كاتب برتبة آلة كاتبة..

السبت ١٣ أغسطس ٢٠١٦

قد لا يدري البعض أن صعوبة التقاط الفكرة أكثر بكثير من صعوبة التقاط صورة لـ«البوكيمون» تحت شمس شهر أغسطس، وأن الكاتب يعاني أيما معاناة حتى يجد موضوعاً جديداً وقريباً ومهماً حتى يكتب فيه، فهذه الزاوية ليست لملء الفراغ ولا تشبه تلك الزاوية في المقهى الشعبي قرب فرن «الفطير المشلتت»، الكاتب يجب أن يحمل الرسالة بكفّيه كما يُحمل الماء للعطشان بدقة ورويّة وعناية، الكاتب يجب أن يقلق ويخاف ويتعرّق عند كتابة مقاله، وليس كما يعتقد البعض أن المسألة لا تتعدى «صف كلام»، أو نسج بعض الجمل التقليدية يجمعها حسن اختيار أدوات الربط و«حُسن الخاتمة». قبل أسابيع وصلتني رسالة على البريد الإلكتروني من فتاة تطلب مني مساعدتها في كتابة بحث عن أضرار الأكياس البلاستيكية على البيئة، ولأنني أحاول أن أخدم ما استطعت، فالمساعدة في مجال الكتابة هي جزء من الرسالة أيضاً. نوّهت لها بأن مساعدتي سوف تعتمد على وقت فراغي اليومي أولاً، كما تنصب في المراجعة وإبداء الملاحظات على اللغة والتسلسل لا أكثر، الأمر على ما يبدو كان صادماً؛ إنها تريد مني أن أقوم بكتابة البحث كاملاً من الألف إلى الياء وعلى وجه السرعة، منوهة بهذه العبارة الآمرة: «لو سمحت يجب أن أسلم البحث غداً»! فاعتذرت لها بلباقة، ثم تلقيت رسالة طويلة من التقريع، إذا كنت أنت لا تؤمن بأهمية البيئة فمن…

شمشون العرب

السبت ٠٦ أغسطس ٢٠١٦

برزت في نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي ظاهرة شمشون العرب، وكان يتسيد شمشون العرب الخبر الأخير من نشرات الأخبار، كما كانت ترتاح الصحف العربية بإفراد نصف صفحة لرجل مفتول العضلات يبرز نصفه العلوي العاري للمتفرجين، حيث يقوم بالمشي على كوم من الزجاج المكسر بثقة زائدة أو يضع في فمه شعلة نار، أو يدخل أسياخاً في خاصرته المشدودة، أو يطلق صرخة مدوية قبيل تكسير رفوف عدة من الطوب بضربة واحدة، وأحياناً هو نفسه «شمشون: ما غيرة»، يسحب شاحنة كاملة بـ«شعر صدره» أو يجر مدحلة إنشائية بأسنانه، أو يقوم بسحب قاطرة ومقطورة بـ«أذنيه»، وغيرها من المهارات المبهرة والفريدة لكنها غير مفيدة في الواقع على الإطلاق.. كما أننا لا نرى شمشون سوى على الصفحة الأخيرة من الجريدة أو بالدقيقة الأخيرة من النشرة، لكننا لم نره مثلاً في الواقع وفي حياتنا اليومية كـ«سوبر مان» بطبعته العربية. أنا أرى أن شمشون العرب الذي يستحق الإضاءة والتكريم والإشادة هو «الموظّف» بقطاعيه العام والخاص، فالموظف بعد اليوم العاشر من الشهر يصبح نصفه العلوي عارياً تماماً، يقوم بالمشي الى نهاية الشهر بثقة زائدة، ويحاول أن يطفئ شعلة غيظة من نفاد الراتب، ويطلق صرخة مدوية وهو يصفع ناصية ماكنة الـ«ATM» وهي تخبره أن رصيدك أقل من الحد الأدني للسحب، ويتسلى من الإفلاس بشدّ «شعر صدره»، ويحاول أن…

مطلوب سجناء!

السبت ٣٠ يوليو ٢٠١٦

اعتدنا أن نقرأ في الصحف عن حاجة بعض الدول لملء وظائف شاغرة في مجالات مختلفة.. مطلوب خبراء، مطلوب أطباء، مطلوب مديرون، مطلوب شركاء، لكن أن تعلن دولة أن لديها «زنازين» شاغرة، وتشكو قلّة السجناء، فهذا بحاجة إلى طول تأمل، لمعرفة ما الذي أوصلها إلى هذه الحال. ففي الوقت الذي تعاني فيه دول عربية وغربية ازدحام السجون، واكتظاظ غرف التوقيف، والحاجة إلى بناء سجون جديدة، أو اختراع طرق جديدة للعقاب والمحاكمة، للتخلص من المصروفات الهائلة التي تتكبّدها الحكومات من نفقات على مساجين يأكلون ويشربون وينامون ويشجعون مباريات الكلاسيكو تحت التكييف المجاني، على حساب الدولة التي أرهقوها بجرائمهم، تعلن هولندا قبل أيام، وفي خبر أوردته وكالات الأنباء، عن نقص حاد في عدد السجناء لديها، فهي تعاني انخفاض عدد المساجين بشكل لافت، وبنسبة وصلت إلى 27%. حيث يقابل كل 100 ألف شخص في هولندا 57 سجيناً فقط، ما يعني أن إجمالي المساجين في كامل الدولة البرتقالية لا يتجاوز المئات. ويقال إن عدد السجّانين صار يفوق عدد السجناء، وإن غرفاً كثيرة فارغة وشاغرة، وسجوناً مهددة بالإغلاق إذا ظلت الحال على ما هي عليه من كساد إجرامي، وانخفاض لافت للجريمة، حيث تفيد التقارير بأن المواطن الهولندي والمقيم على أرض الدولة صار أكثر التزاماً بالقوانين والتشريعات، الأمر الذي أسهم في هبوط حاد في مستوى المخالفات والجرائم…

صناعة الهوَس

السبت ٢٣ يوليو ٢٠١٦

أنام عادة بعد أن يتصافح عقربا الساعة عند منتصف الليل، ألملم بقايا الأفكار، أطالع آخر الأخبار، ثم أسوّي وسادتي وأنام، لعلّي أحرز علامة 8/‏‏8 من الساعات المفترضة. قبل أسبوع، وفور استيقاظي وتفقدي لحسابي على «فيس بوك»، اجتاحت صور الـ«بوكيمون» صفحات الأصدقاء جميعها، كما كان يجتاح الجراد محاصيلنا الزراعية، حاولت أن أفهم ما القصة، كوني لم ألحظ شيئاً، ولم أقرأ شيئاً جديداً، قبل ساعات قليلة، كنت أبحث عن شخص يكتب الحكاية، وماذا تعني عبارة «بوكيمون قو»، دون جدوى، لكن الجميع يتحدث عن الـ«بوكيمون قو»، والكل يتندر ويضع صوراً للـ«بوكيمون» في أماكن مختلفة مع عبارات ساخرة.. أخيراً اكتشفت أنها لعبة إلكترونية، يتم تحميلها من خلال الهاتف الذكي. انطلقت اللعبة قبل ثلاثة أسابيع، حيث بلغت أرباحها 19 مليار دولار في 13 يوماً! بعض من قاموا بتحميل اللعبة وصفوها بأنها لعبة ساذجة، لا تستحق المتابعة أو التجريب، والبعض الآخر قالوا عنها إنها مسلية، لكنها ليست بحجم الدعاية المهولة التي رافقتها. سؤالي: من العقل المدبر في صناعة هذا الهوس العالمي؟ كيف للعبة أن تصل إلى عشرات الملايين من المستخدمين خلال أسبوع واحد؟ كيف استطاع من قام بترويج اللعبة خلق هذا الهوس بعقول المستخدمين حول العالم في ظرف أسبوع واحد، بينما نحتاج إلى شهور وشهور، وربما سنوات، حتى نقوم بإيصال تطبيق عربي أو موقع مفيد لشريحة…

