هل تصبح رام الله مركزا للتكنولوجيا في العالم العربي؟

منوعات

في قلب رام الله يبدو مكتب “يا مسافر” وكأنه ينتمي لمنطقة وادي السيليكون أو “سيليكون فالي” التي تضم العديد من الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

فحوائط المكتب مغطاة بالخشب الداكن، كما يوجد به مطبخ رائع مطلي باللون الأسود وفيه ماكينات لإعداد القهوة.

ويعتبر “يا مسافر” واحدا من أنجح المشروعات الاقتصادية الناشئة في الضفة الغربية. والمشروع الذي بدأ برأس مال قدره مليون دولار، هو موقع إلكتروني للسفر يعمل على تقديم محاكاة عربية للموقع الأمريكي Hotels.com المختص بتقديم خدمات السفر وحجز غرف الفنادق.

ويستخدم الموقع ابتكارات تكنولوجية مثل “الحجز دون بطاقة ائتمان”، الذي يعتمد على حلول حسابية في تحديد ما إذا كان العميل يتمتع بالثقة الكافية لكي يحجز الفندق دون بطاقة ائتمان.

ويقع ذلك المكتب في الطابق الثاني من مبنى إداري بشارع الكفاح، يضم عددا من الشركات الناشئة في رام الله.

وتقودك صالة الاستقبال المضيئة إلى مدخل متسع تصطف على جانبيه مكاتب مغطاة بألواح زجاجية.

ويقول خالد أبو الخير الرئيس التنفيذي للشركة إن “كل شيء نقوم به تواجهنا فيه صعوبات كبيرة، لذا فنحن دائما نفكر خارج الصندوق، سواء كان الأمر يتعلق بخدمة أو لعبة”.

ويضيف أبو الخير “واجهنا الكثير من النقد السلبي منذ البداية.. حيث قيل لنا إننا نحلم. لكن على أي حال، دشنا المشروع.”

عقبات التطور

وعلى بعد عشرين كيلومترا من هنا، تزدهر مراكز التكنولوجيا في إسرائيل.

وكانت حلقة من برنامج “بي بي سي كليك” بثت مؤخرا قد ركزت على التطورات التي طرأت على التكنولوجيا في إسرائيل، وخاصة التكنولوجيا العسكرية والطبية منها.

أما في الضفة الغربية فإن الأمر مختلف. ففي رام الله، وهي العاصمة غير الرسمية للأراضي المحتلة، يأمل الفلسطينيون في أن يساعد الاستثمار في الشركات التكنولوجية الناشئة على انتشالهم من الاقتصاد المتعثر بسبب العقوبات.

ويعد الجدار العازل، الذي يفصل بين إسرائيل والأراضي المحتلة، أكثر تلك العقبات وضوحا، إلا أن هناك العديد من العقبات المهمة الأخرى أمام التطور التكنولوجي.

فإسرائيل تتحكم في عرض النطاق الترددي في الأراضي المحتلة، ولا تسمح حاليا لشركات اتصالات الهاتف المحمول بحرية الوصول لشبكات الجيل الثالث (3G).

وأثيرت هذه القضية خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الضفة الغربية، حيث علقت لافتات في رام الله تطالبه بترك هاتفه المحمول في المنزل، لأنه لن يكون قادرا على الاتصال بشبكة هاتف محمول سريعة.

وكانت الأمم المتحدة قد اعترفت بفلسطين كدولة مراقب غير عضو بالمنظمة الدولية عام 2012. لذا ففي عام 2013، وانعكاسا لهذه الخطوة، قام محرك البحث الشهير غوغل بتغيير صفحة البحث عن “الأراضي الفلسطينية” إلى “فلسطين”.

وربما يكون الأهم بالنسبة لهذا المشهد التكنولوجي المزدهر هو قرار شركة آبل بالسماح بانتقال المدفوعات للشركات عبر متجرها للتطبيقات من الأراضي الفلسطينية وإليها.

ومع أن المبرمجين الفلسطينيين الهواة يستطيعون تلقي مدفوعات مقابل تطويرهم تطبيقات برامجية، إلا أن موقع “باي بال” التجاري لا يقبل حتى الآن مدفوعات من الأراضي المحتلة أو إليها، وهو الأمر الذي يأمل الفلسطينيون في تغيره قريبا.

“مخترق فيسبوك”

ويعد خليل شريتح واحدا من الذين يأملون في رؤية التغيير. واشتهر شريتح بنجاحه في اختراق صفحة مارك زوكربيرغ، مؤسس موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، العام الماضي.

تلقى شريتح عروضا للعمل في الخارج لكنه فضل البقاء في رام الله

ويعيش شريتح في منزله ببلدة ياطا، وهي من ضواحي مدينة الخليل التي تقع على بعد 80 كيلومترا جنوب رام الله.

ولم يكلفنا الأمر أكثر من رحلة عادية لكي نقابله، حيث لا توجد هناك خرائط غوغل أو أنظمة ملاحة عبر الأقمار الصناعية حتى نستدل بها على المكان الذي كنا نقصده.

ونشأ شريتح في ياطا، ولم تكن مدرسته تضم معملا ممتازا لأجهزة الكمبيوتر. ويقول إن المدرسة كانت تعتمد على المساعدات الخارجية لشراء أجهزة الكمبيوتر.

واستغرقه الأمر عامين لكي يدّخر ثمن أول كمبيوتر اشتراه من أموال حصل عليها من أعمال يدوية. وقام بتعليم نفسه البرمجة عن طريق الإنترنت.

وبعد اختراقه صفحة زوكربيرغ، تلقى شريتح عروضا كثيرة للتوظيف، وكان من بينها عروض من إسرائيل لكنه رفض، مفضلا الاستمرار في العمل بمنزله في الضفة الغربية.

ويقول شريتح “كان بإمكاني أن أجمع الكثير من المال إذا ما سافرت إلى الخارج، لكنه شيء من الوفاء وأنا أحب عملي هنا”.

ويسمي شريتح نفسه “القبعة البيضاء” أو المخترق الأخلاقي، فهو يكتشف ثغرات في المواقع الإلكترونية للشركات ويقوم بتنبيههم.

وفي بعض الأحيان تعرض عليه هذه الشركات أموالا مقابل تلك المعلومات.

وهي إحدى طرق جمع الأموال عن بعد، لكن تواجهها العديد من الصعاب، فهو يتلقى الأموال عبر التحويلات، وهو ما قد يواجه بعض المشاكل.

ويقول شريتح “بالطبع الأمر صعب؛ لأن الكثير من الناس لا يعرفون فلسطين، إنهم يعتقدون أنها باكستان”.

ويضيف “اشترى أحد العملاء واحدا من منتجاتي الأسبوع الماضي وقام بتحويل المال إلي عبر شركة ويسترن يونيون بالخطأ إلى باكستان”.

جيل شاب

ورث ضياء حب البرمجة عن والده

وجذبت مزايا التعلم الذاتي للبرمجة شبابا آخرين هنا.

فبالعودة إلى رام الله، التقينا حسني أبو سمرة في فندق موفنبيك، حيث غالبا ما تكون حدائق الفندق الواسعة المنمقة مكانا للقاء أصحاب المشروعات التكنولوجية.

وتعمل شركة أبو سمرة “موبي ستاين” على تطوير تطبيقات برمجية صحية للسوق في العالم العربي، وقامت بالفعل بتطوير 30 تطبيقا جرى تحمليها من جانب مستخدمين على الإنترنت 1.5 مليون مرة.

وأصبح ابنه ضياء مولعا بتطوير تطبيقات بعدما رأى والده. وأعطاه والده جهاز كمبيوتر محمولا قديما من طراز ماك بوك. وفي خلال أسبوع، تمكن من تطوير أول تطبيق له عن العلاج بالأعشاب.

ويبلغ ضياء الآن 16 عاما ولديه ستة تطبيقات للبيع في سوق التطبيقات.

وبالأموال التي حصل عليها من حصيلة بيع تطبيقاته، قام بشراء كمبيوتر جديد وباع القديم لأحد أصدقائه.

ويقول حسين أبو سمرة إن “هذه هي ميزة التكنولوجيا. إنها تكسر الحدود. فأي شخص لديه جهاز كمبيوتر محمول يمكنه العمل في أسوأ الظروف، فهو يستطيع العمل من منزله والتفاعل مع العالم كله.”

المصدر: BBC