محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي
عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.

تركيا: وصفة النجاح الخطرة

الأربعاء ١٩ مارس ٢٠١٤

في سبتمبر من العام 2004، أسقط البرلمان التركي الذي كانت تهيمن عليه غالبية من حزب العدالة والتنمية مسودة قانون يجرم الزنا. وفي مطلعالشهر الماضي، اجاز البرلمان الذي تهيمهن عليه نفس الغالبية قانونا لتشديد الرقابة على الانترنت وصف بأنه هجوم على حرية التعبير في تركيا.بين هذين الحدثين 11 عاماً لتجربة فريدة لحزب اسلامي في الحكم، لكن في هذه السنوات الطويلة ما يستدعي القلق ايضاً. في العام 2004، كان قد مضى أقل من عام على تولي رجب طيب اردوغان منصب رئيس الوزراء، وكان الوقت هو وقت تأهيل تركيا لشروط العضوية في الاتحادالاوروبي وكان صرف النظر عن قانون تجريم الزنا مجرد خطوة صغيرة في جهود حثيثة حولت تركيا الى ورشة كبرى لتأهليها لمقاييس عضوية الاتحادالاوروبي. لقد كان اسقاط ذلك القانون، خطوة خلبت الباب الغرب في وقت كان كل ما يمت لمفردة "اسلامي" بصلة يقابل بشكوك عميقة. لكن في العالمالعربي، لم تكن تلك الخطوة مقبولة او مبررة لحزب اسلامي لأن الاخلاق هي حجر الزاوية في خطاب الأحزاب والجماعات الاسلامية في البلدان العربية، حتىالآن على الأقل. سيكون من قبيل المبالغة وصف تلك الخطوة في 2004 على انها لمسة ليبرالية تشربها الاسلاميون الاتراك، بل هي اقرب لخطوة تنم عن ذكاء عملي. لكن لميمض عام واحد الا وظهر مصطلح جديد لوصف التغييرات التي قادها أردوغان وحزبه حيث…

ما الذي ستفعله التكنولوجيا في حياتنا؟

الثلاثاء ٢٥ فبراير ٢٠١٤

لم يعد النقاش يدور حول ما يمكن وما لا يمكن أن يتغير بفعل التطور التكنلوجي الهائل، بل متى سنشهد تغييراً في هذا الميدان أو ذاك! فتطور التكنولوجيا بات يلح علينا أن نتكيف مع حقيقة أن تغييرات هائلة ستدخل في حياتنا اليومية، وسيتعدى الأمر حدود الخيال أيضا. وقد أثارت مناقشات القمة الحكومية التي عقدت في دبي من 10 إلى 12 فبراير الحالي، خيال الكثيرين حول حدود هذا التغيير الذي ستدخله التقنيات الحديثة على حياتنا. لكن التكنولوجيا من وجهة نظري لا تدفع ببعض الأدوات والأساليب إلى الزوال فحسب، بل إنها تخلق مفاهيم وتعريفات جديدة للكثير مما اعتدنا عليه لعقود طويلة بمفاهيم ثابتة.. ما الذي سيتغير؟ أشكال جديدة للبيروقراطية: قد لا تختفي طوابير المراجعين سريعاً، لكن من المؤكد أن الاتجاه المتزايد للاعتماد على التقنيات الحديثة في الإدارة الحكومية، قد يدفع صورة المراجع المتأفف والموظف ذي المزاج العكر إلى الاختفاء، مع اعتماد تقنيات التواصل عن بعد عن طريق رقاقة صغيرة تحمل كل البيانات المطلوبة، ودفع الأموال والرسوم إلكترونيا لإنجاز أي معاملة في أي إدارة حكومية. اختفاء جوازات السفر: تبدو المسألة وشيكة، فبعد أن اختبر العالم السفر بالبطاقات المزودة ببطاقات الهوية ذات رقاقات تحمل البيانات الشخصية، فمن المؤكد أن الرقاقات الإلكترونية ذات قدرة التخزين الفائقة، ستحل محل الوثائق وأختام موظفي الجوازات في المطارات والموانئ. مدارس…

