وزراء إعلام «التعاون» في مواجهة الحقيقة

آراء

لم تكن أعمال «الملتقى الإعلامي الخليجي» الأول بأقل أهمية من قرارات مؤتمر وزراء الإعلام الحادي والعشرين لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي التأم في مملكة البحرين يوم 30-9-2013؛ ذلك أن اللقاء المباشر بين الوزراء – ومن يمثلونهم – مع أكثر من 150 إعلاميا وإعلامية من الخليج العربي، كان فرصة للوزراء للتعرف على ما يجول بخاطر هؤلاء الإعلاميين الذين ينتمون إلى الدول الست الأعضاء بمجلس التعاون، مع الإقرار باختلاف مدى واتجاهات الإعلام في هذه الدول.

ولقد حظي عنوان الملتقى «وسائل الإعلام والاتصال والأمن القومي» باهتمام ونقاشات المنتدين والتي ركزت حول عدم جواز الربط بين مهنية وسائل الإعلام والتواصل وبين الأمن القومي! ذلك أن هذا الأخير من اختصاصات الجهات الأمنية، وأن ذلك الربط قد يدلل على اتجاه لإمكانية فرض قيود وكوابح جديدة على الإعلام والاتصال! ولقد دافع المؤيدون للعنوان ودلالاته بأن الإعلام شأنه شأن البيئة والتعليم والصحة والتنمية الشاملة، لا بد له من حماية ضمن الحمايات الأخرى التي يقتضيها الأمن القومي.

وكانت قضية «الفوضى الإعلامية» في السماء العربية في الفضائيات، وتلك عبر أدوات التواصل الاجتماعي على الأرض، من القضايا التي استأثرت باهتمام المنتدين في الملتقى، حيث دافع الشباب من مريدي أدوات التواصل الاجتماعي عن حقهم في البحث ونقل المعلومة للآخرين، وأنه لا يجوز تقييد حرياتهم بفرض المزيد من القوانين المقيدة لتبادل المعلومات (يشكل الشباب 77 في المائة من مجموع المتواصلين في تلك الوسائل)، في حين رأى بعض «المحافظين» من الإعلاميين «المخضرمين» أنه لا بد من ضبط نسبي لحالة «الفلتان» الإعلامي على أدوات التواصل الاجتماعي، وأن القوانين المنظمة لهذا التواصل إنما تأتي لحماية المتواصلين، وعدم تركهم «يغالون» في «اللهات» في ما وراء السرعة و«نهم» نقل المعلومة التي في بعض الأحيان تكون غير دقيقة وتخلق أجواء من الإرباك في المجتمع، ولربما اجترأت على حقوق وكرامة الآخرين. ولأن أكثر المتواصلين عبر هذه الأدوات من الشباب وبعضهم ليست لديه الخبرة أو الدراية بالحقوق ومساحات الحرية، فقد ينزلق إلى توريط نفسه في قضايا تورده موارد سيئة في المحاكم. كما أنه من حق الدولة حماية مواطنيها من الدعوات الهدامة وأساليب التحريض على العنف والإرهاب أو نشر الكراهية والطائفية بين أفراد المجتمع. ورأى رسميون أن للدولة الحق في حماية نفسها من خطر سلاح تدفق المعلومات المغلوطة والافتراءات الباطلة التي لها انعكاسات خطيرة على مستقبل الدولة، كما ورد على لسان وزيرة الدولة لشؤون الإعلام في مملكة البحرين الأستاذة سميرة رجب.

نحن نعتقد أن الإشكالية الأساسية في المشهد الإعلامي والاتصالي الخليجي تكمن في عدم قدرة كثير من وسائل الإعلام التقليدية على مواكبة التحولات السريعة في نقل المعلومات، وفي عدم وجود منظومة أخلاقيات «Codes Of Ethics» تحكم المتواصلين على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يمكن أن يحول هذه الوسائل – في ظروف محددة – إلى «صحافة صفراء» تضر المجتمع، خصوصا في ظل ظاهرة التخفي وراء الأسماء المستعارة، وقدرة التكنولوجيا المتطورة على إخفاء موقع المتواصل! لذلك لا بد من وجود قوانين تحكم هذه الظاهرة التي – في جوانب عدة منها – تضر بالآخرين وبقيم المجتمع عامة، ولكن لا يجب أن تكون هذه القوانين «مضرة» أيضا بحرية التعبير العاقلة – التي توصل إليها المجتمع الخليجي بعد عراك طويل – والتي تتناول القضايا الأساسية والمصيرية للمجتمع.

الجلسة الأخيرة في أعمال الملتقى كانت لقاء وزراء الإعلام الخليجيين مع الإعلاميين والمتواصلين، وكانت مواجهة مع الحقيقة، حيث تم تناول موضوع «التشريعات الإعلامية بين ضمان حرية الرأي والتعبير والحفاظ على الأمن القومي». وأشار بعض الوزراء إلى أن هناك ضرورة لتنظيم الإعلام من دون أن يعني ذلك تقييد الحريات والتضييق على الإعلاميين. وقد تطرق الوزراء إلى تجارب بلدانهم في وضع القوانين المنظمة للإعلام، وأكدوا على أن القوانين تكون لتنظيم الممارسة الإعلامية وليست لتقييد الحريات، وأنها توضع لحماية المجتمع بكافة أطيافه. معلوم أن هنالك تفاوتا في موقف وزارات وهيئات الإعلام من وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض الدول لم تشمل قوانين المطبوعات فيها هذا التطور الجديد في وسائل الاتصال. وهذا ما يجعل القضايا التي ترفع إلى المحاكم تطبق عليها قوانين العقوبات العامة. ولقد طالب منتدون ألا يستخدم مفهوم «الأمن القومي» للتفريط في مكتسبات حرية الرأي التي حققها مجتمع الخليج العربي.

المطلوب هنا دراسة مضمون رسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على المجتمع قبل وضع الاشتراطات والضوابط. وكما أنه من حق الدولة حماية مواطنيها فيزيائيا، تجد الدولة نفسها ملزمة بحمايتهم فكريا، ذلك أن تخريب وتشويه الفكر يستتبعه حتما تخريب الجسد فيزيائيا عن طريق السلوك الشاذ غير السوي، وهذا التشويه بعد أن يتأصل في الأفراد يصعب علاجه.

ولقد أقر وزراء الإعلام بدول مجلس التعاون إنشاء إذاعة «هنا الخليج العربي»، حيث بدأت بثها التجريبي اعتبارا من 1-10-2013، وهذه إحدى الثمار الملموسة التي نتجت عن ذلك الاجتماع، والذي عادة ما تكون قراراته غير معلنة!

ونأمل أن تحقق الإذاعة أهدافها بما يتطلع إليه مواطنو دول المجلس، وأن تكون منبرا صادقا لآمالهم وتطلعاتهم، وألا تكون مجرد «هبة» وطنية وقتية، كما حدث لـ«صوت مجلس التعاون» في الثمانينات والذي لم يعمر طويلا، وكان الحماس لاستضافته مترددا وغير كاف من قبل بعض الدول. كما أنه من الأهمية بمكان إشراك الشباب في هذا الصوت، وأن تكون رسائل أدوات التواصل «العاقلة» من المصادر المهمة لهذا الصوت، وأن يتم تدريب المذيعين تدريبا يتوافق مع المرحلة التي تتطلب وعيا وثقافة وسعة أفق بعيدا عن «ثقافة» بث الأغاني والمواقف الظريفة التي نسمعها يوميا من بعض محطات الـ«F.M» في دول المجلس، والتي لا ترقى إلى أهداف الإذاعة الوليدة.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط