النِسْويَّة.. التفكيرُ في النِساء

آراء

أفهمُ النِسْويَّة في تجريدها الدلالي في كونها التفكير في النِساء؛ وهذا أوضح ما يمُكن تحديده من هذا المفهوم، وما عدا دلالة مستوى التجريد التي حددتها يكون تأويلاً؛ إذ إن كل ما يتجاوز التجريد يكون في غير الجوهر.

والتفكيرُ في النِساء ضرورة لأنه فعلٌ يقُصى منذ تاريخ بعيد، ولدواعٍ كثيرة عرفت الجماعات البشريَّة المهُيمِنةَ تبريرات تنحيتها وإقصائها لها. لكنها عرفت أيضًا أنماطاً عدَّة لقَِلْقَلَة هذا الإقصاء السائد، وكانت هذه الأنماط في جوهرها فعل تفكير في النِساء أيْ نِسْويَّة.

وهذا يعني أن النِسْويَّة تسعى إلى إعادة النظر في ماهيَّة النساء، أيْ من هي المرأة؟ لأَّنَّ النوع الاجتماعي/ الجندر الآخر المهَُيمِن -الرجل-، هو من حدَّد التصوُّر الوضعيّ للمرأة الأسبق، وبرغم أن النوعين الاجتماعيين يندرجان تحت نوع وجوديّ واحد هو الإنسان؛ ما يجعل من الممكن أن يضع كلّ نوعٍ اجتماعي تصوّراته عن النوع الآخر انطلاقًا من كونه ينتمي معه في النوع الوجوديّ نفسه؛ فإنه لا يمُكن أن يكون لبعض التصوُّرات اعتبارها حينما تلُغي الماهيّة والأحقيَّة الحقيقيَّة للآخر والتي عادةً ما تكون منطلقةً من وعي “الأنا بالأنا”، ومن وعي “الهِيَ بالهِيَ”، ومن وعي “الهُوَ بالهُوَ”.

ومن الضروري في هذا السياق أن أشير إلى أن النِسْويَّة لا تزال تشيع ثقافيًّا بدلالات سلبيَّة -على الأقل في مجتمعاتنا العربيَّة-، لكن الدلالة السلبيَّة التي تحاول الجماعة المهيمنة في الثقافة المعينة تصديرها هي شكلٌ من أشكال المقاومة الصحيَّة؛ ذلك أن الحرص على تشنيع مفهوم النِسْويَّة يعني بأسه من حيث ارتكازه على معطيات منطقيَّة وواقعيَّة وإنسانيَّة لا يمُكن إنكارها أو رفضها إلا بالتماهي مع مرجعيات تنحى نواحٍ تطرفُّيَّة أي في حالةٍ غير سويَّة؛ في إحلال عناصر عادلة تتسمّ بالإيجاب، محل عناصر جائرة تتسمّ بالسلب، فالأفكار المماثلة لا تعرف الممانعة إلاَّ إذا كانت ذات معاني حقيقيَّة -بصرف النظر عن ماهيّاتها-.

وبرأيي فإنه إذا كان هناك شيء حقيقي يخصُّ النِسْويَّة ومتعلقات مفهوم النوع الاجتماعي/الجندر ينبغي الحديث عنه فسيكون الإشارة إلى مشكلة ربط النِسْويَّة وقضايا النوع الاجتماعي/الجندر في المجتمعات العربية بالتخوين والإقصاء من دائرة الانتماء والدين، والحقيقة أن الإقصاء من هذه الأنساق تحديدًا ينُبِئ عن هشاشة تلحق بأتباع الأنساق المعينة سواء بحقيقة انتمائهم لها أو بتصوّراتهم عنها.

إلى جانب الإشارة إلى المقاومة الذكوريَّة التي تظهر في النسق الاجتماعي في مواجهة التشريعات القانونية التي تصدرها جهة سلطة ويكون لها إمكان نفوذها في المساحة الواقعية للمرأة، وهذا إشكالٌ كبير ينبغي أن يلُتفت إليه، أعني أن توافر القوانين المنصفة للنوع الاجتماعي/الجندر -المرأة-، لا يكفي في المجتمعات التي لا تزال عاجزة عن تجاوز تشوّهات مرجعيَّاتها الثقافيَّة.