كلاشنيكوف: سطوة التنميط

الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠١٤

حصدت حرب فيتنام التي استمرت 19 عاماً، أرواح مليون و100 ألف فيتنامي اضافة الى 3 ملايين جريح، فيما بلغ عدد الضحايا من الجنود الامريكيين 57,522 ألفاً. وعلى الرغم من أن الضحايا في كلا الجانبين لم يسقطوا برصاص البنادق فحسب، يصح التساؤل عما اذا كنا قد قرأنا في يوم مقالا يفيض باللوم الأخلاقي للسيد يوجين ستونر مصمم بندقية "إم 16" الامريكية. أستعيد ارقام حرب فيتنام، في غمرة التقارير التي نشرتها الصحافة الغربية الاسبوع الماضي حول وفاة ميخائيل كلاشنيكوف مصمم البندقية الشهيرة "ايه كي 47". لقد عرضت تلك التقارير لبعض تفاصيل حياة كلاشنيكوف، لكن ذلك يبدو غير ذي اهمية عندما تعيد تلك التقارير التذكير بأمر واحد: المسؤولية الاخلاقية التي يتم تحميلها لكلاشنيكوف لاختراعه "الاسطوري" الذي انتهى به المطاف في يد الثوار والارهابيين والمجرمين وطغاة العالم الثالث على ما تذكرنا به هذه الصحف. يتم ترسيخ هذه المسؤولية الأخلاقية بدأب ومثابرة دوما بإيراد مقتطفات من مقابلات سابقة للرجل يبرئ فيها نفسه من مسؤولية ملايين القتلى الذين يسقطون برصاصات بندقيته حسب هذه الصحف. إن أسئلة العبء الأخلاقي هذا تبدو دوما وكأنها امتياز حصري للسيد كلاشنيكوف دون سائر مخترعي الأسلحة المماثلة. لكن وبموجب منطق المحاكمة الأخلاقية هذا، فإن حصيلة قتلى حرب فيتنام ليست سوى تذكير بسؤال صغير: لماذا لم نقرأ في يوم أي لوم أخلاقي أو…

مصافحة نيلسون مانديلا

الثلاثاء ١٧ ديسمبر ٢٠١٣

في العام 1996، زار نيلسون مانديلا البحرين رئيساً لجمهورية جنوب افريقيا. ومنذ الاعلان عن الزيارة كنت أهيء نفسي للقاء واحد من آخر الرجال العظام في عصرنا، المناضل من اجل الحرية الذي علم اعداءه والعالم بأسره معنى "التفوق الأخلاقي". في الطريق الى المؤتمر الصحافي لمانديلا، اصطرعت في ذهني الافكار والمشاعر. تذكرت المرة الأولى التي علقت فيها صورته الشهيرة وهو محام شاب على جدار مكتبي وهي آخر صورة معروفة له قبل اعتقاله في العام 1964 وهو عائد سراً من الجزائر. الصورة التي بقيت تزين الجدار لسنوات طويلة وبقربها لقطة من حرب فيتنام التقطها المصور الاسترالي الراحل نيل ديفيز الذي قتل اثناء المحاولة الانقلابية في تايلند عام 1985. وفي لحظات الحماسة للقاء المنتظر، كان عقلي يستدعي تلك القاعدة الذهبية في الصحافة: "لا تقع في غرام المصادر". هرعت للمؤتمر الصحافي مبكراً جدا واخترت مقعدي في الصف الأول بمواجهة المنصة. أطل مانديلا تحف به مجموعة من مساعديه الشخصيين، آه أخيراً.. وجهاً لوجه مع بطلي! تحدث مانديلا لنحو عشر دقائق وأجاب على كل اسئلتنا بأسلوب ودود، وما ان انتهى المؤتمر الصحافي قفزت الى المنصة وأخذت في حركة سريعة مسجلي الصغير ومددت يمناي نحوه قائلاً: "سيدي.. امنحي الشرف في أن اقول لأبنائي وأحفادي أنني صافحت نيلسون مانديلا ذات يوم". نظر الي محدقاً لثوان وأجاب بود: "الشرف لي…

