كاتب إماراتي
في مدينة في شرق أوروبا، اشتعل حريق في مطعم الساعة الثانية صباحاً، وبعد فترة قصيرة، وقع انفجار هائل.. وصلت سيارة الإطفاء ومعها الشرطة. بدأت الشرطة التحقيق، وخلصت إلى أن الانفجار حصل بفعل تسرب غاز.
وصلت الصحافية المكلفة تغطية الشرطة، وأجرت المقابلات مع المصادر الرسمية الموجودة في موقع الحادث، ومع شهود عيان، هم سكان الشقق المجاورة، ونشرت الخبر.
في شقة في المبنى المقابل للمطعم، تسكن امرأة في منتصف الستينات من العمر، مصابة بالاكتئاب والرهاب، كانت هذه المرأة تنظر من نافذة شقتها قبل الانفجار بدقائق، ورأت رجلاً منحنياً مختبئاً خلف سيارة واقفة أمام المطعم.
أصيبت العجوز بالرعب وأمسكت بهاتفها، وصورت الرجل حتى اعتدل قائماً وغادر. بعد ربع ساعة وقع الانفجار، أصيبت العجوز بالهلع، واتصلت بشقيقتها وأخبرتها بما حدث، وقالت إنها رأت الفاعل وصورته بهاتفها، وأرسلت المقطع المصور.
صُدمت شقيقتها من المقطع، ونشرته على وسائل التواصل، موجهة نداء إلى الشرطة ألا تترك الرجل ينجو بفعلته. وصل المقطع إلى مؤثر له متابعون بالآلاف، فأعاد نشره وأضاف صوته معلقاً على تحركات الرجل في الفيديو قائلاً: رغم أن الظلام دامس، إلا أننا نستطيع أن نرى تحركات الرجل المريبة بوضوح، انظروا إلى طريقة اختبائه خلف السيارة، هذا فعلاً نيته خبيثة. ولو كانت نيته طيبة، فلماذا هو في وضعية اختباء؟
انتشر المقطع ومعه «هاشتاج» نداء إلى الشرطة: اعثروا على مفجر المطعم!
تمكن المؤثر من الوصول إلى العجوز، وقرر استضافتها في برنامج فيديو لإعادة شرح ما شاهدته بنفسها. وأعادت العجوز قصتها، وأضافت: أعرف صاحب المطعم، فهو رجل طيب، ولم يستحق ما حدث له، لكن سمعت أيضاً أنه طرد موظفاً لديه، وقد يكون هذا الموظف هو الرجل المختبئ خلف السيارة.
صنع المؤثر فيديو جديد، يشرح فيه قصة طرد صاحب المطعم للموظف. وأضاف: نحن لا نريد التحامل على الشرطة، لكن هناك جزئية غامضة على المسؤولين حلها لنا، هناك رجل غاضب لأنه طرد من عمله، هل بالإمكان العثور عليه لمعرفة سبب إقدامه على فعلته؟
وصل فيديو المؤثر إلى الصحافية، فذهبت به إلى مصدرها في الشرطة، لكنه نفى لها كل القصة، وأكد عدم وجود دليل واحد على أن الحريق والانفجار عمل مدبر. نشرت الصحافية التصريح.
اتصلت الصحافية بصاحب المطعم وأطلعته على المقاطع المتداولة، وسألته إذا كان يشك في الموظف المطرود، فنفى أنه طرده.
وقال: هو ترك العمل بنفسه، وهاجر من المدينة بعد أن وجدت خطيبته فرصة عمل أفضل في دولة أخرى، فلحق بها.
عادت الصحافية إلى الشرطة، وطلبت منهم تفريغ كاميرات الشارع لمشاهدة الرجل المختبئ خلف السيارة من زاوية أخرى. وحصل لها ما أرادت، وعند النظر إلى فيديو كاميرات المراقبة من زاويتين أمامية وخلفية، تبين أن الرجل كان ماراً مصادفة، وانحنى ليربط حذاءه الرياضي، وأكمل طريقه.
تنتقل الحقيقة في العمل الصحفي من المصدر إلى المتلقي بشكل مباشر و واضح ودقيق لا لبس فيه. بينما تمر الحقيقة في سوشيال ميديا بعدة محطات، كل واحدة منها تضيف إليها معلومة غير صحيحة أو افتراض غالبا بسوء نية.