عام النساء

السبت ١٦ يوليو ٢٠١٦

يبدو أن الحقيبة المربّعة التي كانت تحضرها الزوجات على عجل كخطوة أولى «للزعل» في بيت الأهل وترك الزوج «حائصاً لائصاً» ستكون من نصيبنا قريباً يا رجّالة.. ولا أستبعد في أول مشاجرة حامية الوطيس أن أحضر حقيبتي وأضع ملابسي البيتية وبعض مقتنياتي وأقول لأم العيال والدموع على خدّي: «إذا بدّك اياني عن جد.. أنا موجود معزز مكرّم ببيت أهلي.. ما برجع إلا بجاهة تردّ لي كرامتي». كلما تخيّلت المشهد، استعيذ بالله من شر الوسواس الخنّاس.. وأفضل تقديم لجوء إنساني إلى المريخ، أو أقوم بتقديم طلب وظيفة كاتب «استدعاءات» على باب الفاتيكان أو أي مكان قد ينتصر للذكور من بطش النساء القادم. نستطيع أن نقول إن العام القادم 2017 هو عام النساء بامتياز، وهو عام «الكعب العالي» والضغط العالي وحكم القوي على الضعيف.. فبعد استلام المرأة الحديدية الجديدة «تيريزا ماي» منصب رئيسة وزراء بريطانيا، وكسبت ثقة المحافظين لتتولى المهمة الصعبة والشاقة، خصوصاً بعد خروج بريطانيا من تصفيات «أمم أوروبا الاقتصادية والاتحادية» باستفتاء جاء في الوقت القاتل.. أقول إذا ما نجحت «ماما تيريزا» الجديدة في إعادة البلاد إلى سكة الاقتصاد الصحيحة وأتمت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بسلاسة خروج «الشعرة من العجين» دون اضطراب أو حياد عن السكّة، واستعاد الجنيه الإسترليني عافيته بعد أخذه الجرعة الكافية من مغذّي قرارات المعالجة.. يكون «جوول» للنساء…

أشبال «الجيوغرافيك»

الأربعاء ١٣ يوليو ٢٠١٦

اجتمع الثلاثي الممل في وقت واحد: العطلة المدرسية، الصيف، وموجات الحر؛ إذ أصبح بيتي عبارة عن غابة صغيرة، فقط نحتاج إلى تعليق صوتي (فويس أوفر)، وتصبح حياتي كلها «ناشيونال جيوغرافيك».. لقطة استعراضية للأولاد تكتشف أن الغابة الواسعة والمطاردات اليومية، التي تصورها لنا الأفلام الوثائقية، قد تقلّصت إلى غرفة 4 في 4، أحد الأولاد يتثاءب على اتساع فمه، ويستغرق مدة طويلة وهو يتثاءب، هذه اللقطة شاهدتها في حلقات «حياة النمور».. وآخر مضطجع على جنبه الأيمن ورجله اليسار تتقدم اليمين «تماماً مثل المقص» ويرمش ببطء؛ هذه تحديداً تذكرني بيوميات الأسود التي تعرضها المحطة نفسها.. أما أصغر اثنين فيتبادلان الضرب دون سبب وخطف الألعاب والهرب خلف أحد الوالدين أو كليهما.. لا تحتاج إلى كثير من التفكير «تكاثر الشمبانزي».. الزحلقة في صينية الكاسات أو الرفش في بطن النائم إنه «الهروب الجماعي للبوفالو» من بركة التماسيح.. حتى الحركات، طريقة الاقتناص، الاستجابة للأوامر، الاختباء من الأخطار، المشي في أرجاء الغرفة يتم ببطء وملل تماماً كما تنقله كاميرا الوثائقيات من الغابات الأسترالية، ومن «السافانا». أحزن عليهم في كثير من الأحيان.. المتع محدودة، والخيارات جداً قليلة، نوم، تلفاز، «تابليت»، ألعاب أخرى، مشاجرات أخوية، مباطحة على الطريقة الرومانية، ثم ترتيب القطاعات من جديد، مشاجرات، نوم، «تابليت»، تلفاز، مصارعة رومانية، ألعاب أخرى.. حتى المراكز الصيفية صارت متشابهة والالتزام بها يشبه…