«خيل إبليس» متلازمة عربية

الأربعاء ١٣ نوفمبر ٢٠١٣

تُعيدني صيحات الشكوى من شبكات التواصل الاجتماعي، إلى الثمانينات من القرن الماضي مع انتشار أجهزة الفيديو. فوسط صيحات الفزع نفسها، راح كثيرون يُحذّرون من الجهاز الجديد وتأثيراته السلبية (مقابل ملطف لمفردة الشيطانية) على الصغار. وفي إحدى الندوات التي نظمها أكاديميون للتحذير من مخاطر الفيديو، رفعت سيدة بحرينية يدها لتطرح سؤالاً دفع المتحدثين للصمت: "هل يتعلق الأمر بالجهاز أم بطريقة استخدامه؟". وما أن جاء منتصف التسعينات، إلا وتصاعدت صيحات الفزع من جديد لكن مع ابتكار آخر هذه المرة يدعى: "الانترنت"، والضحايا المفترضون هم أنفسهم: الشباب والناشئة وضحايا جدد أضيفوا للقائمة: النساء. أين أصبح جهاز "الفيديو" الآن؟ في أقل من عقد من السنين، أخذ ذلك الابتكار "الشيطاني" طريقه إلى متحف الذاكرة وماهي إلا سنوات حتى عمت أجواء فزع جديدة مع انتشار الهواتف المحمولة ذات الكاميرات وتقنية "البلوتوث". الراديو، التلفزيون، الدراجات الهوائية قوبلت بنفس صيحات الفزع، بل إن الدراجات الهوائية أسميت في جزيرتنا العربية "خيل إبليس" لأن أطباء الإرسالية الأميركية في البحرين كانوا يستخدمونها في تنقلاتهم على ما يوثقه كتاب "القوافل" للكاتب البحريني خالد البسام. ما يبدو اليوم مضحكاً هو "متلازمة قدرية" يعيشها العرب جيلاً بعد جيل، تختزلها صيحات الفزع إزاء أي ابتكار علمي جديد يحدث تحولاً في حياة الناس في أي عصر. الصيحات اليوم تحوم حول وسائل التواصل الاجتماعي، فشبكة الإنترنت لم…

مصر ما بين 1955 و2013

السبت ١٩ أكتوبر ٢٠١٣

أميل مع كثيرين غيري إلى تشبيه الأجواء التي تسود البلدان العربية منذ انطلاق ثورات الشباب في أكثر من بلد بتلك التي كانت سائدة في الخمسينات من القرن الماضي، مع فوارق المقارنة. فثورات الشعوب العربية في الخمسينات التي توجت بانقلابات عسكرية جاءت ضمن مرحلة تحرر وطني توجت نضالاً وطنياً انخرطت فيه فئات عريضة من الشعب وأفرزت قادة جدداً جاؤوا من الجيش. وإذا كان التقييم الموضوعي لتلك المرحلة والأدوار التي لعبها القادة الذين أفرزتهم يتعين أن يكون ضمن ظروف تلك المرحلة، فإن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر مثل النموذج الأبرز لأولئك القادة الذين ظلوا موضع إلهام لربما حتى اليوم. الاستقلال الوطني كان المفهوم المركزي الذي حكم كل السياسات التي اتبعها عبدالناصر وبقية قادة تلك المرحلة. وهو ما يجسده تحول عبدالناصر إلى نموذج تحرر وطني لدى غالبية شعوب العالم الثالث. لم يكن هذا غريباً أو مفاجئاً، بل انعكاس طبيعي لتلك المرحلة التي كانت مرحلة تحرر وطني على مستوى العالم بأكمله. يعكس هذا العلاقات التي بناها عبدالناصر بدأب ومثابرة على مستوى العالم: تأسيس حركة عدم الانحياز تأكيداً لرغبة الاستقلال، دعم حركات التحرر في البلدان العربية والعالم تأكيداً لاستمرار المعركة ضد القوى الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا)، فيما تمثل سياسات الاعتماد على الذات داخلياً عبر التصنيع والتوسع في التعليم وبناء جيوش وطنية الجزء المتمم لهذه السياسات…

