والميسورين استطاعت أن تقوم بالدور الكبير لمساعدة المتعثرين في سداد الحق الخاص فالدولة أولى منهم بالقيام بالعفو عن المتعثرين في سداد ديون الدولة. وكما روى في الحديث النبوي الشريف عن حذيفة قال: أَتَى اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ أَتَاهُ اللَّهُ مَالا فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ: يَا رَبِّ أَتَيْتَنِي مَالا فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ فَكُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: “أَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي”.

إن أملنا كبير وطموحنا أكبر في إعفاء المتعثرين في سداد دين الدولة وعلى وجه الخصوص أصحاب قروض الإسكان وقروض الزواج وقروض أصحاب المهن الحرة وقروض المزارعين وأصحاب المراعي وغيرهم من ذوي الحاجات.

المصدر: الوطن أون لاين