تطبيق العيد

السبت ٠٩ يوليو ٢٠١٦

بعد أن غزت التطبيقات كل شيء، بدءاً من تحديد اتجاه القبلة وضبط مواعيد الصلاة، إلى التسبيح الإلكتروني، إلى تنظيف الهاتف والمساعدة في ترك الأرجيلة، وإنقاص الوزن، أتعجّب كيف فلت العيد بكل تفاصيله من عقول مبرمجي الــ«Applications»، ولم يصمّموا تطبيقاً للعيد يريح الناس ويساعدهم على اجتياز هذا اليوم المملوء بالمجاملات. يعني مثلاً لو فكّر أحد المبرمجين بتطبيق للعيد أتمنى أن يأخذ بعين الاعتبار الخيارات التالية: يعني مثلاً كل من قام بتحميل التطبيق عليه أن يوجه دعوة لأصدقائه وأقاربه لتحميل التطبيق نفسه، وعمل «قروب» مغلق، وربط أرقامهم بالــ«جي بي إس» ليدلّك على الزاوية القائمة بين طول الوتر المنشأ بين متعايدين متقاربين «قانون فيثاغورس الجديد».. وبعد اختيار مجموعة المتعايدين، تقوم بتحديد قائمة للموضوعات التي يمكن طرحها في العيد، فيضع لك خيارات.. «الطقس حار، غلاء الأسعار، رمضان سهل، «داعش» يخرب بيتهم، شفت أمم أوروبا، مين بيفوز هيلاري ولّا ترامب».. الذين يختارون الموضوع نفسه يتم زيارتهم والحديث بالموضوع المختار فقط.. ومن ثم خيارات الضيافة.. «عصير برتقال، منجا، كوكتيل، تفاح، دراق، جوافة، كيوي، قهوة سادة فقط، شاي بنعنع، شاي بميرمية»، فقبل أن يدخل ضيفك لمعايدتك تستطيع أن تحضّر له المشروب الذي وضع عليه إشارة (X) قبل الوصول، وذلك أفضل من أن تقدم له شيئاً لا يشربه.. «أنا ما بشرب عصير.. أنا ما بحب المنجا.. مشربش شاي…

«فترينة» الفرح

السبت ٠٢ يوليو ٢٠١٦

مثل طفل يتيم يحدّق في «فترينات» الملابس الجديدة، ينظر إلى الأطفال المبتهجين بهداياهم للتو، يتبع بإصبعه حبال الزينة الممتدة من بين المحال كخيط من ضياء، يشتم رائحة العيد المنبعثة من المخابز، يرفع كيس أوجاعه على ظهره ويمضي دون أن يكترث به أحد.. هي العوصم. ** في العيد أشتاق إلى «دمشق» العيد، دمشق الشوارع المزدحمة، دمشق المسالمة، واجهات المحال اللامعة، التحيات الشامية اللطيفة والغارقة بالمجاملة، الأسواق التي تشهد مفاصلات طويلة، البيوت ذات الشبابيك الضيقة المزيّنة بالورود، الأزقة التي لا تدخلها إلا الدراجات الهوائية، الأحياء ذات البلاط العتيق والأحجار السمراء المرصوفة، الأزقة التي تبيت فيها «طرطيرات» الناس البسيطة، إلى «الشراويل» العريضة والطواقي البيضاء الخارجة للتو من المسجد الأموي.. ترى متى سترتدي دمشق ثوب العيد مثل شقيقاتها، فثوب «العمليات» لا يليق بالجميلة ربة الابتسامة الياسمينة وربة الجديلة. في العيد أشتاق إلى «بغداد» العيد، إلى عباءة «أبي جعفر المنصور» المخيطة من النحاس، إلى أهداب الورد الذي يغالبه النعاس، إلى النخل الشاهق كمرود كحل يزين عين المدينة، إلى مواويل العشق الحزينة، إلى تناقضات الرشيد و«أبي النواس، إلى قلب الأمهات الذي مرّت عليه ألف حرب وما انكسر، إلى التاريخ الذي تيمم برمال العروبة، اشتقت إلى عبارة «لا سنة ولا شيعة... فبين الرمش والرمش قد تمت البيعة»، فهذه الأهداب العربية فداء للعراق فقط، ترى متى سترتدي بغداد…