«التسونامي» المصري

الثلاثاء ٢٧ أغسطس ٢٠١٣

تثير الأوضاع في مصر جدلاً واسعاً، ناتجاً من إرباك كبير واختلاط في المفاهيم. وإذا كان الانقسام الذي تعيشه مصر وبقية العرب، حيال ما يجري في مصر من سمات المراحل الانتقالية التي تعقب الثورات الكبرى، فإن الكثيرين قد يرون أن الأوضاع تسير نحو الأسوأ ونحو مزيد من التردي، لكن ماذا لو كان الأمر على العكس من ذلك؟ لننظر إلى الأمر ثانية: هل كان تحرك الجيش المصري انقلاباً عسكرياً؟ في الظاهر، قد تنطبق مقاييس الانقلاب العسكري على تحرك الجيش المصري، لكن الاتكاء على المقاييس (الشكلية) قد يكون مضللاً للفهم. فإلغاء التمرد الشعبي من التحليل، قد يكون مهيناً للعقل أكثر من أي شيء آخر. فنزول ملايين من المصريين في الشوارع، لا يمكن تفسيره على أنه رغبة في الاستمتاع بيوم مشمس. ولا مؤامرة تحركها أصابع خفية. فخلال عام واحد، وسع الأداء السيئ للإخوان المسلمين في الحكم، من مساحة الناقمين عليهم إلى خارج خصومهم السياسيين المعلنين، لتصل إلى المواطن العادي. قد تكون المواجهات بين الأهالي ومتظاهري الإخوان دليلاً شاخصاً على رفض شعبي عميق لهم. والتساؤل عما يدفع مواطنين عاديين للإقدام على مواجهة الإخوان والاشتباك معهم وتقديم الضحايا، لا يمكن أن يفسر بالتفسيرات السهلة، مثل التخوين والتآمر والجهل وغيرها. فالناس لا تقدم على التضحية إلا عندما تستشعر خطراً حقيقياً يمسها في الصميم. هل يمثل عزل رئيس…

أشباح افغانستان تتراقص في سوريا

الخميس ٢٧ يونيو ٢٠١٣

شهدت الحرب التي شنها المجاهدون الافغان ضد المحتلين الروس في الثمانينات انعطافة هامة عندما أمدت الولايات المتحدة المجاهدين الأفغان بصواريخ قصيرة المدى مضادة للطائرات تطلق على من على الكتف. هكذا وبعد سيطرة جوية تامة للجيش الروسي، تمكنت صواريخ "ستنغر" من تحييد الطيران الحربي الروسي وإكتسب المجاهدون الأفغان ميزة تكتيكية في أرض المعركة. هل يمكن أن نتوقع نفس السيناريو في سوريا الآن بعد أن قررت ادارة اوباما بعد تردد طال أمده تزويد المعارضة السورية بالسلاح؟ تسليح المعارضة السورية ليس وحده ما سيذكرنا بافغانستان، بل الأجواء السائدة حاليا في المنطقة بعد أن تمكن الجيش السوري ومقاتلي حزب الله من استرداد بلدة "القصير" من أيدي مقاتلي المعارضة. فبعد قليل من معركة "القصير"، تعالت النداءات من رجال الدين السنة للجهاد في سوريا بشكل مدوٍ في ارجاء الدول العربية وتعالت أجراس النفير تدق بصخبٍ كافٍ ليذكرنا بالنداءات نفسها للجهاد في افغانستان مطلع الثمانينات من القرن الماضي. أبعد من هذا، فان التقارير حول الحشود العسكرية بدأت تتزايد في وحول سوريا. فحسب صحيفة "الاندبندنت" البريطانية (16 يونيو)، فإن ايران إتخذت قرارا قبل انتخاباتها الرئاسية بإرسال أربعة آلاف مقاتل من الحرس الثوري الى سوريا لدعم الجيش الحكومي، مضيفة أن هناك بالمقابل نحو ثلاثة آلاف خبير عسكري امريكي في الاردن حالياً للتمهيد فيما يبدو لإنشاء منطقة حظر طيران جنوب…

