وعلماء الشيعة من يشايعهم؟

آراء

علماؤنا الشيعة الأفاضل في الأحساء والقطيف والعوامية، وباقي بلداتنا التي يقطنها أهلنا الشيعة في المملكة، مدوا أياديهم الوطنية البيضاء للإسهام في مكافحة العنف والإرهاب، الذي يحيك لنا ولبلادنا الشرور والفجور. وهذا منهم ليس بمستغرب، فهم يتحركون ضمن سياق تاريخي وطني شريف نعمت به مملكتنا الحبيبة منذ تأسيسها، لا ينكره إلا مكابر أو جاهل بتاريخ مملكتنا.

فعلماؤنا الشيعة في القطيف هم من أفتى بعدم جواز سيطرة بريطانيا على منطقة القطيف والأحساء، عندما طلب منهم المندوب البريطاني “السامي” في المنطقة “طلب الحماية من بريطانيا”، كبقية المحميات البريطانية في الخليج. وآثروا على ذلك طلب الحماية من المغفور له المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وذلك انطلاقا من القاعدة الشرعية “لا ولاية لكافر على مسلم” وبريطانيا كافرة وعبدالعزيز مسلم.

إذن، فطلب أهالي القطيف الحماية من الملك عبدالعزيز بن سعود، أتى نتاج فكر إسلامي قويم مدعوم بعواطف وطنية أصيلة، ومستند إلى تجربة تاريخية خلاقة “الدولتان السعوديتان الأولى والثانية”.

ولذلك فليس بالمستغرب أن يدخل الملك عبدالعزيز منطقة القطيف وتوابعها مصحوبا بأهازيج الفرح والترحيب، وليس بأزيز الرصاص ودوي المدافع والنحيب. وعلى هذا الأساس فدعوة علماء الشيعة الأفاضل شباب المملكة بشكل عام وشباب المنطقة بشكل خاص، بالوقوف صفا واحدا متماسكا ومتراصا، خلف قيادته الحكيمة الراشدة، ونبذ كل عنف ورفض حمل السلاح في وجه الدولة رفضا تاما وقاطعا، واعتباره جرما لا يغتفر بحق الذات والأهل والوطن، في ظل ما نشاهده حولنا من فوضى ومجازر واحتراب، أفزع وروّع العيون قبل العقول، وفتح البلاد المصابة بهوس الطائفية والاحتراب على مصراعيها لكل عدو طامع وخصم شامت وصديق عاجز وحليف صامت.

ليس بالمستغرب أن تجسد النظرة الشرعية كمطلب على أرض الحياة كواقع معاش، من قبل علماء الشرع الأفاضل، كونهم أهل تخصص وبيان في هذا الشأن، إذ أوردوا في بيانهم “أن أعظم مقصد للدين، وأهم مطلب للمجتمع هو بسط الأمن والاستقرار في البلاد”، وأشاروا إلى “أن مجتمعات الأمة بليت في هذا العصر بجماعات وتيارات متطرفة تمارس الإرهاب والعنف تحت عناوين دينية وسياسية والدين بريء من الإرهاب والعنف السياسي، إذ إن كل ذلك يدمر الأوطان”. وحذروا من العنف بجميع أشكاله “نحذر أبناءنا وشبابنا الأعزاء من الانجراف خلف توجهات العنف والتطرف، فهو لا يحل مشكلة، ولا يحقق مطلبا، بل يزيد المشاكل تعقيدا، ويحقق مآرب الأعداء الطامعين”. وأصلوا دعوتهم بذكرهم بأن: “وما نعرفه من سيرة أئمة أهل البيت ومن توجيهاتهم الهادية، أنهم يؤكدون على حفظ وحدة الأمة ورعاية المصلحة العامة، ورفض أي احتراب داخلي حماية للسلم والأمن في مجتمع المسلمين، وذلك هو نهج مراجعنا وفقهائنا الكرام”.

وليس بمستغرب على علماء الشيعة الأفاضل، محاربة الفكر المتطرف والخارجي، وشيعة الإمام والخليفة الرابع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، هم من أول من اكتوى بنار التطرف والإرهاب على يد غلاة الخوارج ومجرميهم.

ومن هذا المنطلق، أتى تأييد سماحة المرجع العلامة آية الله علي السيستاني، وعدد من علماء النجف، لبيان علماء القطيف والأحساء، حرصا ودعما لاستقرار وأمن بلاد الحرمين الشريفين، التي لا ينبع منها، في ظل قيادتها الرشيدة، إلا كل عطاء خير ومحبة وسلام، للعالمين العربي والإسلامي والعالم أجمع.