جلال الدين الرومي لاجئاً

السبت ٢٥ يونيو ٢٠١٦

السياسة عبارة عن عبوة «رش» رخيصة الثمن، لكنها تستطيع أن تلطّخ أي لوحة فنية جميلة خالدة، أو تشوّه واجهة معمارية رائعة، أو تترك أثراً على صرح تاريخي يمر الزمان من تحته. جلال الدين الرومي المولود في «بلخ» التابعة لبلاد فارس آنذاك المعروفة بأفغانستان الآن سنة 604 هجري/‏‏‏1207 ميلادي، عاش في بغداد وهو في الرابعة من عمره ودرس فيها وتنقل في بلدان عربية عدة بين سورية ومكة، ثم إلى الأناضول، ليستقر به المطاف في مدينة قونية التركية، كان عالماً بفقه الحنفية وشاعراً مرهفاً ثم متصوّفاً، ويعشق الموسيقي، اشتهر عنه أنه صاحب الطريقة «المولوية» نسبة إليه، مولانا جلال الدين، وكتب مؤلفاته بالفارسية والتركية والعربية واليونانية، ومرشح هذه الأيام لا لينال جائزة نوبل بأثر رجعي وإنما ليكون فتنة «معاوية وعلي» الجديدة. ففي الوقت الذي سعت إيران لتسجيل ديوان «المثنوي» لجلال الدين الرومي ضمن تراثها الثقافي في «اليونسكو» للتراث العالمي، كون الشاعر الصوفي ولد في بلاد فارس، فإن تركيا سعت هي الأخرى لتسجيل الديوان نفسه ضمن تراثها الثقافي كون الديوان كتب على أرض تركيا التي عاش فيها العلاّمة الكبير جلّ حياته.. ولم يتوقف الصراع الثقافي بين إيران وتركيا على عمامة جلال الدين الرومي بل دخلت أيضاً أفغانستان على خط الخلاف، لتقول إن الرومي مواليد أفغانستان التي كانت في ذلك الوقت تعرف ببلخ التابعة للإمبراطورية…

كم أنت محظوظ يا مير!

الأربعاء ٢٢ يونيو ٢٠١٦

منذ أن شاع خبر إطلاق النار على النائبة البريطانية جو كوكس الأسبوع الماضي.. دون إعطاء أي تفاصيل إضافية في بداية الأمر.. وضعت يدي على قلبي وقلت سيكون حادثاً جديداً بطله شخص يحمل «الحروف العربية».. وتبقى تتدحرج الأنباء في البحث عن الأصل والفصل وتاريخ دخوله بريطانيا وميوله الدينية، حتى يجدوا له صلة ما بالإسلام. في هذه الظروف لو انفجر إطار سيارة بين ولايتين أميركيتين، سيكون سببه التطرف الشرقي، لو عاث مشجعون إنجليز تكسيراً وتحطيماً في شوارع فرنسا لكان سببه نحن، لو انكسر كوب زجاج في يد نادل بمقهى ألماني سترجع أسبابه إلى اللاجئين العرب.. التهم متوافرة بمقاسات كثيرة وموديلات متنوعة لكن فقط ننتظر من «سيلبسها» ويظهر بها أمام العالم. بعد أقل من يومين من حادثة إطلاق النار على النائبة المعارضة جو كوكس توفّيت السيدة، واتضح أن من أطلق النار هو بريطاني الأصل والمنشأ والتفكير والتطرّف ويدعى توماس مير، حيث أطلق ثلاث رصاصات عليها وهي في طريقها لمكتبها لدوافع سياسية، بسبب وقوفها مع بقاء بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، النائبة عرفت بمواقفها المؤيدة لفلسطين وسورية، حيث كانت ترأس لجنة «البرلمانيين لأجل سورية» كما عملت في منظمات اغاثية إنسانية كثيرة. لِمَ لا يعتبر ما قام به هذا المجرم تطرّفاً؟، لمَ لم نقرأ تقريراً واحداً من الوكالات العالمية عن أصوله وميوله واتصالاته قبل العملية الإجرامية وعدد…