«القرم الشرقي» والتحديات البيئية

الثلاثاء ٣٠ أبريل ٢٠١٣

عندما يتعلق الأمر بالمشكلات أو الظواهر العامة، لا نجد من دعوات لحلول سوى نوعين: المزيد من الوعي، أو "تدخل الحكومة" لفرض تدابير أو إجراءات معينة على الناس. وفي السنوات الأخيرة بدأنا نقرأ لبعض المختصين، تذكيراً بحل إضافي: مسؤولية المواطن. أكثر ما يدفعنا للتأمل هنا هو القلق الذي يلازمنا دوماً، عندما نحاول اجتراح حلول لمشكلات وثيقة الصلة بالثقافة العامة السائدة لدى الناس ومرجعياتهم الثقافية والسلوكية، والقيم التي تحرك سلوكهم في الفضاء العام. وسواء تعلق الأمر بسلوك الطلاب في المدارس، أو مستوى النظافة في الشوارع وكيفية التعامل مع المرافق العامة، لا تكفي الأنظمة والقوانين، ولا حتى الإلزام والقسر الذي تأتي به الأنظمة والقوانين. يكاد يكون الأمر سباقاً مضنياً ومرهقاً بين القوانين والناس، أو بالأصح بين الفكرة التي ينظمها ويرعاها القانون، وبين سلوك الناس. فقد يكون لدينا أفضل القوانين وأكثرها نبلاً، لكنها لن تكون مجدية ما لم يتضافر معها دافع ذاتي لدى الناس للالتزام بها وتمثلها على أفضل وجه. ليس في هذا جديد، وإذا كان أفضل الممارسات يستلزم حدوداً معينة من الإجبار لدفع الناس للالتزام بالأنظمة والقوانين، فإن أكثر ما سيطرح إشكالية القوانين والسلوك هو مشكلة باتت مؤرقة في العقود الأخيرة وذات صلة وثيقة بالحياة، وهي مشكلة البيئة. يمكننا أن نطمئن لقناعة بسيطة، هي الناس يعرفون نظريا أهمية المحافظة على البيئة، لكن لا…

تقبل الدعاية وتدني الإحساس بالتاريخ

الأحد ١٤ أبريل ٢٠١٣

في كتابه المعنون "عن طريق الخداع"، يشير عميل الموساد السابق فيكتور أوستروفسكي إلى أن الموساد هو مصدر كل الشائعات التي التصقت بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وحسب اوستروفسكي فإن هذه الشائعات أطلقتها دائرة الحرب النفسية في الموساد، لكن حتى الآن فإن الكثير من العرب – بما فيهم مثقفون- يرددون مثل هذه الشائعات كما لو أنها حقائق. لكن القصة الطويلة لعرفات والنضال الفلسطيني ضد إسرائيل، قد تكشف عن خصائص ذهنية للفلسطينيين والعرب أهمها "تقبل الدعاية عوضاً عن الحقائق" و"فقدان القدرة على الإحساس بالتاريخ". إن واحدة من أكثر الإفتراءات التي أطلقها الإسرائيليون بحق عرفات هو أنه مليونير يستولي على أموال الشعب الفلسطيني. لكن عندما توفي الرجل، إكتشف الفلسطينيون أن هذا المليونير لم يكن يملك أكثر من بدلتين عسكريتين كان يرتديهما ولم يكن يملك حتى منزلاً. لعل هذا جدير بأن يذكرنا بالقاعدة الذهبية في الدعاية هي تلك التي وضعها الزعيم النازي بول جوزيف غوبلز عندما قال: "عليك بقول نصف الحقيقة لتمرير الكذبة وتكرارها تباعاً". لقد كان نصف الحقيقة في ذلك الإفتراء هي أن عرفات كان يدير أموال المنظمة لكن الكذبة كانت أنه يملكها. إن تلطيخ سمعة عرفات وبقية القادة الفلسطينيين كان يسير بشكل متوازٍ مع كل التطورات على الأرض في مسار النضال ضد إسرائيل، فكلما حقق الفلسطينيون مكاسب من أي نوع سياسية أو…

