مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

الرشيد وشارلمان.. وحديث “ستيرن”

آراء

كثيرا ما رُبط التطور باحترام الوقت، فذلك يعني الانضباط في مختلف المجالات ويعني الإنجاز والإنتاج وهو “حالة ثقافية” تتكون مع التربية وسني التعلم الأولى، فنجد مجتمعات ترتقي فيها “ثقافة احترام الوقت” وأخرى تختفي فيها، وكم تندر العرب على أنفسهم وعلى الذين يتأخرون عن مواعيد محددة لإلقاء كلمة أو لافتتاح إحدى الفعاليات من ندوات أو معارض وغيرها.

وكم حدد بعضنا موعدا “بعد العشاء” للقاء صديق أو لزيارة، متجاهلين عدم دقة الوقت. كل ذلك ناتج عن تراكمات في الثقافة المجتمعية تكرس عبرها تمييع الوقت، وعدم الانتباه إلى أن دقته تؤدي إلى أمور كثيرة تنتظم من خلالها باقي أمورنا الحياتية.

أشياء من التاريخ وفهم الوقت وإشكالية التطور الحضاري ونقيضه قادتني منذ يومين لزيارة “معرض فن الساعات الكبير” بمدينة جميرا في دبي، وما إن رأيت المعروضات القديمة والحديثة وشخصا منهمكا على تركيب قطع دقيقة في إحدى الساعات أمام رواد المعرض حتى تذكرت براعة العرب قديما فيما سمّي علم الحيل.

عدت إلى الحكاية الشهيرة التي قرأناها عن الساعة الكبيرة أو “الأعجوبة الهندسية” التي أهداها الخليفة العباسي هارون الرشيد للملك الفرنسي شارلمان قبل اثني عشر قرنا، وقيل في بعض الروايات إن شارلمان وحاشيته ذهلوا من شكلها وطريقة عملها، أما الرهبان فظنوا أن الشياطين تسكنها واستغلوا سكون الليل وأحضروا أدواتهم وحطموها.

من بعض ما ذكر عن الساعة في المصادر أنها بارتفاع جدار غرفة، ولها اثنا عشر باباً، تعتمد حركتها على نظام الدفع المائي، ويسقط من فتحة فيها على قاعدة نحاسية عند تمام كل ساعة كرات معدنية بالتتابع بعدد الساعات، فيدوي صوت الارتطام. وروي أيضاً أنه بالتزامن مع تساقط الكرات تفتح أبواب بعدد الساعات ويخرج من كل منها فارس يدور حول الساعة ثم يعود إلى مكانه.

خلال تجولي بين التحف التاريخية المعروضة بطريقة أنيقة التقيت السيدة السويسرية ساندرين ستيرن، عرفت أنها من العائلة المالكة لشركة “باتيك فيليب” المنظمة للمعرض. حدثتها عن قصة الرشيد مع شارلمان، فاستغربتها إذ لم تسمع بها،
وبيّنتُ لها أن تلك الساعة تؤكد تميز العرب في “الميكانيكا”، ثم انتقلنا للحديث عن التطور ونقلة أوروبا الحضارية،
وعن التغير الهائل في التقنيات وغياب الصنعة اليدوية والتحول إلى العمل الآلي، لأكتشف أنها تعرف تفاصيل عن مراحل زمنية تعود إلى قرن ونصف من تاريخ صناعة الساعات.

أخيراً، ما سبق ليس جلدا للذات، وإنما نظرة إلى واقع نحلم بتغييره، فبعد “الربيع العربي” الذي أسقط الطغاة، نحتاج تغيير بعض ما ترسخ في ثقافتنا من أمور عطّلت عجلة تطورنا، فسبقنا الآخرون.

نشرت هذه المادة بموقع الوطن أون لاين بتاريخ (26-01-2012)