دجاجات «غيتس»

السبت ١٨ يونيو ٢٠١٦

غالباً ما يتردّد المثل «رأس المال يتكلم» كتعبير عن أن القوة المادية تفرض رأيها وحضورها في مجال ما، ولو لم يكن مجالها، فرأس المال يتكلم في السياسة، ويفرض رأيه في كثير من الأحيان، ورأس المال يتكلّم في الاقتصاد، الذي هو ملعبه في الأصل، ورأس المال يتكلّم في الرياضة، إذا ما دخل الاستثمار في قطاع الأندية، وإلى غير ذلك. لكن في بعض الأحيان تجد نفسك مجبراً على أن تقول «يا ليت رأس المال لم يتكلّم البتة»، لبقيت هيبته ومهابته وهالته مرسومة في أذهان المحبين والمتابعين. الملياردير «بيل غيتس» يبدو أنه اختلط عليه في الفترة الأخيرة مفهوم «الجيجا» بــ«الجاجة»، وأعتقد أن النجاح في الاستثمار بقطاع التكنولوجيا و«الجيجات» قد ينطبق على أعمال الخير بقطاع «الجاجات»، فقد أطلق بيل غيتس، مؤسس ميكروسوفت، أخيراً برنامجاً للتبرع بالدجاج، لمساعدة فقراء دول إفريقيا الذين يعيشون في مجاعات دائمة وفقر مدقع، وقد تبرّع غيتس، مشكوراً، بـ100 ألف دجاجة حية، ومطعّمة ضد الأمراض الشائعة والسارية وغير السارية هناك، من خلال برنامج يدعم مداخيل مواطني تلك المناطق المعدمة، نظراً لإمكانية الاستثمار، وقلة التكلفة، وتغذية الأطفال.. وكتب على حسابه: «لو كنت أعيش في فقر مدقع لقمت بتربية الدجاج». لفتة جميلة ورائدة من الملياردير الأميركي تجاه فقراء إفريقيا، لكنها متواضعة إذا ما قورنت بثروته الهائلة، واسمه الذي يلف الدنيا، والذي يلمع مليارات…

نتضوّر فرحاً..

الأربعاء ٠٨ يونيو ٢٠١٦

الكاتب مثل الخطيب، هناك بعض المناسبات التي لابد من المرور عليها.. فلا يمكن تجاوزها أو القفز عليها، وإذا فعل فقد يتلقى عشرات الرسائل التي تلومه على عدم طرح الموضوع على طريقته.. ولأن المناسبات تتكرر فيجب أن تختلف زاوية الالتقاط في كل عام عن الذي قبله، حتى لا يتحول الحديث إلى إرشادي وعظي.. كالحديث عن الإقلاع عن التدخين أو الاجتهاد في الامتحانات والنظافة من الإيمان.. الكل يعرف هذه الفضائل لكن من يطبّقها؟ مشكلتنا في كل عام أننا نعيش رمضان «الانطباع» وننسى رمضان «الاستمتاع».. حتى صرنا أول ما نسمع كلمة رمضان نتذكر: اختناق الأسواق، أزمات السير، العصبية المفرطة، النعاس الذي يغشى المباني الحكومية، الهروب من منتصف الدوام، الشمس القريبة التي تسهم في الانتقام، المزاج المتكدّر، صوت المكيف الذي لا يهدأ، رائحة تابلو السيارة المتفاعل مع حرارة الجو، النوم الطويل، الخدر الذي يصيب الأطراف، الوجوه الصفراء، العيون الغائرة، الشفاه المشققة، أصوات المقرئين من السيارات، الفتاوى المكررة، دعايات العصائر والأرز ذي الحبة الطويلة، الراتب الذي لن يكفي، الليل القصير، كل هذه تجعلنا نعيش الشهر بضيق نهاري وتأفف ليلي.. فالدنيا تحاصرنا من جهاتنا الست. مع أن رمضان في الأصل فرض للتخلص من كل ما سبق، من العصبية والكسل واختناق الأسواق وأزمات المرور والمزاج المتكدّر، هو نزهة طويلة في جنّات النفس، إجازة للجسد، وسياحة للروح، في…