قاموس حقوق الانسان الغربي: الفلسطينيون ليسوا مشمولين

الجمعة ٠٨ مارس ٢٠١٣

في زيارته الاخيرة الى الهند، قام رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بزيارة نصب تذكاري لمذبحة إرتكبها الجيش البريطاني في العام 1919 في أمريستار بإقليم البنجاب ووضع إكليلاً من الزهور على نصب الضحايا. كتب كاميرون في سجل الزوار ان المذبحة كانت "مخزية" لكنه لم يقدم إعتذاراً عن هذه المذبحة التي وصفها المهاتما غاندي حينها بأنها قد "هزت أركان الامبراطورية البريطانية". هل هو نصف إعتذار أم شبه إعتذار؟ أيا كان الوصف المناسب لما قام به السيد كاميرون، فإن لفتته لم ترض الهنود حيث اعلن مسؤول صندوق تعويضات الضحايا ان كتابة بضع كلمات في دفتر الزيارات "بادرة ناقصة". قد يكون كاميرون أول رئيس وزراء بريطاني يقوم بمثل هذه الزيارة لموقع مذبحة ارتكبتها القوات البريطانية اثناء احتلالها للهند، لكن في العام 1997، قامت الملكة اليزابيث الثانية بزيارة مماثلة لهذا النصب أيضا ووضعت إكليلاً من الزهور هناك ولم تعتذر أيضا، فما الذي يحرك المسؤولين البريطانيين لزيارة هذا النصب التذكاري في الهند؟ هل هو العبء الثقيل لمشاعر الذنب؟ ربما، لكن اذا كان السيد كاميرون وغيره من المسؤولين البريطانيين في وارد التخلص من الفصول المأساوية في التاريخ الاستعماري لبريطانيا، فإن قائمة الاعتذارات او اللفتات المماثلة طويلة جداً. لم تقدم بريطانيا أي إعتذار عن تاريخها الاستعماري الطويل، والأمر قد لا يتعلق بضحايا أو مذابح في هذا البلد أو…

ما هو الهدف في سوريا؟

الإثنين ٢١ يناير ٢٠١٣

عندما تطول الثورات احياناً اكثر من اللازم، قد ينسى الثوار الغاية من الثورة نفسها. السؤال الذي يحوم فوق سوريا الآن هو: ما هو الهدف النهائي للثورة؟ هل هو الحاق هزيمة عسكرية بالنظام أم الوصول الى الحرية وديموقراطية حقيقية لكل السوريين؟ ان الحاق هزيمة عسكرية بالنظام تنتهي بمصير مأساوي لبشار الاسد أمر ممكن لكن الثمن سيكون مكلفاً وباهظاً للغاية ولربما بما يفوق خيال البعض. إسقاط الدكتاتورية وبناء سوريا جديدة أمر ممكن أيضا لكنه قد يستغرق وقتاً. كلفة التغيير لا مناص منها في كل الاحوال، لكنها ستكون اقل مع الخيار الثاني بدون شك. يقول الكثيرون ان الثورة السورية ما كان لها ان تصل الى هذا الوضع لولا التدخل الاقليمي، لكن الآن لربما يتعين على الثوار السوريين ان يسألوا انفسهم: ماذا نريد؟ وفيما يستمر القتال في كل انحاء سوريا، فإن هذا السؤال المعلق يحول المشهد الى خداع بصري. فالصحيح ان القتال مستمر والمعارضة تحقق انتصارات وتكسب أراضٍ لكن الى ماذا سيؤدي هذا وما هي الخطوة التالية؟ قد يرى البعض ان هذا القتال سيستمر لتحرير البلدات السورية وصولا الى العاصمة دمشق او حتى بلدة القرداحة مسقط رأس عائلة الاسد. هذا يعني اننا نتحدث ضمن الخيار الاول. للأسف، فان المعارضة السورية لا تختلف حول من يحق له التحدث باسم الشعب السوري او من يمثله، بل…