ها نحن، ولله الحمد والمنة، نجتمع سنة وشيعة شعبا ومسؤولين وعلماء ومراجع نتراص ونتكاتف ونتعاضد لحماية مملكتنا الغالية من كل عنف أو إرهاب وتطرف، لنجعلها مزارا آمنا لحجاج بيت الله، ومستقرا آمنا مطمئنا لمواطنيها والوافدين إليها من كل بقاع الأرض. وهذه من بركات دعوة سيدنا أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، عندما دعا ربه: “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هٰذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر”.

علماؤنا الأفاضل من القطيف والأحساء، عندما سطرت أناملهم الوطنية الشريفة بيانهم، لم ينطلقوا من فراغ، إذ تجاوزا كل التفاصيل الصغيرة التي من الممكن عدم الوقوف عندها، وأكدوا على الخطوط العريضة التي على رأسها الخط الأحمر “أمن الوطن”.
وذلك حرصا منهم وخشية على أمن واستقرار الوطن وسلامة مواطنيه من أن تندس الأيادي الخارجية والداخلية القذرة، التي تتربص وتنتظر الانقضاض عليه، من خلال أي فلتان أمني يحدث هنا أو هناك، لا سامح الله.

وما سطروه من بيان يحذر وينذر ويدين ويشجب العنف والتطرف والإرهاب من أي كائن كان، هو امتداد طبيعي لما سطرته بيانات وحناجر إخوانهم علماء السنة في المملكة. فهكذا يكون الاتحاد والحرص الوطني على أمن الوطن وسلامة مواطنيه، من قبل علماء الدين سنة وشيعة، مطلبا دينيا وإنسانيا ووطنيا ملزما في ظل الفوضى والاحترابات التي تضرب منطقتنا العربية يمينا ويسارا للأسف الشديد.

الطائفية هي أم المهالك والشرور، وأساس النزاعات والفتن في المجتمعات، والقضاء عليها هو في المقام الأول، يقع على عاتق علماء الدين، وذلك بعدم الكلل أو الملل من إصدار البيانات تلو البيانات تدين وتجرم الطائفية، وتصنفها كنوع من التطرف والإرهاب لما فيها من ضرب للحمة الوطنية في الصميم وتمزيق لها، إذ ليس بصحيح أن كل من يثير الطائفية هو بالضرورة متدين أو محب لمذهبه، فقد يكون ساعيا لشق الصف وتدمير اللحمة الوطنية وإشاعة عدم الاستقرار، لمآرب شتى منها العمالة للأجنبي أو نية القفز على السلطة.

في بداية التسعينات من القرن الماضي، وبالتحديد بعد حرب الخليج الثانية، قال لي شاب قريب لي، إن شابا طلب منه جمع السلاح وبيعه عليه، والبحث له عن مصادر أخرى لها. سألته وماذا يريد الشاب بالسلاح، فقال لي إنه يقول إن الشيعة في المنطقة الشرقية سيثورون على السنة هناك، وإن الإمارة هناك لن تتدخل، ولذلك فهم يستعدون بجمع السلاح للتصدي لهم، طبعا عددت القصة تافهة لا تستحق الالتفات إليها. ولكن بعد عدة سنوات اكتشفت أن الشاب الذي سعى لشراء وجمع السلاح هو أحد مؤسسي القاعدة في المملكة، وأن مخازن الأسلحة التي وجدت مدفونة هنا وهناك، هي نتيجة التحريض الطائفي. برغم أن من ضرب بالسلاح هذا هم السنة وليس الشيعة، أي عن طريق التحريض الطائفي توصلت القاعدة في بناء قاعدتها لدينا.

ولذلك وتجاوبا مع بيان علماء القطيف والأحساء الأفاضل، ألا يجدر بأن تضم لائحة الجرائم والتنظيمات المجرمة التي أصدرتها وزارة الداخلية الأخيرة، تجريم كل من يحرض على العنف الطائفي أو يؤجج الطائفية أو المناطقية والقبلية والعرقية أو يشكك في ولاء أو دين أو وطنية أي فئة اجتماعية، حماية لجسدنا الوطني ودفاعا عن وطننا من أعداء الداخل والخارج.

أخيرا، شكرا لعلمائنا الأفاضل الوطنيين، شيعة وسنة، وشكرا لوزارة الداخلية وجنودها الأشاوس. وفي الأول والأخير، شكرا لحامي الوطن الأول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أطال الله في عمره ورعاه.

المصدر: الوطن أون لاين